عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره؟) رواه الترمذي.
والآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، تؤسس في الوعي الإسلامي لمسألة تعاقب الخير والشر، واليسر والعسر، والرخاء والشدة، قال الله تعالى: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» (الشرح: 5 و6).
بل إن الوظائف الأساسية للإيمان جعلت المؤمن يتعلق بالمستقبل، ويعمل من أجله على أساس أنه أفضل بكثير من الحاضر، المستقبل العاجل في الدنيا والمستقبل الآجل في الآخرة على نحو ما نجده في قوله سبحانه: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بأَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (النحل: 97).
القرن التاسع عشر كان هو قرن التفاؤل بالنسبة إلى منظّري النهضة في أوروبا، لكن القرن العشرين لم يكن كذلك.
ومن هذا المنطلق نقول: لا يستطيع الفكر الذي يحمله أي واحد منّا النجاة الكلية والمطلقة من تأثيرات الخبرة المختزنة فيه، فالعقل حين يواجه معضلة تحثه على التماس حل أو هندسة مواجهة ما، يلجأ إلى ما اكتنز لديه من التجارب الشخصية في حالات مشابهة للحالة الصعبة التي يريد مواجهتها.
ومن هنا جاء مفهوم الفكر المأزوم، هو تفكير أثّرت فيه أزمة كبرى، أو أزمات صغيرة متتابعة، فصار يرى الأشياء من منظور ضيق، يتسم بالحيرة والتشاؤم، إنه تفكير المقهور المغلوب على أمره، المفتقر إلى المبادرة الشجاعة، والعاجز عن النظر خارج الصندوق، وخارج سطوة المحنة التي يتعامل معها.
الشعور بالعجز، وازدراء الذات، مصدران مهمان لوجود الفكر المأزوم لدى أي أمة من الأمم، أو مجتمع من المجتمعات، ولعل من أهم أسباب ازدراء الذات المقارنة، ومن أكبر المشكلات التي تواجه أصحاب الفكر المأزوم توصيف الأزمات التي يشكون منها، حيث إنّ شكواهم تكون في الغالب عامة، إنهم يشعرون بأن الأمور ليست على ما يرام، لكنهم لا يملكون المنهجيات التي تمكنهم من وضع الإصبع على الجرح، ولا يملكون الصبر على البحث في تعقيدات الواقع وانثناءاته.
إن الله تعالى حثنا على التأمل في أنفسنا وأحوالنا حين قال: «وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ» (الذاريات: 21)، وأكد في مواضع عديدة من كتابه العزيز أنّ مشكلة الأمة داخلية بامتياز: «وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ» (آل عمران: 120) ولا يعني هذا بالطبع عدم وجود مؤامرات خارجية، بل إنه يعني أن إصلاح الداخل يُضعف تدخل الخارج.
واستمرار الأزمات والنكسات في حياة أي إنسان، أو أي مجتمع من المجتمعات، سيعمل على تشويه أفكار الكثيرين حتى يصبحوا جزءاً من الأزمة، عوضاً عن المساعدة في تجاوزها.
إن أردنا أن نعيد العيش في قرن التفاؤل، وجب على المؤسسات التربوية أن تصرف على المدارس الجهد المطلوب في تأسيس عقول أبنائها، وتزويدهم بالأطر الفكرية الرشيدة، لتحد من انتشار وسيادة الفكر المأزوم المشؤوم.
M.alwohaib@gmail.com
@mona_alwohaib