No Script

رأي «الراي» / العنصريّة... وتجارة الإقامات

No Image
تصغير
تكبير

غيّرت أزمة كورونا، وستغيّر، الكثير من الأمور المتعلّقة بكل مناحي حياة الكويتيين، سواء تعلّق الأمر بالطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والاستهلاكية والصحيّة والتربويّة وصولاً إلى العادات والتقاليد والسلوكيات العامة.
وبما أن الأزمة شاملة وعالميّة وأشبه بحرب حقيقيّة، فلا بدّ من التعامل معها بطرق غير تقليديّة وبجهد استثنائي على مستويات التفكير والتخطيط والتنفيذ، وأول هذه الطرق هو ارتفاع منسوب المسؤوليّة والسيطرة وانخفاض منسوب الهلع والخوف والارتجال وردود الفعل الناجمة عنها.
لذلك، يجب عدم السّماح لظواهر مسيئة أن تصبح شأناً عادياً خصوصاً في هذه المرحلة، فأيّام الاستقرار يتّسع الفضاء السياسي والاجتماعي لكل الآراء إنما في الأزمات تصبح بعض المواقف التصعيدية كمن يفتح جرحاً في خاصرته أو يكشف ظهره بينما هو محتاج لكلّ لحظة تقدّم في الحرب ضدّ هذا الوباء اللعين.
نتحدّث هنا عن ظاهرة العنصريّة التي – للأسف الشديد – بات الكثيرون يشاركون فيها من باب الحماسة والهلع والخوف من قادم الأيّام، وهي آخر ما يحتاج إليه المحاربون الحقيقيّون في الصفوف الأماميّة للحدّ من انتشار فيروس كورونا.
صحيح أن هناك فوضى عارمة في التركيبة السكانيّة، لكن هذه الفوضى مسؤولة عنها الحكومة التي غابت عنها الرؤية لسنوات وسنوات، وتعاطت مع هذا الملف الحسّاس بشكل ارتجالي يقترب من المجاملات أحياناً ومن «الفواتير السياسيّة» أحياناً أخرى ونتيجة انعدام التقدير (لا ضعفه فحسب) في غالبية المراحل. فأين الخطط التي تربط استقدام العمالة بالمشاريع؟ وأين المدن العماليّة النموذجيّة؟ وأين الرقابة على تجّار الإقامات الذين بدأت تظهر اليوم نتائج أفعالهم التي تقترب من كونها جرائم حقيقيّة بحقّ المجتمع وبحقّ العمال الوافدين أنفسهم.
لم نرَ حكومة من الحكومات المتعاقبة ضربت ظاهرة تجارة الإقامات أو حدّت منها. كنا نقرأ تصريحات تجعلنا نعتقد أن الحرب على هؤلاء التّجار بلغت نهايتها فيما نلمس في الشوارع أعداداً متزايدة من الذين ضاع جنى عمرهم لشراء تأشيرة يأتون من خلالها إلى الكويت ثم يقول لهم «قابض المال الحرام»: دبّروا روحكم في الشّارع.
لم يتم توقيف تاجر واحد من «مشاهير» تجارة الإقامات الذين يجلبون المئات بل والآلاف أحياناً، بل كان يتم توقيف وافد انتهت إقامته فيؤخذ إلى «مخزن» الإبعاد ليركن هناك مع المئات في انتظار إنهاء ترتيبات ترحيله إلى بلاده.
اليوم، كلّ الكويت في الصف الأمامي لمحاربة كورونا باستثناء قلّة مصرّة على نقل الحرب إلى جبهات أخرى بحجّة الحماية. هذا الفيروس لا يميّز بين مواطن ووافد، ويقتضي الإنصاف أن نقدّر جميعاً جهود اخوة لنا من البدون والوافدين يضحون بأرواحهم لإنقاذ أرواحنا، كما تقتضي المسؤولية أن نحترم الدور الكبير الذي تقوم به الديبلوماسية الكويتية بتوجيهات مباشرة من صاحب السمو الأمير لمد جسور التعاون وتسهيل عمليات إجلاء مواطنينا من الخارج.
الكويت كانت قويّة برسالتها الإنسانيّة، بأياديها البيضاء شرقاً وغرباً، بمحبّة الناس لها في كلّ أنحاء الكرة الأرضيّة، بصداقاتها المبنيّة على الخير والتعاون والمصالح المشتركة. الكويت عندما تتعرّض لأخطار حقيقيّة كان علمها يكبر ليصبح بحجم العالم وتتمدّد مساحتها في قلوب مئات الملايين... ولا نريد لوطننا إلا العزّة والكرامة والاستقرار والتقدّم بمثل هذه الرّسالة.
من الطبيعي جداً أن يقف المرء عند ظاهرة تكدّس العمالة إنما للمشاركة في التفكير بإيجاد حلول منطقيّة هادئة لا للمشاركة في إيقاد شعلة العنصريّة والأحقاد والأخطاء المتراكمة. ليس بالعنصريّة يمكن درء خطر كورونا، بل بدعم الإجراءات العلميّة الهادفة إلى تطويق انتشار الوباء من قبل الجنود المعلومين الذين يصلون الليل بالنهار بيد حامية وأخرى حانية. وهؤلاء بالتّأكيد لا يريدون أن يضيع الجهد في فورة تصريحات أو ثورة غضب... أمّا تجارة الإقامات فهي التي يفترض أن تكون في محاجر القانون والمحاسبة منذ زمن طويل.

«الراي»

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي