سطر الكاتب هيثم عبدالله بودي نماذج من قصص كفاح «نواخذة» العرب وأهداها إلى الأجيال الحالية والقادمة، لتكون لهم نبراساً في مسيرتهم عندما يعرفون تاريخهم في ميادين البحار وتضحيات أجدادهم بين أمواجها.

فكتاب «قصص النواخذة» - قباطنة الخليج العربي - حوى بين طياته ست روايات قصيرة للبحارة الأوائل الأشداء في الخليج العربي وبحر العرب.

وأورد الكاتب ستة عناوين لروايات قصيرة تحمل العبر والمعاناة.

وفي ما يلي ملخص لهذه القصص والذي لا يغني عن تفاصيل هذه الروايات في كتابها الأصلي:

الطريق إلى مومباسا

على رصيف ميناء بومباي المزدحم في الهند العام 1937، شحن النوخذة بو سليمان سفينته «بوم الخير» بـ250 طناً من البضائع المختلفة، وكان قد ظل حيز صغير في سفينته.

وصعد بو سليمان على ظهر سفينته وعيون البحارة تحيط فيه منتظرين خبر الشحنة التي سيغامرون بنقلها في غبة البحار، مسافة شهر سفر إلى ميناء مومباسا فصاح فيهم «جوز الهند»، فتكدر البحارة وقالوا «ناريل» نجازف في بحر العرب بشحنة «ناريل» لا ربح فيها!

وبعد مسيرة 14 يوماً في بحر العرب، فجأة سكن الهواء وتوقفت السفينة، واستمر سكون الهواء وتوقفت السفينة ثلاثة أسابيع والعطش بدأ يأخذ نصيبه من البحارة والجوع نحل أجسادهم، وهنا اتجه النوخذة إلى شحنة جوز الهند (الناريل) وبدأ يناولها للبحارة، واستمر سكون الهواء ثلاثة أسابيع أخرى وشحنة جوز الهند ستنفد بعد أسبوع ولا بصيص أمل في الحراك.

وطلب النوخذة من البحارة كتابة وصاياهم فهم بين يدي الله، ولكن رحمة الله سبقت وهطلت الأمطار ومُلئ خزان المياه ونشرت الأشرعة تطلب النجاة مكملة طريقها إلى مومباسا.

النوخذة المفقود

في يوم من الأيام، دخلت مرسى «النقعة» الصخري سفينة خشبية أنزلت علمها للنصف - دليل على أنها في مرحلة خطر - والنواخذة تحت عريش الساحل ينظرون لها، مستغربين عودتها المبكرة متسائلين سفينة من هذه؟... دفع بحارة المرسى قارب «الماشوة» مجدفين للحاق بهذه السفينة المنكوبة.

وكانت السفينة التجارية الخشبية للنوخذة الشاب حمود تمخر عباب بحر العرب متجهة من ميناء مومباي الهندي محملة بالبضائع إلى ميناء «لامو» الأفريقي، وما لبثت السماء حتى اكتظت بالغيوم متأثرة بمنخفض بارد والأمطار والأمواج تتلاطم، فنزل النوخذة الشاب من دكته لمساعدة البحارة في رفع أشرعة السفينة، التف أحد الحبال على قدم النوخذة وانفلتت القائمة الخشبية، تدفعها الرياح بقوة فسحبت النوخذة معها وكسر أحد أضلاعه من دون أن ينتبه له أحد من البحارة، وسقط في غبة البحر والسفينة تشق طريقها في البحر تاركة إياه لمصيره في غياهب البحر المتلاطم الأمواج.

وظل يصارع الأمواج للبقاء على قيد الحياة حتى اختفى سراج السفينة وحالت بينهما الأمواج، فلاحت له خشبة تطفو على السطح فتعلق بها.

في اليوم التالي ومع صفاء الجو، اكتشف البحارة فقدان نوخذتهم، وأنزلوا قارباً صغيراً لإنقاذه، فعثروا عليه وحملوه إلى سفينتهم وهو يتنفس بصعوبة ويطعمونه بصعوبة حتى وصلوا إلى الكويت، وهو بهذه الحالة المزرية.

وبعد خمسة أشهر من عناية زوجته «طيبة» به، أفاق من هول ما شاهده في تلك الليلة في غياهب البحار.

النوخذة والباخرة الإنجليزية

تدور أحداث هذه القصة في ميناء بومباي الهندي المطل على بحر العرب العام 1931، حيث كانت باخرة كبيرة تستعد للإبحار متجهة إلى أوروبا عبر بحر العرب، ومن ضمن الركاب نوخذة ومعه مساعده، متجهاً إلى عدن لقيادة سفينة أخرى هناك.

وبعد مسير ساعتين، طلب النوخذة من أحد البحارة الإنجليز بأن يخبر القبطان بأننا سنصطدم بصخور مرجانية إن سرنا بهذا الاتجاه، وبعد أن أخبر القبطان جاء بالرد على النوخذة، بأن قبطان السفينة لديه الخبرة الكافية لمعرفة الطرق البحرية ولا يأخذ الأوامر من مسافرين عاديين، ولكن النوخذة أصر وأثبت لهم من خلال المنظار وجود الصخور أمامهم.

وهنا أمر القبطان الإنجليزي بانحراف السفينة وشغل أجهزة الإنذار وعمت الفوضى بالسفينة مع خطر انقلابها بسبب الانحناء الشديد عن المسار المتجه للصخور، ونجت السفينة من الاصطدام بالصخور، واتجه القبطان مع مساعديه لشكر النوخذة وقال له: كيف لكم أن تعرفوا ذلك، فرد النوخذة لقد ورثناها أباً عن جد.

بركان

ركب النوخذة بن علي عباب بحر العرب متجهاً إلى ميناء «كاليكوت» التجاري في الهند محملاً بالتمر العربي واللؤلؤ، وفي أثناء الطريق لمحوا سفينة متوقفة في عرض البحر ترفع علم المساعدة، وأدار النوخذة دفة سفينته متجهاً لها لتلبية طلب المساعدة، ولكن كانت المفاجأة عندما اقترب من هذه السفينة الساكنة ودقق في منظاره وإذا بها سفينة لقراصنة.

وهبت سفينة القراصنة تتجه نحو سفينة النوخذة بن علي وزعيم اللصوص الذي يطلق عليه «بركان» يلوّح لقراصنته بتجهيز المدافع لإيقاف سفينة النوخذة، ولكن بمهارة النوخذة اتسعت المسافة بين السفينتين، وابتعدت سفينة بن علي عن مدى مدافع القراصنة ونجت بحمولتها.

النوخذة والذيبة

كانت سفينة «الشوعي» المخصصة للغوص بحثاً عن اللؤلؤ، تصارع الأمواج وهي تحاول الاقتراب من الساحل للاحتماء من الرياح العاتية التي أوقفت بحث البحارة عن اللؤلؤ في أسبوعهم الأول من الموسم.

وعندما اقتربوا من سواحل ميناء منيفة الطينية قال النوخذة إنه سينزل للبحر في المياه الضحلة ويسحب السفينة، فربط الحبل على وسطه ونزل يسبح حتى لامست قدماه الأرض، وإذا به يشعر بحرارة في ساقه وألم كبير، وإذا بها «ذيبة» - سمكة شرسة من نوع القرش - وثبت وبقي واقفاً في الظلام من دون أن يتحرك لكي لا يستفزها. وبعد وقت ليس بالطويل فكت أنيابها من ساقه وابتعدت عنه وخرّ النوخذة ساقطاً في الماء وهب البحارة لانتشاله.

الحوت

في الرحلة الأولى للبحار الجديد فرحان، وبعد أن انتصفت الرحلة في طريقها في البحر وأمره المجدمي بفك حبال أحد الأشرعة، فجأة وهو في أعلى السارية اهتزت السفينة ودب الذعر فيها، وفرحان لا يزال معلقاً في أعلى السارية، وإذا بأنثى حوت العنبر تحك جسدها في السفينة، وكل محاولات البحارة لإبعادها باءت بالفشل لعدم تأثير العصي في جسدها الضخم.

واقترح الطباخ، الذي هو من أصول أفريقية، بدق «النجر» في البحر فهو يسبب الصداع للحوت ويجعله يبتعد عن السفينة، ولكن هذا الدق لم يفلح وفتح فرحان عينيه في الماء وإذا بفم الحوت مفتوح أمامه، ومن الخوف ضرب الحوت بيد «الهاون» ورمى به في فمه وتسلق رأس الحوت بعد أن أحس بالاختناق وسحبه البحارة، وإذ بالحوت يبتعد عنهم وأنقذ فرحان السفينة من الحوت.