No Script

وداعاً... يا أيقونة الصبر!

تصغير
تكبير

قبل أيام قلائل، فقدت زوجتي ورفيقة دربي وأم أولادي، رحمها الله، بعد صراع مرير ودام مع مرض السرطان، استمر 19 عاماً، كانت خلالها تهزمه تارة ويهزمها تارات، ينال من عزيمتها حيناً وتنال من ضراوته أحياناً، ويزعزع ثقتها للحظة وتهادنه لحظات، حتى استطاع النيل منها والتغلب عليها، ليخلف لنا بفقدانها جرحاً لا يندمل، ولأبنائها ألماً لا يتوقف، ولأحبتها دمعة لا تنضب.
نعم... إنه ذلك «الخبيث»، الذي استطاع أن يسرق منا تلك الابتسامة، وذلك الوجه الطيب، ويتركنا نتجرع مرارة الغياب وألم الفراق، بل إنه ذلك «اللئيم»، الذي لم يراعِِ لمشاعرنا حرمة، ولأطفالنا دمعة، ولمحبينا حرقة، وزاد إمعاناً في تعذيبنا وإذلالنا، عندما تجرد من كل معاني الرحمة، وزاد في ألم الجسد، بعد أن أثخن الجراح فيه، و ليزيد في ألم الفراق، ويتركنا فريسة لتلك المشاعر المأسوية، والتي أدمت مآقينا، وأتعبت أجسادنا المرهقة من الصبر والانتظار.
رغم الألم، لا يزال صدى كلماتها يرن في أذني: «أنا لا أخاف من الموت، ولكن سأشتاق لأطفالي»... تلك الكلمات التي كانت تخرج بزفرات وألم من الأعماق، لتفجر فينا براكين الغضب والشعور بالعجز، لتعود وبكل شجاعة وقوة، لتردد: «أنا من سيقرر الوقت والزمان وليس هو»... لتسطر لنا ملحمة بالصبر والثقة بالنفس، متسلحة بالإيمان والثقة بالله، حتى شهد لها ذلك المرض بأنها أقوى خصم يواجهه.
إن مغادرتك الحياة أيتها الرفيقة، بهذه الطريقة المؤلمة، وبهذه الظروف التعيسة، جعلتنا نشعر بحجم خسارتنا، وكيف لا وأنت خير من عرفنا، خلقاً وديناً وإيماناً وصبراً.
تعجز الكلمات عن وصف مشاعر الحزن والخيبة بالرحيل، وشعوري بعظم المصيبة وفداحة الخسارة، إلا أن ما يخفف من وطأتها، امتدادك من ذلك الإرث الطيب والسمعة الحسنة والأبناء والبنات، والذين أجد فيهم السلوى للصبر على هذا المصاب الجلل.
لقد أبكيتِ جميع من عرفوكِ وعاشروكِ، فهم قد عرفوا فيك الشجاعة والقوة والإيثار، وحلاوة الحديث وحسن المعشر وسداد الرأي، لذلك كانت العبارة الأكثر استفهاماً للسائلين، عندما علموا بمغادرتكِ الفانية إلى الحياة الباقية.
أخيراً... إن كان هناك مقال في هذا المقام، فهو كونكِ أصبحت رمزاً و«أيقونة» للصبر والإيمان والقوة، في مواجهة ذلك العدو القاتل، لتكوني بذلك مضرب المثل في «مكافحة السرطان»، والأشجع التي قاتلت ببسالة، وهزمت ذلك المرض لأطول فترة يسجلها التاريخ الطبي، وكل ذلك بفضل إيمانكِ وقوتكِ وعزيمتكِ.
ولا نقول إلا ما يقول الصابرون: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا على فراقكِ «أيتها الفاضلة» لمحزونون.

شكر وتقدير وحب
إن كان هناك من كلمات شكر وتقدير وحب، فهي موجهة للأخ وللصديق الدكتور المعالج لزوجتي، والمرافق لها طوال مدة علاجها على مدى 19 عاماً، وهو الدكتور صلاح فياز، من مستشفى مكي جمعة لعلاج السرطان، والذي كان نعم الطبيب في تحمل مسؤولية العلاج على مدى سنوات، وكان لكلماته وتفاؤله عظيم الأثر في زيادة جرعات الأمل في نفس مريضتنا، حتى توطدت علاقتنا به، لتكون أقرب إلى مشاعر الأخوة الصادقة، والتي جعلته يذرف الدمع حزناً، وهو يتلقى نبأ وفاة زوجتي شيمة خزعل راشد.
شكراً دكتور صلاح.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي