No Script

ببساطة

هل نترك الوضع السيئ للسيئين؟

تصغير
تكبير

لا يمكن لأي متابع للوضع السياسي في الكويت إلا أن يقر بعلو كعب الحكومة على البرلمان، فالحكومة التي تشكل ما يقارب ربع أعضاء مجلس الأمة تمتلك كل مفاتيح اللعبة، فهي تدخل متضامنة لأي جلسة، بينما يواجهها 49 نائباً مشتتين بلا تنسيق ولا رؤية، بل إنه حتى النواب المنتمين للتوجه السياسي نفسه، نجدهم أسرى للمزاج العام للناخبين في دوائرهم الانتخابية، ولعل أقرب مثال لذلك ما حدث في جلسة التصويت على طرح الثقة في وزيرة الشؤون السابقة، عندما اختلفت مواقف نواب «حدس» في ذلك التصويت.
بالطبع هذا الواقع السياسي لم يكن وليد اللحظة، بل جاء مع ولادة دستور 62 الذي يعتبر دستور الحد الأدنى، حيث كان من المفترض تنقيحه وتطويره لمزيد من الحريات والمكتسبات الشعبية، فالآباء المؤسسون كانوا يعلمون أن ذلك الدستور - الذي تم التوافق عليه عام 62 - لا يلبي طموح الشعب، فكانت الفكرة أن يحصلوا على المكسب الكبير بإقرار الدستور، على ان يتم تطويره لاحقاً، إلا أن السلطة لم تكن لتسمح بذلك، فجاء تزوير انتخابات 1967 لضمان عدم وصول النواب الوطنيين الداعمين لتطوير الدستور، ثم توالت الأحداث وجاء الانقلابان على الدستور في عامي 76 و 86 والحل المتكرر لمجالس الأمة ليحولوا من دون تطور النظام الديموقراطي في الكويت.
تلك الأحداث التاريخية المهمة لا نستذكرها من أجل التذمر و«التحلطم»، إنما لدراسة ذلك التاريخ وتحليله ومعرفة أصل الخلل والعمل على إصلاحه، فعندما نأتي اليوم ونقول ان هناك مشكلة كبيرة بسبب الانقسام الطائفي والقبلي وانتشار نواب الخدمات، فذلك لم يأت من فراغ بل كانت هناك مسببات تاريخية لما يحدث اليوم.


فتقسيم الدوائر أثناء الانقلاب الأول على الدستور وتفتيتها لخمس وعشرين دائرة صغيرة ساهم بشكل كبير في ترسيخ مفهوم نائب الخدمات ونائب القبيلة والطائفة، وهذا التقسيم السيئ استمر لأكثر من خمسة وعشرين عاماً، كذلك نرى أن السيطرة الكبيرة للحكومة على القرار السياسي جاءت بسبب واقع الدستور الذي لم يتم تطويره، فدستورنا اليوم يعتمد نظاماً هجيناً ليست له ملامح واضحة، فهو يجمع ما بين النظامين الرئاسي والبرلماني، ما يشوّه العديد من المفاهيم السياسية الأساسية، فالعمل الديموقراطي والبرلماني في الوضع الطبيعي هدفه تمكين الشعب من المشاركة في الحكم، وذلك يعني أن يعكس البرلمان المزاج العام لغالبية أبناء الشعب، من خلال تشكيل غالبية برلمانية تساهم في تشكيل الحكومة وتتعاون معها لتنفيذ البرنامج الذي انتخبه الشعب، وبالتالي تكون الأقلية التي لا تتفق مع ذلك البرنامج هي المعارضة، بينما الوضع مختلف تماماً في الكويت فلا البرلمان يمثل رأي الغالبية من الشعب ولا الحكومة تمثل تلك الغالبية، لذلك أصبح لدينا مفهوم مشوّه للمعارضة، فالحكومة هي الند والغريم للبرلمان دائماً بينما الأصل هو التعاون.
تلك المفاهيم المشوّهة، إضافة لبعض المواد الدستورية التي بالغت في تحصين الحكومة، كانت سبباً رئيسياً في تشويه المنظومة السياسية في الكويت، ورسخت الممارسات السلبية التي نعاني من نتائجها اليوم، ولكن ما الحل وما السبيل لإصلاح هذا الوضع السيئ؟ أم أن هذا الوضع مستمر ولا نملك تغييره، وعلينا أن نستسلم ونترك الوضع السيئ للسيئين كما يروّج بعض النشطاء؟
حقيقة لست من المعجبين بفكرة ترك الوضع السيئ للسيئين، فهذا الوضع الذي نعيشه اليوم بكل تعقيداته وأزماته ليس أصعب من الواقع الذي تشكل عام 1939 بعد حل المجلس التشريعي وما صاحب ذلك الحل من أحداث مأسوية، أبسطها سجن بعض أعضائه، إلا أن ذلك لم يثن الكويتيين عن مطالبهم، فكان الرد الأبلغ في ذلك الوقت هو عودة المرحوم عبداللطيف الغانم - أحد المسجونين من أعضاء المجلس التشريعي - ليكون رئيساً للمجلس التأسيسي الذي وضع دستور 62، لذلك علينا ألا نستسلم بسهولة، ولا نهتم لمن يروّج لفكرة أننا لا نملك غير التذمر، لأننا في النهاية نمتلك وعياً كافياً، وذلك الوعي هو أساس التغيير، فنشر الوعي مهم جداً من خلال جميع الأدوات المتاحة، أما السكوت وانتظار الفرج فلن يأتي من دون تحرك، بل لعل من يروّج لتلك الأفكار مستفيد من الوضع السيئ مثله مثل السيئين.

dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي