فجعت بخبر وفاة الإعلامي الصحافي القدير محبوب العبدالله، فكان خبراً صادماً لكننا نؤمن بالقضاء وبالقدر.

ولم يكن محبوب العبدالله، اسماً عادياً في تاريخ الصحافة الثقافية بشكل عام والصحافة الفنية بشكل خاص كونه كان اسماً لامعاً في سماء الصحافة الكويتية.

ولم يأتِ ذلك التميز من فراغ بل كان نتيجة ثقافة عميقة اكتسبها عبر القراءة الجادة لأمهات الكتب الأدبية من شعر وقصص قصيرة وروايات، والكثير من المسرحيات العربية والعالمية، خصوصاً أنه ينتمي إلى جيل يعشق الكتاب فكانت القراءة ديدنه عبر عقود من الزمن.

ولقد كان محبوب العبدالله، أحد أشهر الأسماء المحلية التي برزت في الصحافة الكويتية منذ أواخر الخمسينات ثم في بعض المجلات الأسبوعية والشهرية التي كانت تصدر في الكويت في الستينات، وكان قلمه راصداً للكثير من معطيات الثقافة بمفهومها الشامل.

وهو لا يجامل البتة لكنه دقيق باختيار الألفاظ غير الجارحة المسيئة دون أن يغير وجهة نظره، وهو ملم بالكثير من الأفكار والأسرار بالوسط الفني، كما أنه لا يبخل في تقديم النصائح للفنانين الشباب الذين أصبحوا نجوماً في ما بعد، وكذلك الأمر بالنسبة للصحافيين الشباب الذي شقوا طريقهم بعد أن استمعوا إلى نصائحه.

ولقد عرفته بشكل شخصي منذ أكثر من نصف قرن من الزمن، فكلما ذهبت إلى أي نشاط ثقافي أجده حاضراً ومتابعاً للأنشطة الثقافية والفنية كافة في الكويت.

ولم ينس أي باحث أو صحافي مكانته ودوره الفاعل في فرقة مسرح الخليج العربي، بل إنه كان ضمن «اللجنة الثلاثية» مع صقر الرشود، لاختيار النصوص المناسبة لتصبح مسرحية تقدمها الفرقة.

وكم استمتعت باستقباله مع بعض الأصدقاء لتناول الغداء أكثر من مرة حيث إنه كان دمث الخلق واسع الثقافة كريم النفس إذ إنني لا أذكر مرة أنه جاء دون أن يحمل معه بعض الحلويات رغم أنه لا يأكل منها بسبب وضعه الصحي، وهو شخص كريم ونبيل ودمث الخلق، لذا فإنه محبوب من قبل الجميع.

ولقد مر بظروف شتى حدثت من استمراره في الصحافة بالسنوات الأخيرة، آخرها كانت ظروفه الصحية التي اشتدت عليه بصورة كبيرة منعته من حضور بعض الفعاليات خصوصاً المهرجانات المسرحية.

وأعرف الكثير من الصحافيين الذين ينظرون إليه بنوع من الاحترام والتقدير، رغم أنهم ينتمون إلى أجيال عدة بل إن أحدهم قال لي مرة إنه أفضل صحافي في القسم الفني بتاريخ الصحافة الكويتية.

وينتمي محبوب العبدالله إلى جيل مخضرم عاصر الثقافة الكويتية وتطورها عبر عشرات من السنوات، عرف خلالها الكثير من الأسماء الثقافية محلياً وخليجياً وعربياً، كما أنه ملم بالكثير من أسرار العمل المسرحي على مستوى النص والإخراج والإنتاج، بل إنه صاحب رؤية ثاقبة في شؤون المسرح، وأذكر أنه انتقد فكرة منح مساعدة مادية للفرق المسرحية لتقديم أعمال درامية، لأنه كان يرى أن ذلك الدعم يجب أن يكون من أجل تقديم مسرحيات تليق بسمعة ومكانة المسرح الكويتي الذي كثيراً ما بات يعبر عن حزنه العميق من الوضع الذي وصل إليه، وهو الرائد خليجياً والمنافس والمتميز عربياً خصوصاً أنه كان مع فرقة مسرح الخليج العربي وكان شاهداً على تميز ما قدمته تلك الفرقة في منتصف السبعينات، حيث حصد الجوائز في المهرجانات المسرحية العربية عبر تقديم مسرحيتي «حفلة على الخازوق وعلي جناح التبريز وتابعه قفة» وكذلك متابعته لإبداعات بقية الفرق المسرحية في الكويت.

وكان يرحمه الله مشغولاً بهموم الإنسان العربي وليس في الكويت فقط، إذ إنه كان يحلم مثل جيله بوحدة الوطن العربي الممتد من البحر إلى البحر رغم كل التناقضات والمآسي التي مر بها الوطن العربي.

همسة:

رحل الصحافي المحبوب، محبوب العبدالله، وترك بصمته في قلوبنا.