في السابق كنا نسمع عبارة تُردد على أسماعنا بكثرة وهي أن «الفن ما يوكّل خبز»، لكن بالمقابل كان كثير من الفنانين في اللقاءات الصحافية والتلفزيونية يعارضون هذه المقولة بقولهم إن الفن مصدر جيد للدخل.
وفي الآونة الأخيرة، ربطنا هذه المقولة مع توجه عدد كبير من الفنانين إلى عالم التجارة بعيداً عن الفن، حيث حرص كل منهم على افتتاح مشروعه الشخصي لأسباب مختلفة، والقائمة تطول من الفنانين الشباب والذين كان قد سبقهم فنانون كبار منهم عبدالرحمن العقل في مطعمه الشهير «العقل»، الأمر الذي فرض سؤالاً مهماً جداً وهو: هل فعلاً أن الفن أصبح في وقتنا الحالي «ما يوكّل خبز» في ظل ما يعاني منه العالم بالفترة الأخيرة من أزمات اقتصادية وغيرها من تبعات جائحة فيروس كورونا، وأن الفنان بحاجة إلى مصدر دخل آخر يعينه في المستقبل؟ أم أن افتتاح هذه المشاريع مجرد «هبّة» ومع الوقت لن يكون لها وجود؟ لمعرفة الإجابة الشافية عن هذا التساؤل المشروع، تواصلت «الراي» مع عدد من الفنانين ممن سلكوا طريق التجارة، سواء من خلال افتتاح المطاعم أو المقاهي وغيرهما، والبداية كانت مع الفنانة إلهام الفضالة التي، قالت: «على الصعيد الشخصي، قبل 13 عاماً تقريباً، قمت بإغلاق الصالون النسائي الذي كنت أمتلكه، لكنني مازلت أمتلك رأياً في القضية التي تطرحها، إذ إنني لا أرى من العيب أو الخطأ بتاتاً أن يتجه الفنان إلى مجال التجارة (حق مشروع)، والأمر أرى أنه ضمان يخصّ مستقبل أفراد عائلته وأولاده، لأنه – لا قدر الله – لو تعرض هذا الفنان إلى مكروه ما، ولم يعد باستطاعته تقديم المزيد من الأعمال الفنية التي كانت تدر عليه الأموال، حينها ما الذي سيتمكن من فعله في حال لم يكن لديه مصدر دخل آخر قوي يستند عليه يعينه ويريحه مع عائلته لمدى الحياة ويعيش حياة كريمة. إلى جانب هذا كله (منو ما يحب الحين زيادة الخير)».
أما الفنانة لمياء طارق، التي تمتلك خبرة واسعة في عالم التجارة، فقالت: «لست جديدة على التجارة، إذ أعمل بها منذ العام 2002 ومستمرة إلى يومنا الحالي بأكثر من مجال، والبداية عندما كنت شريكة في إحدى المجلات، لكنني انسحبت منها (ماحب الشراكة أبداً)، بعدها عملي المستمر إلى يومنا الحالي في مجالي العقار والبورصة، لذلك الموضوع ليس مجرد (هبّة) بالنسبة إليّ كما هي الحال لدى كثير من المشاهير ممن قرروا تجربة هذا المجال، وهو بالطبع حق مشروع ومتاح أمام الجميع».
وتابعت طارق: «أما الشيء الجديد هو دخولي إلى مجال المطاعم قبل أربع سنوات من خلال افتتاحي لمطعمي (بورتو) السالمية والخيران، وهدفي الذي أطمح إلى تحقيقه هو امتلاك سلسلة مطاعم منه في أكثر من منطقة داخل الكويت، لهذا أعتبر الفن أمراً مختلفاً أمارسه بحب وشغف وبحسب ما توفّر العمل المناسب لي، أما التجارة فهي قطاع مختلف ولم أدخله بسبب بحثي عن مصدر دخل يساندني لجانب الفن».
من جانبه، قال الفنان والمخرج محمد راشد الحملي الذي افتتح مطعماً و«كافيه»: «بالطبع أقدمت على هذه الخطوة من باب التجارة وليس (الهبّة)، إذ إنني منذ زمن بعيد وأنا أحب الأكل وكان حلمي أن أمتلك مطعماً خاصاً بي، لكن ضيق الوقت كان يمنعني من تحقيقه، ومع بداية جائحة فيروس كورونا والحظر الذي ألزمنا الجلوس في البيت، وجدت متسعاً من الوقت لتحقيق ذلك، وكانت انطلاقة (My ribs) من البيت، بعدها رزقني الله ودخلت شراكة في كافيه (review) مع زملائي الفنانين عصام الكاظمي وعبدالله الخضر ومعنا أيضاً علي الهاشمي ومحمد دشتي».
وتابع الحملي: «للعلم، أحرص شخصياً على الطبخ (وأنا اللي أحمس) وأحضّر الوصفات مع الشيف، إذ إن شعاري الذي رفعته (اطبخ بحب)، وهو ما أعلّمه لكل العاملين معي، ما جعل كل من تذوق أطباقنا يدمنها، وهذا المبدأ لو طبقته على كل شيء في حياتك حينها ستحقق النجاح، وفي النهاية الفن هو العشق الأزلي، والتجارة من خلال المطعم هي هواية طورتها ونميتها حتى أصبحت مصدراً جيداً للدخل».
بدوره، قال الفنان عبدالله الخضر: «في زمننا الحالي يفضّل أن يكون الإنسان متعدداً للدخل، والأمر ليس (هبّة) أو تقليداً للآخرين كما يقول البعض.
كما أنني لا أظن أن الزملاء الفنانين يعيشون فقط على الأموال التي يحصلون عليها من الفن، إذ إن غالبيتهم موظفون ولديهم رواتب شهرية ثابتة، لهذا يبقى الفن هو جانب آخر من حياتهم (ومثل ما يقولون، رزقة ثانية)».
وتابع الخضر: «البعض يقول إنني استغللت شهرتي في التسويق لمشروعي الخاص (review) وهو عبارة عن كافيه (وهالشي مو عيب)، إذ فعلت ذلك في بداية انطلاقة مشوار مشروعي ولمدة أشهر فقط، لكن الاستمرارية في المشروع تحكمها جودة المنتج الذي نقدمه للزبون، وهو ما نتميز به بحمد الله».
أما الفنان عبدالعزيز النصار الذي افتتح في الفترة الأخيرة مطعماً، فقال: «بكل صراحة، أؤكد لك أن قرار الحظر الكلي الذي تم فرضه علينا في الفترة الماضية حيل طلّع مواهبنا)، ويعتبر أحد أهم الأسباب وراء ولادة المشروع التجاري مطعم (المتين)، إذ إن فكرة افتتاح المطعم من الأساس ترجع إلى أخي عبدالله الذي قام مشكوراً بتجهيز كل شيء من الألف إلى الياء، بدءاً من تجهيز (المنيو) وصولاً إلى مباشرة البيع للزبائن من المنزل، وهذا الأمر كان بالمرحلة الأولى، بعدها نالت الفكرة إعجابي وقررت أن أدخل معه كشريك، وفعلاً قمنا بتطوير الفكرة وافتتحنا المطبخ الرسمي للمطعم الذي بحمد الله نال استحسان كل زبون تذوق من عندنا، وبإذن الله الطموح لن يتوقف أبداً، فالخطة هي الاستمرارية إلى اللانهاية، سواء بوجودنا في الفن أو عدمه (هذا شي والتجارة شي ثاني)».
ومن جانبها، اعتبرت الفنانة صمود الكندري أن «البزنس ليس هبة، ولا فقط حماية للمستقبل بعيداً عن الفن»، لافتة إلى أنه بالنسبة إليها «قبل (الهبّة) وقبل هبّة السوشيال ميديا، اتجهت للتجارة خصوصاً الصالون، لأنني أعشق هذا المجال ولست معتمدة عليه اعتماداً كلياً كمصدر رزق، بقدر ما أمارس شيئاً أحبه».
وأضافت «دائماً كنت أقدم عروضاً وأشياء بأسعار رمزية (عشان الناس يستانسون). وفي الوقت الذي أصبح كل شيء غالياً، حافظت على المعدل الطبيعي بالأسعار».
وتبعها الفنان سعود بوشهري الذي يمتلك مطعماً متنقلاً، فقال: «افتتاحي معطمي (takeoff) ليس (هبّة كلّش) لأنني في الأساس متحدّر من عائلة تعمل في التجارة، بدءاً من جدي إلى والدي وكذلك عمي (مع إني ما أعتبر نفسي تاجر، بعدني على قدّي)، ناهيك عن حبي للأكل والمطاعم (عشان جذي فتحت لي مطعم). أما الفن، فهو مجرد هواية أمارسها وليس مصدر رزقي أبداً، كوني رجلاً جامعياً وأمتلك وظيفة ثابتة».
وتابع بوشهري: «أرى أن كل إنسان في الكويت يجب عليه التوجه للتجارة لأسباب عدة، أهمها أن (المعاش) لم يعد كافياً، مع غلاء المعيشة والإيجارات ومتطلبات الحياة والأطفال (وايد شغلات ثانية) والراتب لا يغطي كل هذا، وبحاجة إلى دعم يجده من خلال مشروع خاص مهما كان (عشان تقدر تعيش). وفي وقت سابق، قرأت إحصائية بأن 18.5 ألف علامة تجارية جديدة ظهرت في الكويت، وهو رقم كبير يدلّ على أن معظم الشعب توجه للتجارة».