من المؤسف في زماننا المعاصر أن نرى أشخاصاً يفتقرون إلى العلم والكفاءة، يتولون مناصب قيادية، حيث يُمنح الجهل سلطة تفوق قدرات أهل العلم، ويختفي صوت الحقيقة وسط زحمة الأصوات الفارغة والسطحية.

من أكثر المجالات حساسية وتأثيراً على مستقبل الأمة هو التعليم، فهو اللبنة الأساسية في بناء عقول الشباب وصياغة المستقبل. لكن للأسف، في كثير من الأماكن، لاتزال الإدارة التعليمية تُدار بيد من لا يَعُون قيمة العلم ولا روح التربية.

تخيل مدرسة يديرها رجل ليس له أي خلفية تربوية أو علمية، بل نال منصبه بوسائل غير مشروعة أو مجاملة شخصية، لا بحقه في الكفاءة والجدارة. هذا المدير لا يرى في التعليم سوى أرقام النجاح في الامتحانات، ولا يهتم بنوعية التعليم أو عمق الفكر.

في أحد الاجتماعات التي جمعت المدير بالمعلمين، أعلن بكل وضوح: «الأمر بسيط، علينا رفع نسب النجاح بأي وسيلة كانت، فليس المهم أن يفهم الطلاب، بل أن ينجحوا في الاختبارات». حينها وقف أحد المعلمين -الحامل لرسالة التعليم الأصيلة- قائلاً «نحن لا نعدّ الطلاب فقط لاجتياز الامتحانات، بل نسعى لبناء عقول تفكر، وتبدع، وتميز بين الحق والباطل. فالتعليم هو رسالة أمانة ومسؤولية لا تحتمل التهاون».

لكن المدير ردّ عليه بنبرة استعلائية: «دعنا من المثالية، الوزارة تطلب أرقاماً، ونحن ننفذ فقط».

هذا الحوار يكشف عمق المأساة: الجهل يسود لأن المنظومة لا تقدر العلم الحقيقي، بل تكرّم من يحقق مآرب شكلية تنسى جوهر التعليم.

إن تحوّل التعليم إلى مجرد سباق على الأرقام والدرجات، يجعل الطلاب آلة تحفظ لا تفهم، وقليل من الأسماء الناجحة لا تملك من العلم إلا الاسم.

أين العقول المفكرة؟ وأين دور المعلم المربي؟ وكيف يمكن أن يرتقي مجتمعنا إذا لم نعطِ التعليم أهميته الحقيقية؟ هذه هي الصورة الصادمة التي يختصرها قولنا: «الجاهل يتحكم بالعلماء».

حين يُسلّم الأمر لمن لا يعرف، لا بد أن تضعف الأمة، وتتراجع الحضارة، ويُمحى نور العقل وسط ظلام الجهل المزمن.

وليس الخطر فقط في الجهل، بل في صمته ورضاه بأن يتصدر المشهد، وأن يكتم صوت الحقيقة، وأن يجعل من العلم عبئاً على الواقع لا رفعة له.

لذلك، يجب أن ندرك أن الحل يبدأ من احترام العلم والعلماء، ومنحهم دورهم الحقيقي في صناعة القرار، ورفض تسليم مفاتيح المستقبل لمن لا يستحقها.

إنّ بناء أمة قويّة وعصرية يبدأ من احترام العلم والعلماء، ويمرّ حتماً عبر إعادة ترتيب أولوياتنا في التعليم والإدارة. لا يجوز أن نسمح للجهل بأن يتسيد مراكز القرار، خاصة في المجالات التي تصنع مستقبل الأجيال.

علينا أن نُحيي في نفوسنا وعياً جماعياً يقف ضد كل أشكال الإهمال العلمي، ويرفض القبول بمبدأ الجاهل يتحكم بالعلماء، فكل صوت عالٍ بلا علم، هو ضياعٌ للمستقبل، وكل عالم محاصر هو فرصة ضائعة للنهوض.

فلنعمل جميعاً -مؤسسات، وأفراداً، ومجتمعات- على أن نمنح أهل العلم مكانتهم الحقيقية، وأن ندعمهم في رسالتهم النبيلة. ولنطالب بالشفافية والجدارة والكفاءة، لا بالمظاهر والوساطات.

إن مستقبل أمتنا ليس للبيع، ولا يُعطى لمن لا يستحق أن يحكم، بل يُصان بالعلم والمعرفة، ويُبنى بالعقول الواعية والقادرة. فلتكن كلماتنا اليوم، وأفعالنا غداً، شرارة تُشعل طريق العلم وتُضيء دروب المستقبل.

aalsenan@hotmail.com