وصلت أوروبا، اليوم، إلى حد الاختناق، تحت وطأة موجة حرّ خانقة، فيما تتزايد الحرائق التي يُؤججها الاحترار المناخي، لا سيما في شبه الجزيرة الأيبيرية.

في إسبانيا، حيث أُبلغ عن عشرات الحرائق المتفاوتة الشدة، لقي رجل حتفه ليلاً في حريق اندلع مساء الإثنين في بلدة تريس كانتوس الواقعة على بُعد 25 كيلومتراً شمال مدريد، وأتى على أكثر من ألف هكتار. وعلق رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز على منصة «إكس» قائلا «نحن مُعرّضون لخطر شديد بسبب حرائق الغابات».

واضطر آلاف الأشخاص إلى قضاء الليل خارج منازلهم، مع إجراء عمليات إجلاء طارئة في بعض الأحيان.

وفي فرنسا، أعلنت السلطات حالة تأهب قصوى لمواجهة موجة حرّ شديد في 14 مقاطعة في الجنوب الغربي والوسط الشرقي. وقالت أندريا التي تعمل لدى جمعية وتجمع التبرعات من المارة في مدينة ليون (وسط شرق البلاد) «الجو خانق ولا هواء».

كما اشتكى آلان بيشو قائلاً «الجو حارٌّ جداً» وهو يجلس صباحا على شرفة في ديجون (وسط شرق) وأضاف «أفضل الذهاب إلى المكتب، على الأقل هناك مكيف هواء».

ليست مفاجأة

وقال خبير الأرصاد بجامعة ريدينغ البريطانية أكشاي ديوراس، في تصريح مكتوب لفرانس برس «موجة الحر التي تؤثر حالياً على فرنسا وإسبانيا ودول البلقان ليست مفاجأة».

وأضاف «هذه الموجة ناجمة عن قبة حرارية مستقرة فوق أوروبا. وبسبب التغير المناخي، نعيش الآن في عالم أكثر دفئاً بشكل ملحوظ، وهذا الواقع يزيد من تكرار موجات الحر وشدّتها».

وأشار إلى أن الجفاف يمثل واقعاً لأكثر من نصف أوروبا، بشكل خاص في المناطق المحيطة بحوض البحر المتوسط منذ أشهر عدة، ما يوفر ظروفاً ملائمة لاندلاع الحرائق.

وأعربت وكالة البيئة البريطانية، اليوم، عن قلق متزايد من نقص المياه في إنكلترا، الذي أصبح يُصنف الآن «مسألة ذات أهمية وطنية». ويُعد النصف الأول من العام الحالي الأكثر جفافاً منذ العام 1976، الذي شهد بدوره جفافاً شديداً في أوروبا، ما يشير إلى ظاهرة مقلقة تهدد أوروبا برمتها.

وفي جنوب إسبانيا، تم تفادي كارثة مساء الإثنين بعد تجدد الحريق قرب تاريفا في الأندلس، وهي منطقة سياحية شهيرة تعرضت لحريق الأسبوع الماضي.

«في وقت قياسي»

وقال مستشار الشؤون الداخلية في الحكومة الإقليمية للأندلس أنطونيو سانز، «عشنا لحظات من الخطر الشديد، إذ وصلت ألسنة اللهب إلى مداخل المناطق السكنية»، مضيفاً أن عمليات الإجلاء جرت «في وقت قياسي».

وصباح اليوم، سُمح لمئات الأشخاص من أصل نحو ألفي شخص تم إجلاؤهم من مقاطعة قادس بالعودة إلى منازلهم.

وتمكن حوالي 600 شخص من قرى متعددة أُجلي سكانها بسبب الحريق الذي اجتاح الموقع الطبيعي «لاس ميدولاس» المصنّف ضمن التراث العالمي لليونسكو في منطقة قشتالة وليون (شمال غرب مدريد)، من العودة إلى منازلهم صباح اليوم، إلا أن حرائق عدة ظلت مشتعلة في المنطقة نفسها قرب مدينة سامورا.

وفي البرتغال، لا تزال ثلاثة حرائق مستعرة، أبرزها حريق ترانكوسو (وسط البلاد) الذي اندلع السبت، ويشارك في احتوائه 700 عنصر إطفاء مدعومين بأربع طائرات.

ولم تسلم إيطاليا من موجة الحر، حيث فُرض أعلى مستوى من التحذير في 11 مدينة، من بينها كبرى المدن الإيطالية مثل روما وميلانو وتورينو.

ووسط هذا المشهد القاتم، شكّل التقدُّم في احتواء حريقٍ اندلع منذ السبت في منطقة شاسعة من متنزه جبل فيزوف الوطني، البركان المطل على خليج نابولي، بارقة أمل.

وفي جنوب شرق أوروبا، تصدرت منطقة البلقان المشهد، حيث لا تزال 14 بؤرة حريق نشطة في ألبانيا حتى الإثنين، إضافة إلى حرائق مستعرة في مونتينيغرو وكرواتيا.