حين ينظر الواحد منا إلى حياته الشخصية على أنها مشروع مصيري يستحق كل التفكير والاهتمام والمتابعة، سوف يعي بأهدافه في هذه الحياة، وبإمكانياته ومتطلبات فوزه ونجاحه.
إنّ الفكرة الجوهرية للمشروع، حدّدها لنا الخالق الجليل الذي أوجدنا على هذه الأرض، من خلال تعليمات وأدبيات الشريعة الغراء، حيث قال الله تعالي: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. [سورة النحل: 97] . إذاً مشروعنا هو أن نحيا حياة طيبة بما نعمله من أعمال صالحات.
الإيمان والعمل الصالح هما عماد الحياة الطيبة، والإيمان يرتكز على ركيزة كبرى أساسية، هي أن تكون الحياة كلها لله في جميع الأحوال والأوضاع، وذلك من خلال النية والقصد مرة، ومن خلال مقاومة الرغبات والنزعات مرة ثانية، ومن خلال العمل والنشاط والتحرك تارة ثالثة، وهذا هو الذي نجده واضحاً جلياً في قوله سبحانه: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } (163) [سورة الأنعام]. لهذا لن نجد عناءً في تحديد هدف مشروعنا، حيث إنّ من الواضح أن الهدف الأسمى والأشكل هو الفوز برضوان الله تعالى في سياق عيش يتسم بالهناء والدفء والأمن والاستقرار والشعور بالنجاح والإنجاز، والإسهام في الحياة العامة.
أما عن رأسمال المشروع، فهو يكمن الكثير منه في المنهج الرباني الأقوم الذي رسم لنا الملامح العامة للحياة الطيبة، كما يكمن في المواهب والقدرات الفطرية التي ملّكنا إياها الخالق العظيم، إلى جانب قابلية الإنسان للتعلم والاستدراك على أخطائه، ومراكمة خبراته، بالإضافة إلى الوقت، وتوفر الأفكار للاستفادة منه على نحو حسن، وتوفر القدرة على ترتيب الأولويات وتأخير الرغبات، ويمكن أن يضاف إلى كل ذلك ما لدينا من أخلاق وعادات حميدة وسمعة طيبة وشغف بشيء جيد. وهذه الأمور يتفاوت الناس فيها.
إنّ حياة أي إنسان هي مشروع له جانب بدني وفكري وروحي وعلمي، ومهني واجتماعي وكل هذا يحتاج إلى شيء من التخطيط، والتخطيط يعني تحديد الأهداف البعيدة والقريبة التي نسعى إلى الحصول عليها، ويعني تحديد خط السير إليها، كما يعني تحديد الخطابات والرسائل المطلوبة لذلك السير مع استدعاء واستحضار العوائق والصعوبات التي يمكن أن تعترض مسيرتنا، وأخذها بالحسبان، بالإضافة من المهم جداً تحديد الوقت المطلوب لكل خطة جزئية نضعها.
وفي الختام لا بد من القول: نحن نعيش على هذه الأرض مرة واحدة، وهذه فرصة عزيزة وثمينة، تستحق كل الاهتمام، لاتخاذ مسار شخصي للنمو والعطاء المتتابع. وفي الحقيقة مهما بذلنا من جهد في الاستفادة المثلى من هذه الفرصة، فإنه سيكون قليلاً، فلابد من الجد والاجتهاد إلى الممات.
M.alwohaib@gmail.com
mona_alwohaib@