قبل أسبوعٍ من موعد الجلسةِ الموعودةِ لانتخابِ رئيسٍ للجمهورية، اشتدّت «الحربُ النفسية» على تخوم معركةٍ باتت تُخاض على طريقة «نكون أو لا نكون» بين طرفيْ مكاسرةٍ لم تبلغ بعد جولتَها النهائية ومازالت في مراحلها التمهيدية المفتوحة على المزيد من عضّ الأصابع في سياق لعبة «مَن يصرخ أولاً».

وعلى مرمى سبعة أيام من جلسة 14 الجاري التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري، بقيت الضبابيةُ تلفّ مصيرَ هذه المحطة، سواء في أصل انعقادها أو في الخلاصاتِ الرقمية لدورتها «الأولى والأخيرة» بحال وفّر فريق الممانعة نصاب تدشينها (86 نائباً من أصل 128)، ليكون الثابت الوحيد الذي «لا غبار عليه» أن الجولة 12 الانتخابية (منذ سبتمبر 2022) لن توقف عدّادَ الجلسات العقيمة وأن «تَجَمُّع» غالبية المعارضة مع «التيار الوطني الحر» على خيارِ الوزير السابق جهاد أزعور بوجه زعيم «المردة» سليمان فرنجية لن يشكّل عاملاً حاسماً لا في وصول الأوّل الذي يقاربه «حزب الله» على قاعدة «لن يحصل مهما كان الثمن»، ولا في شقّ الطريق لمرشّحٍ ثالث لم تنضج بعد ظروف وَضْع اسمه على الطاولة وربما لن تنضج أبداً.

ولم يكن عابراً مع قلْب «الساعة الرملية» في الطريق الى جلسة 14 يونيو، أن يهبّ ما يشبه «العاصفة الرملية» التي ولّدت سحابةَ توتر سياسي - طائفي عالٍ يُخشى أن تظلّل أول التئامٍ للبرلمان كهيئة ناخبة منذ 5 أشهر، وانطبعتْ بما يشي أن يكون «شحْذ سكاكين» في إطار عملية ترغيب وترهيب متعدّدة الجبهة، تركّز في جانب منها على نواب متردّدين وفي جانب آخَر على كتل باتت «بيضة قبان» في توفير رقم وازنٍ لأزعور يناهز 60 صوتاً أو ربما يلامس النصف زائد واحد (65 صوتاً) وأبرزها تكتل النواب الـ 8 الذي يترأسه تيمور وليد جنبلاط.

وبرز في هذا السياق، ما بدا تهويلاً على جنبلاط استذكرت أوساط سياسية بإزائه ما رافَقَ مرحلةَ ما بعد إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في يناير 2011 من قِبل تحالف «حزب الله» - التيار الحر بسلاح الثلث المعطّل، ثم اللجوء إلى ما عُرف بـ «القمصان السود» لإرجاء استشاراتٍ نيابية كانت ستنتهي لمعاودة تكليف الحريري قبل أن يُفْضي «وهج السلاح» إلى تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، تحت ضغط «مواقف تذكيرية» بـ 7 مايو 2008.

من هنا، جاءت بارزةً محاولة وسائل إعلام قريبة من «حزب الله» تصويرَ أن «زرّ» تفجير مواجهة «لا تبقي ولا تذر» أو تجنيب البلاد «المسار الصِدامي الحالي» هو في يد وليد جنبلاط، وذلك عشية اجتماعٍ لكتلة نجله تيمور يُفترض أن يعلن بعدها الموقف من ترشيح أزعور إما تصويتاً له في جلسة 14 الجاري وإما بإعطاء فرصة لتوافق ولو صعب عبر الاكتفاء بالورقة البيضاء.

وإذ لم تستبعد أوساط قريبة من الثنائي الشيعي أن يلجأ جنبلاط إلى ترْك الحرية لأعضاء كتلته تفادياً للاصطفاف على خط المواجهة الطاحنة وحفْظاً لمكانة له في أي توافق لاحق، فإن مصادر مطلعة اعتبرت أن ما سيقرّره الزعيم الدرزي سيساهم إلى حدّ بعيد في تحديد «الورقة» التي سيلعبها فريق الممانعة حيال جلسة الأربعاء المقبل، وسط أجواء أبلغها عاملون في المطبخ الرئاسي لفريق المعارضة إلى «الراي» لم تُسقِط إمكان أن يلجأ «حزب الله» وبري إلى عدم تأمين نصاب انعقاد البرلمان من أصله بحال استشعر بأن أزعور ضمَن رقم 60 صوتاً وأكثر، ما سيشكّل وفق هؤلاء «ضربةً معنوية» لترشيح فرنجية وما يشبه منْح داعمي الوزير السابق للمال «عود ثقاب» لحرق حظوظ زعيم «المردة» ولو من دون تلاقي هؤلاء على «خطة ب» لِما بعد إقصاء فرنجية.

وبدا من الصعب أمس، استشراف الموقف النهائي لفريق الممانعة، ولا سيما أن بري أبلغ إلى صحيفة «الأخبار» أنه في الجلسة الانتخابية «سنصوّت لسليمان فرنجية. كلنا سنصوّت له. نحن وحلفاؤنا. لم يقل أحد منا إنه سيصوّت بورقة بيضاء. صوّتنا بالورقة البيضاء قبل إعلان ترشيحنا لفرنجية. وإذا لم نصوّت له فنكون تخلّينا عنه. قد تكون هناك كتل أخرى تريد التصويت بورقة بيضاء لأنها غير راضية عن المرشحين. هذا موقف سياسي. نحن لسنا في هذا الوارد».

وحين سئل هل يتخوّف من تعطيل الجلسة المقبلة؟ أجاب: «هناك مَن قال قبلاً ولا يزال يقول في الفريق الآخَر إنه سيعطّل الجلسة إن لم يفز مرشحه. طلبوا منا تعيين جلسة، فعيّناها. فَلْنرَ بعد ذلك».

وفي سياق «الحرب المعنوية» نفسها، استوقف المصادر المطلعة بيانٌ للمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رفْضاً لخيار أزعور، وصوّب فيه ضمناً على التيار الحر.

وقال «الثابت الوحيد لبنان ولا قيمة للبنان بلا ضامن رئاسي، وما نريده رئيس لا نصف رئيس، وزمن الوصفات الاقتصادية المدمّرة انتهى، واللعب بمصير لبنان ممنوع، والاختباء وراء اللعبة الديموقراطية سمسرة مكشوفة، ومقامرة الأعداد تهديد لوجود لبنان، والعقوبات الأميركية لا تزيد الشرفاء إلا شرفاً، ونقل البارودة من كتف إلى كتف بلغة المصالح الوطنية عار".

وأاضف ان المطلوب انتخاب المصلحة الوطنية فقط لا وصفات صندوق النقد الدولي المسلّحة بالحصار الأميركي، والحل بتسوية وطنية على باب مجلس النواب، وحذار الخيارات المميتة واللعبة الطائفية وطاحونة الانقسام العمودي لأننا قريبون جداً من وضعية... لبنان يكون أو لا يكون».

وإذ اكتسب موقف قبلان أهميته لأنه أتى على وقع فتورٍ في علاقة الكنيسة المارونية بالرئيس بري ربْطاً بموقف البطريرك مار بشارة بطرس الراعي من الملف الرئاسي والزيارة التي قام بها لباريس، حيث التقى الرئيس ايمانويل ماكرون واعتباره أن ثمة حاجة لمراعاة الموقف المسيحي الذي تَبَلْوَرَ حيال الاستحقاق الرئاسي، تَرافَقَ مناخُ «الضغط النفسي» على رافضي خيار زعيم «المردة» مع اعتبار أوساط بارزة في «الممانعة» أن الموقف المسيحي (التكتل خلف أزعور) «يعبّر عن عدم نضوجٍ سياسي»، مشيرة إلى «ان هذا الأمر يمكن أن يعرّض هؤلاء (المسيحيون) إلى خسارة مواقع بارزة في الدولة يَحميها حتى الآن اتفاق الطائف».

وذهبتْ هذه الأوساط إلى أبعد من ذلك عندما تحدثت عن أن «المسيحيين لم يأخذوا في الاعتبار التحولات في المنطقة بعد الانفتاح على سورية ووقائع الحرب في أوكرانيا، وتالياً هم يتصرفون بعيداً عن الواقعية التي تنسجم مع حجْم تأثيرهم».

وأوضحت الأوساط نفسها أنه «في المنطقة (الشرق الأوسط) التي تذهب الى الاستقرار والتهدئة، لا يمكن لأقليةٍ (المسيحيين) مكاسرة الغالبية لأن من شأن ذلك أن يُفْقِد البلادَ القدرةَ على قيام حُكْمِ منسجم ومستقرّ وبإمكانه أن يُغْري الخارجَ للمجيء باستثماراته ومساعداته».