أمسية ثقافية نظمتها وكالة «The language Clinic»

«خيوط الهوية»... نسجت التاريخ بالترجمة والسفر

تصغير
تكبير

- العبدالجليل: الحديث عن الهوية الكويتية لا يكتمل من دون التطرق إلى جذورها الاقتصادية العميقة
- العازمي: اللغة... سجلّ حي للتحولات الاجتماعية
- المسلم: الثقافات الحيّة لا تعرف الجمود

في ليلةٍ حملت عبق التراث وروح الحاضر، التأم جمعٌ من المثقفين والباحثين في فضاءٍ من الحوار والوعي، لحضور فعالية «خيوط الهوية: نسيج يروي الثقافات»، التي نظمتها وكالة «The language Clinic» برعاية شركة «الأرجان العقارية العالمية»، ضمن النسخة العاشرة من منتدى اللغة، أدارها عضو المنتدى فهد القبندي الذي تولّى عرافة الأمسية.

افتتح القبندي اللقاء بكلمة مؤثرة استهلها قائلاً: «وما الأمم إلا نسجة من خيوط، تتشابه ألوانها وتختلف نقوشها»، مستشهداً بقول محمود درويش: «على هذه الأرض ما يستحق الحياة، حضارة تُزهر من اختلافاتها وتسمو بتنوعها».

ومن هذا الاستهلال، انطلقت الأمسية التي انقسمت إلى جلستين، في احتفاء جمع بين التاريخ والترجمة والسفر، مؤكدة أن الهوية الكويتية ستبقى نسيجاً متجدداً يروي حكاية وطن منفتح على العالم.

«البوم يبحر في الذاكرة»

في الجلسة الأولى، أكد رئيس الجمعية الكويتية للتراث فهد العبدالجليل أن الحديث عن الهوية الكويتية لا يكتمل من دون التطرق إلى جذورها الاقتصادية العميقة التي تمتد إلى ما قبل عصر النفط، موضحاً أن «الكويتيين اعتمدوا على البحر والتجارة والغوص على اللؤلؤ، ما أسس لهوية اقتصادية فريدة تقوم على العمل والابتكار والانفتاح».

وأشار إلى أن «رمز (البوم الشراعي) يمثل جوهر هذه الهوية، إذ ارتبط بتاريخ الكويتيين في الملاحة والتجارة، ولايزال حاضراً في شعار الدولة وعملتها».

كما بيّن أن «الكويت رغم قلة مواردها الطبيعية استطاعت تحويل موقعها الجغرافي إلى مركز تجاري نشط، يربط بين الخليج والهند وبلاد الشام»، مستشهداً بما ذكره مرتضى بن علوان في مخطوطته المشهورة في عام 1709 التي وصف أسواقها بـ«عامرة بالسلع»، لافتاً أنه أقدم ذكر للنشاط الاقتصادي في الكويت.

كما أوضح أن الكويت منذ تأسيسها اعتمدت على مهنة الغوص على اللؤلؤ كمصدر رئيسي للدخل، إذ شكل هذا النشاط أكثر من 90 في المئة من اقتصادها قبل ممارستهم لنشاط النقل التجاري والسفر الشراعي.

كذلك، استعرض في حديثه تطور الأسواق القديمة في الكويت مثل «الفرضة» و«سوق التجار» و«سوق المباركية»، التي شكّلت نواة الحركة التجارية ومراكز للتبادل بين القوافل البرية والسفن البحرية، معتبراً أنها جسدت روح الهوية الاقتصادية للكويتيين وعبرت عن تاريخهم في التجارة البحرية والبرية.

«اللغة والترجمة والسفر»

وفي الجلسة الثانية، قال الأستاذ المساعد في دراسات الترجمة في قسم اللغة الإنكليزية وآدابها بجامعة الكويت الدكتور عبدالله بزيع العازمي، إن «اللغة تعتبر الأساس في بناء هوية أي مجتمع، وأنها انعكاس مباشر لثقافته التي بدورها تؤثر بتطور اللغة واستعمالها اليومي، وأن العلاقة بينهما تفاعلية ومتبادلة عبر الزمن».

وأضاف أن «المجتمع الكويتي، كسائر المجتمعات العربية، يستمد كثيراً من ملامحه الثقافية من اللغة العربية ولهجته المحلية، وأن اللغة هي مرآة الثقافة، ومن خلالها تعبر عن القيم والعادات والتقاليد والحياة اليومية».

كما أشار العازمي إلى أن اللهجة الكويتية اليوم تختلف عن لهجة الخمسينيات أو السبعينيات من القرن الماضي، بالقول «هو تطور طبيعي يعكس حركة المجتمع وتغير احتياجاته، حيث إن بعض المفردات القديمة اندثرت مع مرور الوقت، ما يجعل اللغة سجلاً حياً للتحولات الاجتماعية».

«صور نمطية»

وفي حديث تتقاطع فيه التجربة بالتأمل، قدّم مؤسس ومدير فريق «Blue book» الرحّالة فارس المسلم رؤيته حول الهوية والسفر واللغة، مستحضراً من رحلاته حول العالم معنى الانتماء، فقال إن «الثقافات الحيّة لا تعرف الجمود، بل تتطور باستمرار، وتتكيف مع الزمن من دون أن تفقد جذورها. كل تغيير طفيف في اللغة أو العادات أو المأكل أو الملبس هو علامة حياة، لكن ما يتم الحفاظ عليه عبر الأجيال هو الذي يشكّل الرابط الحقيقي بين أفراد المجتمع، ويمنح الهوية معناها واستمراريتها».

وأضاف «الشعوب التي تصون تراثها الشعبي وفنونها التقليدية لا تحافظ على ماضيها فحسب، بل على ذاكرتها الجمعية، لأن الهوية في جوهرها ممارسة يومية أكثر منها تاريخاً مؤرشفاً. إنها تنبض في طريقة السلام، وفي الكلمة المتوارثة، وفي نكهة الطعام، وفي الأغنية التي تتردد في الوجدان».

وأشار إلى أن «الكثير من تصوّراتنا المسبقة عن الشعوب الأخرى تُبنى على صور نمطية، صنعتها وسائل الإعلام والأساطير والأفلام، حتى غدت تلك الصور جزءاً من الوعي الجمعي. ونحن كعرب كثيراً ما صُوّرنا في الإعلام الغربي بصورة سلبية، والواقع مختلف تماماً».

وعن اللغة، قال إنها «الجسر الأهم بين الثقافات، والأداة الأولى للفهم والتقارب الإنساني. ومن دونها لا يتحقق التواصل الحقيقي». لكنه في الوقت ذاته حذّر من وهم العالمية، قائلاً «اللغة الإنكليزية رغم انتشارها تبقى محدودة بحدود ثقافية وتاريخية، لذلك أشجع على تعلم لغات جديدة أو على الأقل حفظ بعض العبارات المحلية في البلدان التي نزورها، لأن اللغة باب القلب، والتواصل ليس مجرد كلمات، بل نية صادقة للفهم».

«الهوية جسر»

اعتبر المسلم أن «الهوية ليست شيئاً نتمسك به خشية الضياع، بل مساحة من التفاعل والتجدد، تتسع لكل ما هو إنساني. ومن خلال رحلاتي التي عبرت القارات، توصّلت إلى أن الانفتاح لا يعني الذوبان، والأصالة لا تعني الانغلاق، وأن الهوية حين تُعاش بوعي تصبح جسراً نعبر به نحو العالم، لا جداراً نحتمي خلفه».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي