في زمنٍ تتسارع فيه الابتكارات الطبية، ويبحث فيه العالم عن حلول أقل ألماً وأكثر فعالية، يبرز اسم الطبيب الكويتي الدكتور عبدالرحمن علي الكندري، كواحد من روّاد التغيير في جراحة المسالك البولية، وجراحات تضخم البروستاتا التي تعد واحدة من أكثر مشاكل الرجال إحراجاً.

ففي خطوة تعد نقلة نوعية في علاج تضخم البروستاتا، نجح الدكتور الكندري في ابتكار تقنية جديدة لعملية «تقشير البروستاتا» تقلل من أبرز المضاعفات المزعجة بعد الجراحة، وعلى رأسها سلس البول، لتمنح المرضى تجربة علاجية أكثر أماناً وراحة.

وفي حوار مع «الراي»، فتح الدكتور الكندري أبواب تجربته، كاشفاً عن خلفيات هذا الإنجاز العلمي، والتحديات التي واجهته، وكيف تحوّلت الحاجة الطبية إلى فكرة، ثم إلى ابتكار معتمد نُشر في واحدة من أهم المجلات العالمية.

وتحدث عن رؤيته المستقبلية، وجهوده في تدريب الجيل القادم من الأطباء الكويتيين على هذه التقنية التي بدأت تضع بصمتها في عالم الطب الحديث ولمزيد من التفاصيل في اللقاء التالي:

• في البداية، نود التعرف على الدكتور عبدالرحمن الكندري، مبتكر هذه التقنية الطبية المتقدمة.

- نعم أنا اختصاصي أول في جراحة الكلى والمسالك البولية، ومتخصص بشكل دقيق في علاج أمراض البروستاتا، وحصوات الكلى والمسالك البولية، بالإضافة إلى عمليات ترميم الإحليل. طوال رحلتي الطبية، هدفي تقديم علاجات فعّالة، آمنة، تقلل من معاناة المرضى، وهو ما قادني لتطوير هذه التقنية الحديثة في علاج تضخم البروستاتا.

• هل يمكن تسليط مزيد من الضوء على مرض تضخم البروستاتا؟ ولماذا يعتبر بهذه الدرجة من الانتشار؟

- تضخم البروستاتا يعد من أكثر الأمراض شيوعاً لدى الرجال، بل هو من أكثر الشكاوى التي نستقبلها في عيادات المسالك البولية، وتبدأ أعراضه عادة في سن الخمسين، وتزداد مع التقدم في العمر، والإحصائيات تشير إلى أن نحو 70 في المئة من الرجال في عمر 60 إلى 70 عاماً يعانون من هذه المشكلة، بدرجات متفاوتة.

ورغم أن العديد من المرضى يستجيبون للعلاج الدوائي، إلا أن هناك شريحة كبيرة تحتاج إلى تدخل جراحي، خاصة عند ازدياد الأعراض أو فشل العلاجات التقليدية، ففي الولايات المتحدة وحدها، يتم إجراء أكثر من 300 ألف عملية سنوياً لعلاج تضخم البروستاتا، وهذا يعكس حجم الانتشار العالمي للمرض.

• ما هي تقنية تقشير البروستاتا التي ابتكرتموها؟ وكيف تختلف عن الطرق التقليدية مثل TURP أو الليزر؟

- تقنية تقشير البروستاتا بالليزر «HOLEP» معروفة منذ عام 1998، وهي من أفضل العمليات المتاحة من حيث تحسّن تدفق البول، وسرعة التعافي، ومعدلات رجوع منخفضة جداً للمرض، لكن المشكلة الأكبر التي كانت تحد من انتشارها هي سلس البول الموقت بعد الجراحة، والذي يُعد مزعجاً جداً للمرضى خصوصاً في مجتمعاتنا المحافظة المرتبطة بقيم الطهارة والصلاة.

ومن هنا جاء الابتكار حيث قمنا بتطوير تقنية جديدة تقلل بنسبة شبه تامة من حدوث سلس البول بعد العملية، لدرجة أن معدلات السلس البولي في مرضانا تكاد تكون «صفر». وهذا ما جعل المرضى أكثر تقبلاً للعملية، وساهم في تحسين نتائجها بشكل واضح.

• كيف بدأت فكرة الابتكار؟ وهل كانت هناك تحديات في تطبيقها عملياً؟

- كما يقال دائماً الحاجة أمّ الاختراع أثناء فترة تخصصي خارج الكويت، كنت ألاحظ بشكل متكرر شكاوى المرضى من سلس البول بعد العملية، وهي شكوى قد تستمر لعدة أشهر وفي بيئات أخرى، قد يتم تقبّل هذا الأمر، لكن في مجتمعاتنا، حيث الطهارة والعبادات اليومية أساسية، فإن الأمر مختلف تماماً.

بدأت أبحث عن حلول، ووجدت أن العديد من الفرق الطبية حاولت تقليل نسبة السلس، لكننا كنا نطمح إلى حل جذري. والحمد لله، طوّرنا التقنية التي حققت نتائج مذهلة، والمرضى الآن يجرون العملية دون أن يعانوا من أي تسرب بولي، ما لم يكونوا يعانون منه مسبقاً وهذه النتيجة منحتنا ثقة كبيرة في إجراء مزيد من العمليات بهذه التقنية، كما منحت المرضى مزيداً من الطمأنينة.

• ما هي مدة التعافي المتوقعة بعد هذه العملية؟

- مدة التعافي في معظم الحالات تتراوح بين 10 أيام إلى أسبوعين، وخلال هذه الفترة يمكن للمريض العودة إلى حياته الطبيعية، باستثناء الأنشطة البدنية الشاقة، وقد يشعر ببعض الحرقة أو زيادة طفيفة في التبول، لكنها أعراض موقتة وتختفي تدريجياً.

• هل حصلت هذه التقنية على اعتراف طبي عالمي؟ وهل تُستخدم خارج الكويت؟

- نعم، ولله الحمد وقد تم نشر مقال حول هذه التقنية في مجلة علمية مرموقة متخصصة في هذا المجال في يوليو 2025.

• ما أبرز المضاعفات التي تقللها هذه التقنية؟

- أهم فائدة للتقنية هي تقليل سلس البول الموقت إلى نسب شبه معدومة، إلى جانب العديد من الميزات الأخرى، مثل:

- نزيف أقل بفضل استخدام الليزر.

- الاستشفاء السريع.

- إزالة القسطرة البولية خلال أقل من 20 ساعة.

- نسبة رجوع تضخم البروستاتا أقل من 1 في المئة، مقارنةً بـ5-15 في المئة في العمليات التقليدية مثل TURP أو التبخير بالليزر.

التقنية مرنة وآمنة ومناسبة للحالات البسيطة والمعقدة

رداً على سؤال عن الفئات الأنسب لإجراء عملية تقشير البروستاتا بالتقنية الجديدة، ذكر الدكتور الكندري أن من مميزات هذه التقنية أنها تناسب جميع الأعمار وأحجام البروستاتا وقد أجرينا عمليات لمرضى ببروستاتا صغيرة بوزن 30 جراماً، وصولاً إلى 350 جراماً، بل وأكثر. وهذا ما يميزها فهي مرنة وآمنة للحالات البسيطة والمعقدة على حد سواء.

أول برنامج زمالة لتدريب الأطباء على التقنية

في شأن تدريب الأطباء على التقنية، قال الكندري «إن التدريب من أولوياتنا، ونشكر وزارة الصحة ومعهد الكويت للاختصاصات الطبية على الدعم الكبير، وقد أعددنا برنامج زمالة كويتية هو الأول من نوعه، سيركز على تدريب الأطباء على هذه التقنية المتقدمة وغيرها من التقنيات، لضمان استمرارية الفائدة للمجتمع الطبي والمرضى».

وأضاف أن «القطاع الصحي الخاص كان ولايزال مسانداً للقطاع الحكومي في خدمة المرضى عبر أحدث التقنيات، وحريصون في عيادة المسالك على توفير أحدث التقنيات العلاجية والارتقاء بالخدمات الطبية».

مكافحة الخرافات والمفاهيم الخاطئة بالتوعية السليمة

حول المفاهيم الخاطئة المنتشرة حول أمراض البروستاتا، قال الكندري «للأسف، مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالخرافات والدعاية المغلوطة. هناك ترويج لمنتجات طبيعية لا أساس لها من الصحة – مثل الليمون أو الخيار أو كريمات بلا أي فائدة طبية – يزعم أنها تعالج تضخم البروستاتا. وهذا استغلال مؤسف لحاجة الناس، ويجب مكافحته بالتوعية الصحيحة».

خجل وجهل بطبيعة المرض

بسؤاله هل ترى أن هناك تقصيراً في التوعية بأمراض الجهاز البولي لدى الرجال؟، أجاب الكندري «نعم، حيث كثير من المرضى يأتون للعلاج بعد أن تفاقمت حالتهم، لأنهم يخجلون من طرح المشكلة أو يجهلون طبيعتها وفي بعض الحالات تصل إلى فشل كلوي أو احتباس بولي مزمن. من هنا تأتي أهمية التوعية، لأن علاج تضخم البروستاتا مبكراً يجنّب المريض مضاعفات خطيرة، منها ضعف عضلة المثانة أو مشاكل الكلى».