من السهل أن ننخدع بما يبدو أمام أعيننا، فنظن أننا نملك الحقائق كاملة، بينما نحن في الحقيقة لا نرى إلا جزءاً صغيراً من المشهد. كثيراً ما يدفعنا المظهر الخارجي أو الموقف السريع إلى إصدار أحكام قطعية على الآخرين، وكأننا نعرف كل ما في حياتهم من تفاصيل.

غير أن التسرع في الحكم قد يقودنا إلى ظلمهم وإلحاق الأذى بهم دون أن نشعر، لأن الصورة لم تكتمل بعد.

خلال إحدى الرحلات في القطار، صاح شاب في العشرين من عمره فجأة: «أبي! انظر إلى الأشجار! إنها تسير إلى الوراء»!

ابتسم الأب لابنه بعطف، بينما راح بقية الركاب ينظرون إليه في دهشة وشفقة. وما هي إلا لحظات حتى عاد الشاب يقول بحماس: «أبي! انظر إلى الغيوم في السماء! إنها تلحق بنا أيضاً»!

اقترب أحد الركاب من الأب وهمس له «لماذا لا تعرض ابنك على طبيب جيد»؟

ابتسم الأب مجدداً وأجاب «لقد فعلت... في الواقع إننا عائدان الآن من المستشفى، فقد كان ابني كفيفاً منذ الولادة، واليوم فقط استعاد بصره».

هذا الموقف يذكرنا بأن ما نراه أو نسمعه، قد لا يكون إلا صفحة واحدة من كتاب طويل، وأن خلف كل تصرف أو كلمة حكاية قد تغيّر نظرتنا بالكامل إذا عرفناها.

في كثير من الأحيان تكون الصورة لم تكتمل، والأخذ بالمظهر وحده، من دون التعمق في جوهر الأمور، يوقعنا في فخ الظلم وسوء الفهم.

ومن يتسرع في الحكم، يرتكب أخطاء يصعب تصحيحها: قد يخسر صديقاً مخلصاً، أو يجرح إنساناً بريئاً، أو يسيء الظن بشخص لم يخطئ.

والحل يبدأ بتمهلنا، وسعينا لفهم خلفيات المواقف، وإعطاء الآخرين مساحة لشرح ظروفهم قبل أن نصدر أحكامنا.

تذكر دائماً أن ما تراه عيناك ليس بالضرورة الحقيقة الكاملة، وأن كلمة واحدة قد ترفع إنساناً أو تهدمه، امنح الآخرين فرصة ليرووا قصتهم، فربما تحمل لك من الدروس والعِبر ما لم تتوقعه.

في النهاية، دعنا نحتفظ في أذهاننا دائماً بأن الصورة لم تكتمل، وأن في انتظارنا دائماً المزيد من التفاصيل التي تجعل من فهمنا للحياة أكثر عمقاً وإنسانية.

aaalsenan @