نظرة تشريحية استكشافية في أعضاء عشرات ممن حصد «كوفيد- 19» أرواحهم

ماذا اكتشف باحثون في أنسجة وخلايا رئات وقلوب وأدمغة «موتى كورونا»؟

No Image

اكتشاف وجود «خلايا ذات نواة ضخمة» لدى مرضى «كوفيد- 19» ومرضى حمى الضنك... رغم أنهما مرضان مختلفان عن بعضهما تماماً

فيروس كورونا المستجد يهاجم الرئتين بشكل رئيسي لكنه يصل أيضاً إلى أجزاء من الدماغ والكليتين والكبد والجهاز الهضمي والطحال وبطانة الأوعية الدموية

العثور على تجلطات (تخثرات) دموية ميكروسكوبية في أنسجة الرئتين والقلب والكليتين والكبد

اكتشاف آثار طفيفة لفيروس كورونا المستجد في بعض المناطق الدماغية

«ما تعلَّمناه من الموتى (الذين قتلهم مرض كوفيد- 19) يمكن أن يُساعد الأحياء».
هذا ما قالته عالمة مسببات الأمراض إيمي رابكيوفيتش بعد أن قامت برحلة استكشافية قاتمة قامت خلالها بتشريح وفحص عينات من أنسجة وخلايا أعضاء داخلية في جثامين عشرات من الموتى الذين حصد فيروس كورونا المستجد أرواحهم، وهي الرحلة التي رصدت التلفيات والأضرار المميتة التي أحدثها ذلك الفيروس في الدماغ والرئتين والكليتين والكبد.
الدكتورة رابكيوفيتش، التي تتولى إدارة عمليات التشريح في مركز لانغون البحثي التابع لجامعة نيويورك، قالت إنها اكتشفت وجود كثير من الخلايا النادرة والغريبة التي من المفترض عادة ألا تكون في تلك الأعضاء.
وأضافت رابكيوفيتش قائلة إنها لم يسبق لها أن رأت مثل تلك الخلايا عملياً، لكنها بدت مألوفة في مكان ما في ذاكرتها الدراسية، فلجأت إلى مراجعها الطبية الأكاديمية حيث اكتشفت وجود إشارة مرجعية ذات صلة إلى تقرير عن مريض بحمى الضنك يعود تاريخه إلى ستينات القرن الماضي.
في ذلك التقرير، قرأت رابكيوفيتش أنه في مرض حمى الضنك - وهو مرض استوائي ينقله البعوض - يبدو أن فيروساً معيناً يدمر هذه الخلايا التي تنتج الصفائح الدموية، وهو الأمر الذي يؤدي إلى إحداث نزيف لا يمكن السيطرة عليه. وفي المقابل، لاحظت رابكيوفيتش أن فيروس كورونا المستجد يضخم تأثير تلك الخلايا على نحو يسبب تجلطات خطيرة.
وتابعت رابكيوفيتش :«صُعِقَت بذلك التشابه المدهش. فمرض كوفيد- 19 ومرض حمى الضنك مختلفان عن بعضهما تماماً، لكن هذه الخلايا المعنية بدت متشابهة» جداً في هذين المرضين.
وعلى مدار التاريخ الطبي، لطالما كانت عمليات تشريح أنسجة وخلايا الجثث مصدراً لتحقيق اختراقات في ما يتعلق بفهم الأمراض الجديدة ومسبباتها - بما في ذلك نقص المناعة البشرية/‏‏‏الإيدز والإيبولا وحمى لاسا. ويعتمد المجتمع الطبي حالياً على تلك التشريحات للقيام بالشيء نفسه إزاء مرض كوفيد- 19 الذي ينجم عن فيروس كورونا المستجد. وبما أن توافر لقاح لن يصبح ممكناً إلا بعد 6 أشهر في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، فإن تشريح الجثث بات مصدراً مهماً لاستخلاص المعلومات التي يمكن أن تساعد في جهود البحث في العلاجات الممكنة.
عندما ضرب وباء كوفيد- 19 الولايات المتحدة في أواخر مارس الفائت، انخرطت المنظومات الطبية في محاولات إنقاذ الأرواح إلى درجة شغلتها تماماً عن القيام بجهود بحثية للتفتيش في الأسرار الكامنة في جثامين الموتى الذين قضى عليهم ذلك الوباء.
ولكن بحلول أواخر شهري مايو ويونيو الفائتين، تم تباعاً نشر أول مجموعة كبيرة من التقارير البحثية التي استعرضت نتائج عمليات تشريح جثامين موتى تراوحت أعمارهم بين 32 و 90 عاماً ممن توفوا متأثرين بمرض كوفيد- 19 في ستة مستشفيات ومؤسسات علاجية أميركية.
وترى رابكيوفيتش أنه في حين أكدت نتائج تلك الابحاث بعضاً من التوقعات المبكرة حول ذلك المرض بينما نفى البعض الآخر، فإنها فتحت خزائن أسرار مهمة حول المرض الذي قتل أكثر من 500 ألف شخص على مستوى العالم.
وصحيح أنه من بين أهم النتائج التي أجمعت حولها جميع الدراسات أن فيروس كورونا المستجد يهاجم الرئتين بشدة وبشكل رئيسي، لكن النتائج كشفت ايضاً عن العثور على الفيروس أيضاً في أجزاء من الدماغ والكليتين والكبد والجهاز الهضمي والطحال وحتى في الخلايا البطانية التي تبطن الأوعية الدموية، وهو الأمر الذي توقعه باحثون في بدايات التفشي الوبائي. كما وجد الباحثون تجلطات صغيرة على نطاق واسع في كثير من أعضاء الجثامين التي جرى تشريح أعضائها.
لكن اتضح أن الدماغ والقلب تحديداً احتويا أسراراً أثارت الدهشة.
وعن ذلك قالت الدكتورة ماري فوكيس، أستاذة علم الأمراض وهي عضو في فريق مستشفى ماونت سايناي الذي أجرى عمليات تشريح لجثث 67 مريضا ماتوا متأثرين بـكوفيد- 19: «الواقع أن الأمر يتعلق بما لا نراه بأعيننا المجردة»، أي بما لا يمكن استيضاحه إلا تحت عدسات ميكروسكوبات التشريح.
وفي ضوء ظهور وانتشار تقارير على نطاق واسع عن الأعراض العصبية المتعلقة بفيروس كورونا المستجد، قالت فوكيس إنها توقعت مسبقاً العثور على فيروس أو التهاب - أو كليهما – في خلايا أدمغة الموتى الذين جرى تشريحهم، وبالفعل تحققت توقعاتها وإن كان بكميات قليلة من الالتهابات والفيروسات.
وفي ما يتعلق بتشريح القلب، كان كثير من الأطباء قد حذروا على مدار أشهر عدة من مضاعفات قلبية قد تكون ناجمة عن مرض كوفيد- 19 وهي الأعراض التي اشتبهوا في أنها التهابات في عضلة القلب أو التهاب عام أو تصلب في جدران عضلة القلب، لكن محققو التشريح صُعِقوا من أنهم لم يجدوا أي شيء يثبت وجود سبب لمثل تلك الأعراض.
وقال علماء في مجال مسببات الأمراض إن النتيجة الأخرى غير المتوقعة التي كشفت عنها عمليات التشريح أن حرمان الدماغ من إمدادات الأوكسجين ونشوء جلطات دم قد يبدآن في المرحلة المبكرة من الإصابة بمرض كوفيد- 19. ويمكن أن يكون لهذا الأمر تأثيرات كبيرة على كيفية معالجة الأشخاص المصابين بذلك المرض في المنزل، حتى إذا لم يظهر عليهم ما يستدعي إدخالهم المستشفى.

تجلطات رئوية ميكروسكوبية
في أفضل حالاتها، يمكن لنتائج عمليات تشريح الأنسجة والخلايا أن تساعد على رسم صورة توضح المسار الطبيعي للمرض، لكن عندما يتعلق الأمر بمرض جديد شديد العدوى فإن استيضاح ذلك المسار يكون أمراً صعباً جداً ويتطلب عملاً دقيقاً وشاقاً.
فمن أجل حماية الباحثين وأخصائيي مسببات الأمراض وضمان عدم افلات الفيروس وانتشاره في الهواء، يجب عليهم استخدام أدوات خاصة لاستخلاص الأعضاء المراد تشريحها ثم غمرها في محلول مطهر لمدة أسابيع عدة قبل البدء في فحصها وتشريحها. كما يجب عليهم بعد ذلك أن يقوموا بتقسيم كل عضو إلى عينات صغيرة وجمع أجزاء صغيرة من الأنسجة لدراستها تحت أنواع مختلفة من الميكروسكوبات الباثولوجية المتخصصة.
في 10 أبريل، وتحديدا من ولاية نيو أورلينز، جرى نشر واحد من أوائل التقارير الاستقصائية التي استعرضت نتائج عمليات تشريح أميركية على مرضى ماتوا متأثرين بمرض كوفيد- 19. كانت عملية التشريح قد أجريت على جثمان ضحية بلغ صاحبها من العمر لدى وفاته 44 عاماً.
ويتذكر الباحث وإختصاصي علم الأمراض ريتشارد فاندر هايدي كيف أنه عندما شق نسيج رئة الجثمان، أصيب بصدمة مذهلة عندما رأى أمامه مئات أو ربما آلاف من التخثرات (التجلطات) الدموية الميكروسكوبية المتناهية الصغر.
وعن ذلك المشهد قال فاندر هايدي الذي يجري عمليات تشريح جثث منذ العام 1994: «لن أنسى ذلك المشهد مطلقاً. عندما شاهدته قلت لزميلي: هذا أمر غير معتاد للغاية. لم أر شيئاً كهذا في حياتي من قبل».
ولكن فاندر هايدي رأى النمط نفسه يتكرر في أنسجة رئة الجثة التالية ثم التي بعدها. وقال إنه شعر آنذاك بالانزعاج الشديد لدرجة أنه نشر ورقته البحثية على الإنترنت قبل تقديمها إلى دورية طبية متخصصة حتى يتسنى للأطباء الاطلاع على تلك المعلومات والنتائج على الفور.
وآنذاك، أثارت تلك النتائج ضجة في العديد من المستشفيات إلى درجة أنها دفعت بعض الأطباء إلى البدء في إعطاء مرضى كوفيد- 19 أدوية مميعة (مسيلة) للدم، وهو الأمر الذي بات ممارسة علاجية شائعة الآن.
وفي مايو الفائت، نشرت مجلة «لانسيت» الطبية المتخصصة النسخة النهائية من تلك الدراسة بعد أن روجعت من جانب باحثين نظراء.
وقد أسفرت نتائج دراسات بحثية تشريحية أخرى لرئات ضحايا كوفيد- 19 نتائج مماثلة، بما في ذلك دراسة أجريت في إيطاليا على 38 من الجثامين، ودراسة أجريت في مستشفى ماونت سايناي على 25 مريضاً، إلى جانب دراسة تعاونية اجريت بين باحثين في كلية الطب بجامعة هارفارد ونظراء ألمان على سبعة جثامين، ودراسة جامعة لانغون الصحية على عدد مماثل.
وفي الآونة الأخيرة، كشفت دراسة أجريت خلال شهرى يونيو في مركز eClinicalMedicine البحثي التابع لمجلة «لانسيت» عن أنه تم العثور على تجلطات (تخثرات) دموية غير طبيعية في أنسجة القلب والكليتين والكبد، بالإضافة إلى رئات سبعة مرضى، وهو الأمر الذي دفع الباحثين إلى استنتاج أن هذا قد يكون سبباً رئيسياً لفشل أعضاء متعددة معاً في أجسام المصابين بمرض كوفيد- 19.

خلايا القلب
العضو التالي الذي فحصه الباحثون تشريحياً هو القلب.
ولقد كانت أكثر التقارير المخيفة عن فيروس كورونا المستجد من الصين تقول إن نسبة كبيرة من المرضى في المستشفيات – بين 20 و30 في المئة - تعاني من مشكلة في القلب تعرف باسم التهاب عضلة القلب، وهي المشكلة التي يمكن أن تؤدي إلى الموت المفاجئ، إذ انها تنطوي على احتشاء وسماكة عضلة القلب إلى درجة لا تتمكن معها تلك العضلة من العمل والضخ بكفاءة.
وفي عمليات تشريح الجثث، من السهل نمطياً على علماء مسببات الأمراض التعرف على التهاب عضلة القلب التقليدية. وتحدث تلك الحالة عندما ينتبه الجسم إلى أن أنسجة غريبة تهاجمها. وفي هذه الحالة، تصبح هناك مناطق ميتة كبيرة في القلب، وتحاط خلايا عضلات القلب بخلايا مقاومة للعدوى تعرف باسم الخلايا الليمفاوية. ولكن لوحظ في عينات التشريح المأخوذة حتى الآن أن الخلايا العضلية الميتة لم تكن محاطة بخلايا ليمفاوية – وهذا الأمر ترك الباحثين في حيرة من أمرهم.

التهابات طفيفة
وقالت الدكتورة ماري فوكيس وزميلتها الباحثة كلير برايس - اللتان أجرتا ابحاثاً تشريحية على 25 من قلوب مرضى ماتوا متأثرين بمرض كوفيد ونشرتا نتائج دراساتهما على شبكة الإنترنت ولكن لم تتم مراجعتها تناظرياً بعد - إنهما رصدتا وجود بعض «الالتهابات الطفيفة» على سطح القلب ولكنها ليست بدرجة تشير إلى الإصابة بمرض التهاب عضلة القلب.
من جانبها، قالت الدكتورة رابكيوفيتش التي قامت بتشريح ودراسة أنسجة 7 قلوب إنها اندهشت بشدة عندما رصدت في قلوب الموتى وجود أعداد ضخمة من خلية نادرة تعرف طبياً باسم «الخلية ذات النواة الضخمة».
والخلايا ذات النواة الضخمة لا توجد عادة إلا في نخاع العظام وفي أنسجة الرئتين، ومهمتها الرئيسية هي إنتاج الصفائح الدموية التي تنظم عملية تجلط (تخثر) الدم.
وعندما قامت الدكتورة رابكيوفيتش بفحص وتحليل عينات أنسجة الرئة المأخوذة من جثامين الموتى بفيروس كورونا المستجد، اكتشفت أن هذه الخلايا وفيرة للغاية هناك أيضاً.
وعن ذلك قالت رابكيوفيتش: «لم أستطع أن أتذكر أي حالة في السابق رأينا فيها ذلك الأمر. كان شيئاً غريبا جداً أن تكون تلك الخلايا في أنسجة قلوب أولئك المرضى».

مشهد غريب
وأضاف زميلها الباحث فاندر هايدي، الذي نشر في أبريل الفائت نتائج أولية عن تشريح عينات أنسجة 10 مرضى، قائلا: «عندما تنظر عبر الميكروسكوب إلى أنسجة قلب شخص مات بسبب كوفيد- 19، فإنك لا ترى المشهد الذي تتوقعه»، وذلك في إشارة من جانبه إلى غرابة المشهد.
وأوضح فاندر هايدي أن اثنين من الموتى الذين أجرى عمليات تشريح على جثامينهم كانا قد دخلا قبل وفاتيهما في سكتة قلبية في المستشفى، ولكنه لاحظ عندما فحصه عيناتهما تشريحياً أن الضرر الأساسي كان في رئتيهما وليس في القلب.

شبكة دماغية
من بين جميع النتائج والظواهر التشريحية التي ظهرت لدى المتوفين بفيروس كورونا المستجد، كانت تأثيرات ذلك الفيروس على خلايا وأنسجة الدماغ هي الأكثر إثارة للقلق.
وقد دأب عدد غير قليل من مرضى كوفيد- 19 على الشكوى من مجموعة من الاضطرابات في قدرات الشبكة العصبية، بما في ذلك انخفاض حاستي الشم والتذوق، والتقلبات الحادة في الحالة الذهنية، والسكتات الدماغية، والنوبات العصبلية التشنجية التي تصل إلى درجة الهذيان.
وكانت دراسة مبكرة أجريت في الصين ونُشرت في مارس في المجلة الطبية البريطانية (BMJ) قد خلصت إلى أن 22 في المئة من بين 113 من مرضى كوفيد- 19 أصيبوا بمشاكل عصبية تراوحت بين النعاس المفرط والغيبوبة – وهي حالات يتم تجميعها معاً ضمن ما يسمى بـ«اضطرابات الوعي».

مشاكل عصبية
وفي يونيو الفائت، كشف باحثون في فرنسا أن 84 في المئة من مرضى كوفيد- 19 المحتجزين في العناية المركزة يعانون من مشاكل عصبية، و33 في المئة كانوا مشوشين أو مضطربين ذهنياً عند السماح لهم بالخروج من المستشفى.
وخلال الشهر ذاته، أعلن باحثون بريطانيون أنهم اكتشفوا من خلال دراسة أن 57 من بين 125 مريض كوفيد- 19 كانوا يعانون من تشخيص عصبي أو نفسي أصيبوا بسكتة دماغية بسبب تجلط الدم في أدمغتهم، إلى جانب أن 39 مريضاً عانوا من تغيرات حادة في الحالة العقلية والذهنية.
واستناداً إلى جميع هذه البيانات والتقارير البحثية، شرع الدكتور إسحاق سولومون، أخصائي الأعصاب في مستشفى النساء في مدينة بوسطن الأميركية، في بحث استقصائياً بشكل منهجي عن المكان الذي يكمن في فيروس كورونا المستجد عندما يصل إلى الدماغ. وفي سبيل ذلك، قام سولومون بتشريح أدمغة 18 حالة متوفاة بمرض كوفيد- 19، حيث أخذ عينات للفحص من المناطق الدماغية الرئيسية، بما في ذلك: القشرة الدماغية (المادة الرمادية المسؤولة عن معالجة المعلومات)، والمهاد (الذي ينسق المدخلات الحسية)، والعقد القاعدية (المسؤولة عن التحكم في القدرات الحركية) وغيرها. تم قام سولومون بتقسيم كل واحدة من العينات إلى شبكة ثلاثية الأبعاد، وبعد ذلك أخذ عشرة أقسام من كل عينة وقام بتحليلها ودراستها.

نقص إمدادات الأكسجين
عثر سولومون على آثار طفيفة لفيروس في بعض المناطق الدماغية فقط، ولم يكن واضحاً ما إذا كانت تلك الآثار هي بقايا لفيروسات ميتة أو أنها كانت فيروسات نشطة عندما مات المريض. ولم يكن في العينات الدماغية سوى جيوب صغيرة من الالتهابات، ولكن كانت هناك مساحات كبيرة من التلفيات بسبب نقصان إمدادات الأكسجين إلى الدماغ.
وعن ذلك قال سولومون:«سواء كان الشخص المتوفى من مرضى العناية المركزة منذ فترة طويلة أو ممن ماتوا فجأة، فإن النمط بدا متشابها بشكل غريب لدى جميع الموتى. لقد فوجئنا جدا بذلك الأمر».
يشار إلى أنه عندما لا تحصل خلايا الدماغ على كفايتها من الأكسجين، فإن بعض الخلايا العصبية الفردية تموت بشكل دائم ولا تحل خلايا جديدة محلها. وإلى حد ما، يمكن لأدمغة البشر أن تعوض الخلايا التي تفقدها، ولكن عند نقطة معينة يكون الضرر واسع النطاق لدرجة أن الوظائف الدماغية المختلفة تبدأ في التدهور.
ويتابع الدكتور سولومون قائلا: «على المستوى العملي، إذا كان أي فيروس لا يدخل إلى الدماغ بكميات كبيرة، فهذا يعزز فرص جدوى الدواء وذلك لأن العلاج يصبح أكثر صعوبة عندما ينتشر الفيروس، مثلما هو الحال لدى بعض المرضى الذين يعانون من فيروس غرب النيل أو فيروس نقص المناعة البشرية المسبب لمرض الإيدز. والخلاصة الأخرى التي أفرزتها الدراسة هي أن النتائج تؤكد أهمية حصول مريض كوفيد- 19 على من الأكسجين التكميلي بسرعة لمنع حدوث الضرر الدماغي الذي لا يمكن تعويضه أو إصلاحه».
الدكتور سولومون، الذي نُشرت نتائج دراسته البحثية كرسالة في مجلة نيو إنغلاند الطبية في 12 يونيو الفائت، أضاف موضحاً أن النتائج تشير بوضوح إلى أن تلف الخلايا الدماغية حدث على مدى فترة زمنية ممتدة نسبياً، وهو الأمر الذي يجعله يتساءل عن تأثير فيروس كورونا المستجد قائلا: «السؤال العالق الكبير يتعلق بما يحدث للناس الذين ينجون من مرض كوفيد- 19، ألا وهو: هل هناك ثمة تأثير طويل الأمد على دماغ المريض الناجي؟».

حيرة علمية
أعضاء الفريق البحثي في مستشفى ماونت سايناي - والذي استخلص نتائج تشريحية من فحص أنسجة 20 دماغاً لمتوفين بمرض كوفيد- 19 – كانوا أيضاً في حيرة إزاء عدم العثور على الكثير من الفيروسات أو الالتهابات في تلك الأنسجة. ومع ذلك، أشار أعضاء الفريق في سياق ورقتهم البحثية إلى أن «التواجد الواسع لجلطات (تخثرات) دموية صغيرة كان أمراً مثيراً للدهشة».
وعن ذلك قالت الدكتورة ماري فوكيس: «وجود جلطة دموية واحدة في الدماغ هو أمر معتاد نراه كثيرا. ولكن ما رأيناه في هذه الحالة هو أن بعض المرضى المتوفين أصيبوا بسكتات دماغية متعددة في الأوعية الدموية الدماغية في اثنتين أو حتى ثلاثة مناطق في آن معاً».
ورأت الدكتورة رابكيوفيتش أنه «من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان يمكن ترجمة أحدث مجموعة من نتائج دراسات التشريح تلك إلى تغييرات في طرق معالجة مرض كوفيد- 19، ولكن هذه المعلومات التشريحية فتحت سبلاً جديدة تستحق الاستكشاف».
وقالت رابكيوفيتش إن إحدى زياراتها النقاشية الأولى التي أجرتها عقب اكتشافها لوجود الخلايا غير العادية المنتجة للصفائح الدموية كانت لزميلها الدكتور جيفري بيرغر اختصاصي القلب في جامعة نيويورك والذي يدير مختبراً يمول المعاهد الوطنية للصحة ويركز على الصفائح الدموية، حيث قال لها الدكتور بيرغر إنه يرى أن نتائج عمليات التشريح تشير إلى أن الأدوية المضادة للصفائح الدموية بالإضافة إلى أدوية تسييل الدم قد تكون مفيدة في وقف تأثيرات كوفيد- 19. كما قام الدكتور بيرغر بإجراء تجربة سريرية رئيسية تبحث في جرعات الأدوية المسيلة للدم المثالية في هذه الصدد. واختتم بالقول: «إن هذه التجربة ليست سوى قطعة واحدة من أحجية كبيرة للغاية، وما زال لدينا الكثير لنتعلمه. ولكن إذا استطعنا منع حدوث مضاعفات كبيرة بدرجة تؤدي إلى تمكين مزيد من مرضى كوفيد- 19 من النجاة من الموت، فإنه من شأن ذلك أن يغير كل شيء».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي