ندخل في الموضوع من دون مُقدّمات، ففي أيّ دولة من دول العالم المُتحضّر يُمثّل قطاع الشباب الرّكيزة الأساسيّة للتّطوّر السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وفي الكويت تتّسع هذه الركيزة باتّساع نسبة العنصر الشاب إلى عدد السكان حيث يُشكّل الغالبية المُطلقة.

شباب الكويت نالهم ما نالهم إثر الأزمات السياسيّة في ثمانينات القرن الماضي وما رافقها من أزمات اقتصادية وما تبعها من وضع إقليمي كاد أن يحرق الأخضر واليابس، لتكتمل اللوحة السوداء بالغزو... إنما لأنهم كويتيّون وقادرون وموهوبون، رفضوا أن تغتال هذه التطوّرات أحلامهم أو تقتل طموحاتهم بمستقبل واعد، وطبّقوا المقولة الشهيرة: الضّربة التي لا تكسر ظهرك تُقوّيك.

بعد التحرير، كان من الطّبيعي أن تكون خطوات الشباب وغيرهم مدروسة وحذرة في ما يتعلّق بتأسيس وتوسيع مشاريع تجارية وصناعية واعدة، لذلك لجأ الكثير منهم إلى الاستثمار في مكان آخر كنوع من ركيزة احتياطيّة داعمة للمشروع الرئيسي في الكويت وتوسيعاً لقاعدة أعمالهم. وتوجّهوا يومها مثلاً إلى إمارة دبي وفتحوا فروعاً مُستفيدين من سياسة جذب الاستثمارات هناك وسهولة منح التراخيص والعناصر التّشجيعيّة والتّحفيزيّة الكبيرة وسرعة تفاعل الإدارة وإنجاز المعاملات وغياب البيروقراطية.

اليوم، غالبية الشباب الذين نُكرّر أنهم ركيزة التطوّر في الكويت، بدأوا يتّجهون إلى توسيع أعمالهم في السعودية بعدما قاد صاحب القرار في المملكة انفتاحاً تاريخيّاً على الصّعُد الإدارية والاقتصادية والاستثمارية والاجتماعية والاقتصادية، ويلمس شباب الكويت توفير المملكة لهم أفضل بيئة للعمل والاستثمار.

لماذا يحصل ذلك؟ ببساطة، لأن المملكة قرّرت في المجال الاقتصادي أن تعبر إلى المستقبل بخطوات سريعة ومدروسة، ولأن الكويت تسير من سيئ إلى أسوأ في مختلف المجالات... وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، قد نجد شباب الكويت الناجحين المُتحمّسين يعتمدون على أعمالهم في الخارج كقاعدة رئيسيّة فيما تصبح بلادهم بالنسبة لهم ركيزة احتياطيّة.

ما الذي ساهم في قلب الصورة وما هو الحل؟ الحكومة والمجلس في الكويت والنظام الإداري المُتعفّن وغياب الرؤى والتّخطيط والتّنفيذ السّليم كلها صارت معاول هدم كفيلة بتدمير أي أمل للشباب.

أدّى ذلك إلى انحدار على كل المستويات وسوء إدارة في كل المجالات، وما كان ينقص المشهد الكويتي إلا فيروس كورونا ليكشف عوراتنا. أغلقنا البلد وخنقنا الاقتصاد ولجأنا إلى حلول التّضييق على النّاس بدل ابتكار حلول لمواجهة الجائحة بأساليب مُتقدّمة كما هو الحال في الدول المُحيطة وحتى في الدول التي غزتها الجائحة بعنف. لم يعد صاحب المشروع يستطيع أن يبني دراسة جدوى واحدة أو يرسم خُطّة بعدما تغيّرت قرارات الحكومة في يوم واحد عدة مرات. لم يعد يستطيع جلب عامل أو عُمّال مُتخصّصين يعتمد عليهم في عمله، ناهيك عن تعقيدات التّرخيص ودخول المُتضرّرين سوق المساومات السياسيّة، ووصل الأمر بالحكومة التي يفترض أن تقود وتتصرّف وتجد الحلول إلى تسريب معلومات عن إفلاس وعدم قدرة على دفع رواتب والتّباكي على الأوضاع... وكأنّها تستجدي حكومة أخرى للتقرير والتّنفيذ بدلاً منها.

ومن الحكومة إلى المجلس. نحن البلد الذي كان يتفاخر بوجود مجلس أمة يُشرّع ويراقب ويُحاسب، صرنا البلد الذي يخجل بحلول التعرّض للأعراض بدل التّشريع، والتّهديد بالقتل بدل الرقابة، والاستعانة بكتاب كليلة ودمنة لابن المقفع عن الحيوانات بدل لغة التخاطب الراقية. ونحن هنا لا نتكلّم عن عهد المجلس الحالي فقط بل عن مجالس عِدّة سابقة فالأشخاص يتغيّرون والنّهج ثابت.

ومن الحكومة والمجلس إلى «الإدارة الذّكيّة»... الضرب بالميت حرام.

لذلك كُلّه وغيره، سيلجأ شبابنا إلى الخارج وتُفرّغ الكويت من قادة المستقبل الاقتصادي والسياسي.

أما عن الحل، فالتّرقيع لم يعد يفيد والمُهدّئات لم تعد تنجح... الحل بالجراحة.

في كل دول العالم، عندما تحصل ثورات تكون على الحكم، في الكويت نحن نحتاج ثورة للحفاظ على الحكم وضمان استمراره. ثورة تعيد الحياة لقيم التطوّر والحداثة التي صاغها العقد الحضاري بين الحاكم والمحكوم وكرّسها الدستور لاحقاً. ثورة تنسف النهج الحكومي من أساسه في طريقة التّشكيل والمُحاصصة وتضع الرجل المناسب في المجال المناسب بغض النظر عن انتمائه الطائفي أو المناطقي... وزير فاعل قادر مُتمكّن لا يعتبر نفسه موظّفاً ولا يخاف في الحقّ والعمل والابتكار والإنجاز أحداً.

ثورة تنسف الواقع الذي وصل إليه مجلس الأمة بموالاته ومعارضته، وتعيد لقيم العمل البرلماني أَلَقَها وأخلاقها ونظمها. فالمطلوب تغيير النهج بمعزل عن جميع الأشخاص الموجودين حالياً، فالأمر لا يتعلّق بهم، بل لأن أول تجربة ديموقراطية في المنطقة تستحقّ أن تحتفل بحضورها وأن تكون رافعة الحداثة والتطوّر.

ثورة تنسف الاهتراء الإداري من أُسسه وجذوره فلا مجال لأي حقن إيجابي في واقع صدئ. إدارات عمليّة تقنيّة فاعلة سريعة مرنة تحاكي أفضل التجارب الناجحة في العمل والإنجاز. أما عن الفساد، فلم يعد مطلوباً فقط ملاحقة ظاهرة هنا أو هناك ومحاسبة هذا الشخص أو ذاك فحسب، بل خلق منهجيّة صارمة لمنع حصوله، لأن الفساد نتيجة وليس سبباً.

وإذا استمر الحال على ما هو عليه، نكون جميعاً كمن يساهم في استكانته واستسلامه للواقع، في دفع السفن الراحلة من موانئنا إلى موانئ الغير محملة بثروة الكويت الأساسية... شبابها.

الثورة التي نتحدّث عنها عنوانها الشباب بطبيعة الحال لإصلاح ما أفسده نهج العمل السياسي.

شبابنا يتلقّون الضّربات ولم تنكسر ظهورهم، وإن استمرّت «هجرتهم» العملية فظهر الكويت هو ما سينكسر... اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.