في زيارة لإحدى دواوين السالمية بعد عيد الفطر قبل سنوات طويلة، سألني صاحب الديوانية – وهو من الإخوة السنّة الداعمين قولاً وعملا للتعدّدية – عن سبب اختلاف الكويتيين الشيعة عن السنّة في تحديد يوم العيد. فأجبته باختصار أننا نحن المسلمين متفقون على تطبيق الحديث الشريف «وأفطروا لرؤيته»، ولكننا مختلفون في مباني ثبوت الرؤية. التباين ليس فقط بين الشيعة والسنّة، بل حتى بين الشيعة في الكويت. فعلى سبيل المثال، لدينا مراجع دين يشترطون لثبوت الرؤية أن تكون الرؤية بالعين المجردة، ويقابلهم من يُجوّز الرؤية بالعين المسلحة بالتلسكوب، ومَن يعتد بولادة الهلال فلكياً.

وقبل أن أستكمل الشرح، قاطعني أحد الحضور بنبرة مُنزعجة سائلاً: وماذا عن مرجعية القيادة السياسية؟

فأجبته بهدوء تام، أن القيادة متفهّمة ومتقبّلة هذا التباين في الآراء الشرعية، بل إنها توجّه الحكومة بمراعاة هذا التباين في شعائر الصيام والعيد، وفي غيرها من الشعائر الدينية، إيماناً والتزاماً بالدستور، وتحديداً المادة (35) منه التي تنص على أن «تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقاً للعادات المرعية». ولفتُ انتباه السائل والحضور إلى أن الدور المطلوب هو حماية الحرية الدينية وليس فقط السماح بممارستها، وأن الجهة المكلّفة بهذا الدور هي الدولة كاملة وليست الحكومة منفردة.

الشاهد أن السائل وإخواني السنّة من بين الحضور اقتنعوا أن التباين بين الكويتيين في تحديد يوم العيد أمر مقبول لكونه ضمن إطاري الإسلام المحمدي والدستور الكويتي. فعقّبت على شرحي سائلاً، أليس من الأولى أن تُعمم– عبر وسائل الإعلام ومناهج التربية – شروح مبسّطة لمواقع ومباني الاختلاف بين السنّة والشيعة على جميع الكويتيين من أجل تحصينهم أمام مثيري الفتن الطائفية متى ما نشطت؟ فتلمست قبولاً عاماً للفكرة بين الحضور ومن بينهم السائل.

ثم، قبل أيّام قليلة من عيد الفطر الحالي، أعلن النائب فهد بن جامع، ترشّحه لمنصب رئيس مجلس الأمّة، وصرّح بأن ممارسته لمهام الرئاسة سوف تكون خالية وصافية من الشوائب والملوثات العنصرية والطائفية.

وعليه، ومن منطلق اقتناص واستثمار فرصة عدم حسم المنافسة على الرئاسة حتى ساعة كتابة هذا المقال، أدعو النوّاب الوطنيين إلى تكرار تجربة أحد النوّاب الوطنيين في معركة رئاسة مجلس 2016. حيث اشترط هذا النائب على المرشّح للرئاسة آنذاك السيد مرزوق الغانم بدعمه في مجموعة محدّدة من الملفات نظير التصويت لصالحه في الرئاسة. وبالفعل التزم الغانم بعد فوزه بتعهداته، وكان أبرز ثمار هذه التجربة أو الاتفاق الوطني قانون «محكمة الأحوال الشخصية الجعفرية».

إلى جانب أولويّاتهم المتنوّعة، أدعو النوّاب الوطنيين إلى إضافة شرط واحد فقط نظير منح بن جامع الصوت في انتخابات الرئاسة، شرط متّسق مع إعلانه نبذ العنصرية والطائفية. وهو التعهد بتبني مشاريع عملية محدّدة لترسيخ التعدّدية وتعزيز اللحمة الوطنية، من قبيل تطعيم المناهج الدراسية بمعلومات مبسطة بشأن مواقع ومباني التباين والاختلاف بين الشيعة والسنّة، لتأكيد أن الفئتين مسلمتان تتبعان القرآن الكريم والسيرة النبوية، وفق الكتب الصحاح والمعتبرة لدى كلّ فئة. وذلك لتحصين طلبتنا من الوقوع في شِراك الفكر التكفيري، كالطلبة الذين أحيلوا قبل أيّام قليلة للمحاكمة بتهمة الانضمام إلى «داعش»، الطلبة الذين أبلغوا أن الحور العين تنتظرهم في الجنة، وفق ما تناقلته وسائل إخبارية.

وأناشد النوّاب الوطنيين إلى تبنّي الصراحة والوضوح في تفاهماتهم مع بن جامع، والحذر من السقوط في حفيرة مشابهة لحفيرة الوعود السّراب من كتلة العمل الشعبي، التي تفكّكت مراراً في تطبيقات الوحدة الوطنية، كتفكّكهم عند مناقشة اقتراح تحصين آل بيت النبي – عليهم السلام – من الإساءة في قانون المطبوعات والنشر أسوة بتحصين الصحابة. حيث تصدّر أحدهم حملة إسقاط المقترح، ونجح بمعية أعضاء آخرين بالكتلة والمجلس في تفريغ المقترح من الأثر القانوني.

باختصار أدعوهم إلى التوافق على مشاريع لترسيخ التعددية ذات بصمات مشهودة على أرض الواقع، كشرط لمنحه الصوت للرئاسة... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com