باعتباري أحد أساتذة جامعة الكويت، التي أعتز وأفتخر بالانتماء إليها، كان لي الشرف أن أتعرف على قامة قانونية وإنسان محترم مثل الأستاذ الدكتور بدر اليعقوب، رحمه الله وطيب الله ثراه، وجعل الجنة مثواه.

لقد جمعتني به رحاب المعرفة والصداقة، وتوثّقت هذه العلاقة أكثر عندما كان عميداً لكلية الحقوق، بينما كنت حينها رئيساً وعضواً ومتحدثاً رسمياً باسم جمعية أعضاء هيئة التدريس.

وقبل أن أستعرض معرفتي الأكاديمية بهذا الرجل الفذ، دعني أعرّج على عطائه السياسي في فترة حرجة أعقبت تحرير الكويت من براثن الاحتلال العراقي البعثي البغيض. فقد كان الدكتور بدر، حينها وزيراً للإعلام، يحمل في قلبه رسالة وطن جريح، يئن من صرخات اليتامى والمفقودين والأسرى، ويواجه صعوبات بيئية جسيمة ناجمة عن حرق آبار النفط، ناهيك عن الهجوم الإعلامي البعثي، وتواطؤ بعض وسائل الإعلام المتعاطفة معه.

في خضم كل ذلك، كان عليه أن يعيد بناء الإعلام الكويتي ومؤسساته المرئية والمسموعة والمقروءة. لم يدّخر هذا الرجل جهداً ولا فكراً، إلا وسخّره في سبيل استعادة إشراقة «عروس الخليج» بوجهها الناصع، ويدها البيضاء، وابتسامتها المفعمة بالأمل.

وقد استطاع الدكتور بدر، أن يؤدي دوره بكل اقتدار وشجاعة، حتى إنه زار عدداً من الدول المحيطة والبعيدة عن الكويت، واستطاع بحنكته ولباقته أن يكسب الرأي العام في تلك المجتمعات ونخبها لصالح الكويت. وقد برهن بذلك على أنه رجل دولة من الطراز الأول.

أما من حيث قامته القانونية واستقامته المهنية، فلي معه ذكريات ومواقف يصعب حصرها. ومع ذلك، يمكنني أن أوجزها في واقعة محددة تبرهن -بما لا يدع مجالاً للشك- على أن هذا الرجل كان ثابتاً في موقفه القانوني، ملتزماً بقناعاته، ورؤيته المستقلة والمهنية التي لم يستطع أحد أن يزحزحه عنها.

ففي فترة زمنية شهدت خلافات مع الإدارة الجامعية حول بعض القضايا الأكاديمية والإدارية والفنية، وكان الدكتور بدر، يشغل حينها منصب عميد كلية الحقوق وكان عضواً في مجلس الجامعة بصفته، بلغت الاختلافات حداً استدعى تدخّل سمو رئيس مجلس الوزراء، آنذاك، انطلاقاً من حرصه على أهمية التعليم وضرورة خلق بيئة أكاديمية مستقرة.

وبحكم مكانته كعميد لكلية الحقوق ووزير سابق، تم الاستماع لرأيه حول المواضيع المثارة، فكان له موقف واضح وصريح، نابع من قناعاته، لم يراع فيه تأثير منصبه الإداري، ولم يخضع لضغوط العمل النقابي، بل انتصر للحق بكل تجرد وموضوعية.

ومن هنا، يتجلى أن الأستاذ الدكتور بدر اليعقوب، كان بحق رجل قانون من الطراز الرفيع، يحترم أبجديات القانون، ويستقيم مع قواعده، ولا يحيد عن مبادئه.

رحل الأستاذ بدر اليعقوب، وقد ترك وراءه آثاراً كبيرة في صناعة الخير، وتقديم العون، والوفاء الذي كان يمارسه بتلقائية دون ضجيج. هذه المآثر الكثيرة كانت بين يديه، ومع ذلك لم يتحدث عنها، بل كتمها تواضعاً، على الرغم من أن بعضها ظهر دون أن يقصد، فرحلت معه إلى من يعلم السر وأخفى.

قال تعالى:

«هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ»

نسأل الله أن يرحم فقيدنا العزيز، ويسكنه فسيح جناته، وأن يُلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.