... إنه أشبه بزلزال، ما حصل ويحصل في مصر، بعد طوفان الهجمة الأمنية القوي، لإلقاء القبض على عدد كبير من مشاهير المنصات والتحقيقات القضائية، وسط فرحة كبيرة بين المصريين، الذين وصفوا التحرك بأنه «حركة تنظيف»، فيما يردد البعض أن هناك «أسباباً سياسية».
هذا التحرك، أتى بعد «حكي كثير»، وقلق مجتمعي واسع، ومطالب شعبية وبرلمانية في مصر بوقفة جادة، تجاه انفجار في بئر «السوشيال ميديا»، نتج عنه «زلازل» في الأخلاق، و«براكين» في البنية المجتمعية، وظهور غريب لمن أُطلق عليهم مشاهير المنصات «يوتيوبرز»، «تيك توكرز»، «بلوغرز»، وغيرها من الألقاب الجديدة، لمن يقدمون محتوى «أخلاقياته سلبية»، وأهدافه مادية، وتوارت معه أو اهتزت قيم مجتمعية، وانتشرت ألفاظ خادشة، وألقاب اختارها، هؤلاء مع الأسماء «شاذة».
وقالت مصادر أمنية لـ«الراي» إن الحملات مستمرة في القاهرة والمحافظات لتوقيف أعداد أخرى من مقدمي المحتوى الذي يحمل اعتداء على قيم المجتمع ويتضمن إثارة وهز العادات والتقاليد، إضافة إلى تتبع عمليات غسل الأموال.
من جانبها، قالت مصادر قانونية لـ«الراي» إن عدداً من المحامين تقدموا ببلاغات جديدة، ضد صنّاع محتوى، واتهموهم بنشر الفسق والفجور، ونشر أخبار كاذبة، والتعدي على القيم المجتمعية، وطالبوا باتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، والتحقيق معهم في ما يقدمونه من محتوى هدام ومخالف للدستور والقانون.
وقالت مصادر قضائية لـ «الراي»، إن المتهمين اعترفوا بتعمد نشر محتوى مثير للجدل (ألفاظ، صور، وفيديوهات) بهدف جذب المتابعين وتحقيق انتشار واسع يدر عليهم أموالاً.
«تدمير الهوية»
وقال أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس الدكتور جمال فرويز، إن «ظاهرة (التيك توكرز والمدونين)، وإن كان بعضهم يقدم محتوى علمياً أو رياضياً أو فنياً أو تاريخياً جيداً، إلا أن الجزء الأكبر يمثل أداة ممنهجة لتدمير الهوية الثقافية المصرية، وهذه الظاهرة تستغل نقاط ضعف معينة في المجتمع».
وأضاف، في تصريح لـ «الراي»، أن «المحتوى الذي يقدمه هؤلاء المؤثرون يتسم بالإسفاف والألفاظ الخادشة، ما يجذب فئات معينة من الجمهور مثل (قليلي الثقافة والمراهقين)، الذين يجدون في هذا المحتوى ملاذاً لهم، ما يزيد من أعداد المشاهدات لديهم، وبالتالي تحقيق الأرباح، وهذه الظاهرة لا ترتبط بخلفيات سياسية، وإنما هي جزء من حملة أوسع لتدمير الهوية الثقافية المصرية».
ورأى أن «الأسلوب الجديد في تدمير المجتمع، يعتمد على المؤثرين والـ (تيك توكرز) لتقديم محتوى خليع وسيئ يهدف إلى أن يكره الشباب التعليم والعمل، وأن يتخلى عن طموحه لصالح الرغبة في أن يصبح مجرد (بلوغر) أو (تيك توكر)، وهو ما نراه في سلوكيات كثير من الشباب في المدارس والجامعات، والأمر يشير بوضوح إلى وجود جهات معينة خلف هذه الظاهرة، والهدف هو تغييب الشباب وتدمير الوعي والهوية الثقافية تماماً، وهو ما له تأثير مباشر على الأمن القومي، والدين، والسلوكيات، والعلاقات الاجتماعية داخل المجتمع، وهذه الظواهر، جزء من الحرب النفسية، يتعرض لها المجتمع المصري، وليست عفوية، بل هي عمليات نفسية مدروسة وممنهجة يديرها متخصصون».
«أسباب أساسية»
من ناحيته، تحدث خبير السلوك الإنساني والعلاقات المجتمعية الدكتور محمود خليل، عن الأسباب، وقال لـ«الراي» إن «السنوات الأخيرة، شهدت طوفان محتوى رقمي غريباً، تحولت معه المنصات إلى صناعة تدر أرباحاً قياسية، وداس من يقدمون المحتوى، على القيم والأخلاق المجتمعية، وتحدوا العادات والتقاليد من أجل الأموال والظهور والانتشار، مع محتوى فقير وسلبي ومثير للجدل ولكنه مربح، ولهذا رحب المواطن المصري بالحملات الأمنية، وطالب بإنهاء تواجد هؤلاء».
«منصات غرضية»
وقال خبير الأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلومات المهندس أحمد السخاوي لـ«الراي» إن منصة «تيك توك» من وجهة نظره هي منصة سياسية في جوهرها «غرضية»، على الرغم من تصنيفها «منصة تواصل اجتماعي»، وأنه لا يستبعد أن تكون هناك جهات معينة تقف وراء تمويل هذه المنصة، وقد تستخدمها لغسل الأموال، على الرغم من عدم وجود أدلة قاطعة حتى الآن.
وأضاف أن الأسباب المالية في هذه الظاهرة، تأتي بعد الأهداف السياسية، والدخل الرئيسي لـ «التيك توكرز» وغيرهم يعتمد على نظام الهدايا الافتراضية التي يرسلها المتابعون أثناء البث المباشر، وهذه الهدايا، التي تبدأ من رموز بسيطة، تتضمن أيقونات باهظة الثمن مثل «الأسد»، والذي يعتبر من أغلى الهدايا، حيث يقدر سعره بحوالي 29.999 «عملة افتراضية» (Coins)، وهو ما يعادل ما بين 300 إلى 400 دولار، ويتم استخدام إشاعات وأمور مثيرة للجدل، ويتم جذب المتابعين وحثهم على ذلك بتقديم الهدايا باهظة الثمن كـ«الأسود والحيتان» لمستخدمي المنصة في الوقت الذي تعاني فيه المجتمعات من ظروف اقتصادية صعبة، وهذه التصرفات «غسل أموال» بشكل غير مباشر، لكنه واضح.
«أرباح المنصات»
بدوره، قال مدير تحرير جريدة الجمهورية والصحافي المتخصص في الشأن المعلوماتي محمد عبدالمجيد، إن «الأمر في حاجة إلى وقفة أمنية وقانونية قوية، وما يحدث حالياً في مصر، هو مواجهة مرحّب بها، وسوف تستمر، لأن هذا العالم من «الناشطين» على المنصات، بات يمثل «قلقاً أمنياً ومجتمعياً»، ويهز «القيم والأخلاق».
وأضاف لـ «الراي»: «المنصات، تحصد الكثير من قيم الهدايا التي يتلقاها صنّاع المحتوى، تصل إلى نحو 70 في المئة من هذا الدخل، والتحقيقات كشفت حتى الآن، عن مداخيل كبيرة، وعمليات غسل أموال بمبالغ قياسية، وهو ما يستحق هذا الطوفان الأمني الناجح، وينتظر عقوبات قانونية قوية».
«تسوّل إلكتروني»
وقال، الخبير القانوني المستشار ضياء الدين الجارحي، لـ «الراي» إن «تيك توك» أصبح يمثل نوعاً جديداً من التسوّل الإلكتروني، وهذا سبب رئيسي في انتشاره، الأمر الذي يستدعي تدخلاً قانونياً حاسماً، وهذا النوع من السلوكيات يتعارض مع قيم المجتمع وآدابه العامة، خصوصاً أن المحتوى المثير للغرائز والتصرفات غير اللائقة يتعارض مع الذوق العام».
وأضاف «القوانين الحالية تعاقب على مثل هذه الأفعال، ولكن هناك حاجة ملحة لتشريع جديد يواكب الجرائم الإلكترونية الحديثة، مثل غسل الأموال، والتي قد ترتبط ببعض الحسابات على (تيك توك) وغيرها، التي تحقق أرباحاً غير مشروعة».
ورأى أن النيابة العامة يمكنها التحقيق في مصدر أموال مستخدمي «تيك توك»، وغيرها من المنصات المشكوك فيها، باعتبار أن هذه الأموال قد تكون ناتجة عن التحايل على القانون أو غسل الأموال، وجرائم غسل الأموال تصل عقوباتها إلى الإعدام في بعض الحالات، أو السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات في حالة مخالفة الآداب العامة والأفعال الغامضة».
«تصرفات النيابة»
أما الخبير القانوني المستشار الدكتور محمد مجدي صالح، فقال لـ «الراي» إن «القانون حدد العقوبة المقررة على المتهمين بارتكاب جريمة غسل الأموال أو أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون، بالسجن مدة لا تتجاوز 7 سنوات وبغرامة تعادل مثلي الأموال محل الجريمة، فضلاً عن عقوبات تكميلية هي مصادرة الأموال المضبوطة».
وأضاف «في التحقيقات مع هؤلاء، هناك إجراءات تتخذها النيابة ضد المتهمين، من بينها (منع المتهم أو زوجته أو أولاده القصّر من التصرف فى أموالهم، أو المنع من إدارة تلك الأموال، وتجميد الأموال موضوع جرائم غسل الأموال أو عائداتها)، ويعرض قرار المنع على المحكمة الجنائية المختصة بطلب الحكم بالمنع من التصرف أو الإدارة، ويكون للنائب العام أو من يفوضه من المحامين العامين الأول أن يأمر مباشرة بالاطلاع أو الحصول على أي بيانات أو معلومات تتعلق بالحسابات أو الودائع أو الأمانات أو الخزائن أو المعاملات المتعلقة بها.
«جريمة منظمة»
ورداً على تساؤل حول حقيقة، ما يردده البعض، أن هناك «أسباباً سياسية» وراء حملات الأمن المصري الأخيرة ضد مشاهير المنصات، قال رئيس حزب الجيل الديمقراطي ناجي الشهابي، إن الحملات الأمنية الأخيرة ضد عدد من مشاهير تطبيق «تيك توك» وغيره، تأتي في إطار مواجهة جرائم منظمة، تشمل نشر الفجور وغسل الأموال، وليست كما يروّج البعض حملات ذات دوافع سياسية.
وأضاف في تصريح لـ «الراي»، أن القضية التي شغلت الرأي العام كشفت - وفق بيانات النيابة العامة والتحريات الأمنية - عن شبكات مالية معقدة، تجني أرباحاً خيالية من محتوى مخالف للقيم والأخلاق، وتحوله إلى استثمارات عقارية ومعاملات مالية بغرض إخفاء مصدرها غير المشروع (غسل أموال)، في انتهاك صارخ للقانون.
«لا سياسة»
وقال عضو مجلس الشيوخ المهندس وليد صلاح التمامي: «ليست هناك أسباب سياسية، في وطن مستقر سياسياً وأمنياً، ولكن هناك مطالب شعبية بمواجهة قوية، مع من يحاولون تشويه القيم والتأثير السلبي على المجتمع. ولهذا، برلمانياً، كانت هناك طلبات كثيرة بتغليظ العقوبات، وفي دور الانعقاد الجديد، سوف يتم طرح هذا الأمر من جديد».
وأضاف لـ «الراي»: «الأمر يجب ألا يتوقف عند المواجهات الأمنية والقضائية، ولكن يجب أن تكون هناك وقفة مجتمعية وثقافية ودينية وإعلامية، من أجل الحفاظ على أمن واستقرار البلاد مجتمعياً، واحترام الأديان والقيم والعادات والتقاليد».
قرارات حبس
أمرت جهات التحقيق المختصة بحبس «التيك توكر» نوجا تاتو، «البلوغر» إسلام عاطف، فادي تاتو ومؤمن «مونلي»، بتهم «نشر الفسق والفجور، التعدي على عادات وقيم المجتمع، ونشر مقاطع خادشة» 4 أيام على ذمة التحقيق.
قرارات إخلاء
أمرت النيابة المصرية بإخلاء سبيل «البلوغر» صاحبة حساب لوليتا، «البلوغر» شاكر، «البلوغر» سعدني وداني تاتو، بكفالات مالية على ذمة التحقيقات.
أرباح قياسية
وصلت أرباح المشاهير الموقوفين إلى ملايين الجنيهات:
- «التيك توكر» شاكر محظور يمتلك ثروة تقدر بأكثر من 100 مليون جنيه مصري، ومتوسط دخله اليومي من البث المباشر يصل إلى 500 ألف جنيه.
- «التيك توكر» سوزي الأردنية تواجه اتهامات بغسل أموال تصل قيمتها إلى 15 مليون جنيه، وهي قيمة الأموال التي تم التحفظ عليها في حساباتها البنكية.
منصات شهيرة
فكرة الفيديوهات القصيرة، التي تعتبر أساساً على «تيك توك»، أصبحت موجودة في منصات أخرى مثل «يوتيوب»، «kwai»، «إنستغرام» و«فيس بوك»، إضافة إلى منصات أخرى ولدت في الفترة الأخيرة.
مشاهير المنصات
القائمة، تتضمن «سوزي الأردنية»، «شاكر محظور»، «مداهم»، «أم مكة»، «أم سجدة»، محمد عبدالعاطي، «علياء قمرون»، «قمر الوكالة»، «نوجا تاتو»، إسلام عاطف، فادي تاتو، مؤمن مونلي، «بنت مبارك»، وغيرهم.
13 عالمياً
ذكرت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر، أن عدد مستخدمي «تيك توك» في مصر وصل إلى 41.3 مليون مستخدم بعمر 18 عاماً فأكثر مع بداية 2025، بزيادة قدرها 8.36 مليون «+25.4%» خلال عام واحد، ما يجعل مصر تحتل المرتبة 13 عالمياً من حيث عدد المستخدمين.
دراسة بحثية
- كشفت دراسة بحثية حديثة حول التحول الرقمي في الدول العربية، ومعتمدة من «داتا ريبورتال»، أن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي نحو 348 مليون مستخدم، يمثلون 70.2 في من إجمالي السكان.
- بلغ عدد مستخدمي وسائل التواصل 228 مليون مستخدم بنسبة 46 في المئة من إجمالي عدد السكان.
- حلت مصر في المرتبة الأولى عربياً من حيث عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، مسجلة نحو 50.7 مليون مستخدم، تلتها العراق بـ 34.3 مليون مستخدم، ثم السعودية بـ 34.1 مليون.