لا يخفى على أحد أن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، فهي أساس التوازن في حياة الإنسان وسعادته.
ومع ذلك، يشعر كثيرون في مجتمعاتنا العربية بالخجل أو التردد في مراجعة الطبيب النفسي، حتى بعد أن تشتد المعاناة، يؤجلون طلب المساعدة الضرورية.
ترجع هذه النظرة السلبية إلى عوامل متراكمة عبر الزمن، منها: الموروثات الثقافية التي ربطت المرض النفسي بالجنون أو ضعف الإرادة، وكذلك الخلط بين المرض النفسي وفكرة الضعف الشخصي أو نقص الإرادة، فضلاً عن غياب الوعي في المناهج التعليمية والإعلام عن حقيقة الأمراض النفسية وأسبابها.
هذا الشعور بالخجل تترتب عليه نتائج سلبية كبيرة؛ كثيرون من المصابين بالضغوط النفسية، أو المرض النفسي، يخفون معاناتهم مع تجنب زيارة الطبيب، ويلجأون إلى حلول غير علمية أو مسكنات موقتة تضاعف المرض، وتفاقم الأزمات النفسية حتى تصل إلى الاكتئاب الحاد أو الانتحار أحياناً.
ورغم استمرار الخجل في كثير من البيئات، بدأت مظاهر تبشر بالوعي، فقد أصبح بعضهم -حتى لو كانوا قلة- يتحدثون بارتياح عن مراجعتهم للطبيب النفسي باعتبارها خطوة طبيعية للتعامل مع ضغوط الحياة.
إحدى السيدات مثلاً روت بثقة أنها، بسبب ضغوط العمل ومشاكل الموظفين، صارت تراجع الطبيب النفسي من حين إلى آخر للحفاظ على توازنها... ومثال آخر لأسرة لاحظت تراجع ابنها المتفوق دراسياً، فاتفق الوالدان على مراجعة طبيب نفسي من دون حرج، إدراكاً منهما أن التدخل المبكر يخفف المعاناة، وقد كان الولد على قناعة بذلك ولم يمتنع.
مثل هذه المواقف أظهرت أن كثيرين من أفراد مجتمعنا بدأوا يتعاملون مع الصحة النفسية بوعي أكبر، وأن مراجعة العيادات النفسية لم تعد مصدر خجل.
في دول عديدة متقدمة فكرياً، الأصل عندها أن مراجعة العيادات النفسية أمر طبيعي، مثل مراجعة عيادات الأسنان أو غيرها. بل إن بعض الشركات الكبرى توفر جلسات نفسية لموظفيها ضمن الرعاية الصحية، إدراكاً منها لأهمية العامل النفسي في جودة العمل والإنتاج، فهي تجارب عالمية ناجحة.
كسر شعور الخجل يحتاج إلى وعي وجهود مشتركة، منها: دور الإعلام في تقديم صورة واقعية عن الطب النفسي بعيداً عن التهكم، وتوعية الأسر بأن مراجعة الطبيب النفسي ليست ضعفاً، بل هي شجاعة ومسؤولية، وإدماج برامج للصحة النفسية في المدارس والجامعات.
ومن أهمها دعم رجال الدين لهذه الفكرة، وبيان أن المرض النفسي لا تأثير له على القوة العقلية، وأن العلاج مطلب شرعي، وفي ذلك فتح كبير لموضوعات الدعاة وتجديدها وربطها بكل جوانب الحياة.
وأخيراً، قناعة المريض أن كل إنسان معرض لذلك، هي أول خطوة لابتداء العلاج، وكما قال الأطباء: «الجسد لا يشفى إلا حين يشفى العقل».
aaalsenan @