No Script

رأي «الراي» / يا وليّ الأمر.. أغلقوا باب الشرّ هذا

No Image
تصغير
تكبير

«مما يؤسف له ما نشاهده ونعايشه من إساءة لاستخدام أدوات التواصل الاجتماعي، حيث اتّخذها البعض أداة للتسلية ومعول هدم لما جبل عليه مجتمعنا من عفّة وقيم سامية وأخلاق فاضلة توارثناها من الآباء والأجداد، عبر نشر المقالات والتغريدات المغرضة والمسيئة للوطن، والمشكّكة بالنوايا والذمم، والمليئة بالتهم جزافاً ودونما دليل، فأشاع روح البغضاء والكراهية وأصبحت المحاكم تعجّ بالقضايا المرفوعة جراء ذلك، وهو سلوك مشين مليء بالآثام نهى عنه ديننا الإسلامي الحنيف الذي أمر بالتثبّت وصون الأعراض. ولنا وطيد الأمل في مختلف وسائل إعلامنا المقروءة والمرئية والمسموعة والتي هي دائماً محلّ تقديرنا واعتزازنا بعدم الانسياق وراء كل ما يكتب في وسائل التواصل الاجتماعي ونشرها دونما تمحيص حتى لا تسهم في تنامي وإبراز هذه الظاهرة الغريبة عن مجتمعنا».
خير ما نبدأ به الكلام هو النطق السامي لحضرة صاحب السمو أمير البلاد الذي لخّص في بضعة أسطر أعواماً من التجاوزات بل والمصائب وما رافقها من تجريح لكرامات وإساءات لأعراض وهدم لبيوت وأضرار بسمعة عوائل. وعلينا نحن أرباب السلطة الرابعة الذين وجّه لنا سموه التّحية بتجديد ثقته بنا وتقديره لنا أن نرد التّحية بأفضل منها ونتقدّم الصفوف الأمامية للحفاظ على الثوابت والمبادئ العامة لهذه المهنة ضد من حاول ويحاول «شيطنتها» وتصويرها على أنها معاول هدم، وضد من حاول ويحاول ضرب صورة الكويت والربط بين ملاحقة شتّام ومسيء ومتجاوز وبين التعرّض للحريات العامة.
لا ينكر أحد أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت رقماً أساسياً في الخريطة الإعلامية عالمياً وعربياً. والكويت التي احتلت مكانة مرموقة في لائحة الدول الأكثر تقدّماً بالنسبة إلى موضوع الحريات بشكل عام والإعلامية بشكل خاص، تواكب هذه الطفرة الإلكترونية وتكيّفها في إطار المؤسسات والقوانين. من لديه حساب باسمه ومعروف فليكتب ما يشاء من آراء ضمن القوانين المرعية الإجراء، أمّا من يصطنع حساباً وهمياً بغية التعرض لكرامات الناس أو بثّ الفتنة أو تصعيد الخطاب الطائفي والمذهبي أو اللعب على وتر الانقسامات الاجتماعية والقبائلية فهذا يجب أن يُمنع وأن يُلاحق وأن يُعاقب.
لسنا أكثر ديموقراطية من بريطانيا، فبعد سلسلة من القوانين والقرارت التنظيميّة التدريجيّة، أقرّت هيئة النيابة العامة في المملكة المتحدة في العام 2016 قانوناً مغلظاً لملاحقة ومعاقبة الأشخاص الذين ينتحلون أسماء وهميّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ووصفت مديرة الادعاء العام أليسون ساندرز أصحاب الحسابات الوهميّة بـ«المجرمين» لأنهم يقومون «بجرائم وأفعال منافية للقانون»، لافتة إلى أن سوء استخدام الإنترنت هو «أمر يعود للجبناء».
عندهم جبناء وعندنا جبناء، لكنهم هناك يتصرفون بسرعة ومن دون معوقات ويستخدمون تقنيات صارت معروفة ومتاحة لحجب هذه الحسابات من جهة ولكشف أصحابها من جهة أخرى ومعاقبتهم بتهمة الإساءة. وجردة سريعة بحجم تقلّص التجاوزات في بريطانيا تفضح الفارق الكبير بيننا وبينها.
الإمكانات كلّها موجودة في دولة حباها الله بثروات. ومع ذلك فإن انفلات هذه الظاهرة ينتشر بسرعة أكبر من السابق لسببين:
الأول غياب القرار الحازم بوضع حدّ لهذه الجرائم، وإذا سمع التنفيذيون بالقرار يعمدون إلى تمييعه بحجج مختلفة. وهنا نعطي مثالاً عن المواقع التي تضمّ موادّ إباحية وأخرى تصنّف في خانة التطرف، فهذه المواقع أغلقت بقرار وليس بقوانين تشريعات ونقاشات تمتد سنوات في مجلس الأمة. وعندما كادت فتنة «بلاغ الكويت» تعصف ببلدنا مثلاً أصدر السيد النائب العام قراراً بمنع التداول والنشر.
والثاني أن الغالبية المطلقة من أصحاب الحسابات الوهمية (وهنا ليعذر صراحتنا وليّ الأمر) هم «شبّيحة» أو مرتزقة لدى أطراف وأقطاب تتصارع بالواسطة في معارك قذرة تستخدم فيها أحطّ أنواع الأسلحة. هذه هي الحقيقة التي يعرفها الجميع. ولطالما رأينا «جيشين» إلكترونيين يتبادلان الشتائم والاتهامات والإساءة إلى الأعراض والكرامات نيابة عن قطبين ثم رأيناهما «جيشاً» واحداً ضد جيوش أخرى عندما اتفق القطبان وتصافيا وصار قطب ثالث هدفهما المشترك... وهل نكشف سراً إن قلنا إن من بين هؤلاء الأقطاب أبناء من الأسرة يتقاتلون بين بعضهم في العالم الافتراضي من جهة وبينهم وبين أهل الكويت من جهة أخرى؟
ويا وليّ الأمر، حذّرتم دائماً وتحذّرون من تصدّع الجبهة الداخلية الكويتية. وأنتم أكثر من يعرف أن وحدة المجتمع الكويتي هي الصّخرة التي تصدّ مختلف الأطماع والغزوات مهما اشتدت قسوتها. صحيح أن العين يجب ألا تغلق عن تحديات الإقليم لكن الأصح ألّا نفتح للإقليم باب شر يدخل منه الآخرون... وباب الشر هذا هو الانقسام والتناحر والفوضى، وأحد مفاتيحه الرئيسية الفتنة التي يوقظها الاستخدام الإجرامي (حسب التوصيف البريطاني) لوسائل التواصل بالشكل الذي يتم عندنا.
لا نريد لغزو آخر أن يدخل بيوتنا مستفيداً من خلافاتنا هذه المرة.
ولا نريد لحفنة أن تسيء إلى مجتمع بأكمله وإلى المبادئ التي توارثناها من الآباء والأجداد حسب ما جاء في النطق السامي.
ولا نريد لمجموعة سفهاء خلطوا بين تعطّشهم إلى السلطة ولو بنهج انقلابي وبين الانتقام من فشل مخطّطاتهم عبر تأسيس «جيش» إلكتروني مهمّته الوحيدة الإساءة إلى الناس وبثّ الفتن وزرع الأحقاد.
ولا نريد الانتقال من تصارع أقطاب داخليّين عبر هذه الحسابات إلى تصارع دول خارجية عبر هذه الحسابات... وما نقصده لا يحتاج فهمه إلى لبيب.
نريد تنظيم هذا القطاع وفق الأسس المرتكزة على صيانة الحريات في إطار القانون تماماً كما هو الأمر في الدول الديموقراطية المتقدمة علينا. ونريد أن تقترن الحرية بالمسؤولية فالإنسان الحرّ هو الإنسان المسؤول وليس المختلّ الذي يرى العالم بحقده وعجزه وفشله. ونريد لكل صاحب رأي أن يعبّر بصوته وصورته عن رأيه إن كان شجاعاً ويمتلك الحد الأدنى من الكرامة والمروءة لا أن يتلطّى وراء حساب وهمي لضرب الكرامات والإساءة إلى الأعراض وبثّ الفتن الطائفية والانقسامات الاجتماعية.
وإذا كان زمن المروءة والكرامات بالنسبة لهؤلاء غريباً عن قاماتهم فإن لزماننا مسؤولين قاماتهم كبيرة جدّاً وهؤلاء يعرفون موضع الجرح ويعرفون الدواء.
يا وليّ الأمر... أهل الكويت متفائلون بأن سموّكم ستغلقون باب الشر هذا، باب البغضاء والكراهية، باب السلوك المشين المليء بالآثام حسب تعبيركم. فالكويت أكبر وأولى وأبدى، وقراراتكم بلا شك أقوى من كل معاولهم.

«الراي»

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي