No Script

خواطر صعلوك

ماذا حدث... في أبريل الماضي؟

تصغير
تكبير

في أبريل الماضي دخل رجل إلى الحانة وطلب ثلاثة أكواب من الويسكي الفاخر دفعة واحدة.
هذه قصة عادية جداً وتحدث كل يوم تقريباً، وفي كل الأقاليم المناخية في هذا الكوكب!
ولكن امتناع وكلاء وزارات ووكلاء مساعدين عن تنفيذ ما يزيد على 200 قضية صدر فيها حكم نهائي في 10 أشهر من هذا العام... معظمها في وزارات التربية والصحة والعدل كما جاء في خبر جريدة «القبس».


هذه قصة استثنائية أيها السادة لا تحدث إلا في جمهوريات الموز، التي تتغنى بنزاهة القضاء في العلن وترفض تطبيق أحكامه في السر.
لن أشير إلى حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة 16 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، وما ترتب على ذلك من اسقاط عضوية نائبين... ولن أشير إلى الحسابات والجرائد الإلكترونية التي بكت حتى تورمت أعينها، وهي تحذر من تسييس القضاء أو حتى الحسابات الأخرى، التي أشارت إلى أن البعض يحترم القضاء إذا كان في صالحه، أما إذا خذله فيبدأ عملية ردح تشمل التشكيك والتحليل وإعادة رسم المشهد بما يوحي بأن ما يحدث على غير هدى.
لن أشير إلى ذلك لأني أقسمت ألّا أتدخل في ما لا يعنيني، وأن أكون متفرجاً سلبياً على الجانب الآخر من السور، لكي أشاهد كل «حفلات الردح السياسية» مع الحذر الشديد من الانضمام إليها، خصوصاً وأنه منذ سنوات يتم النقاش بين تبرئة القضاء وبين زج القضاء في مساحات سياسية، وهذا نقاش خطير حول سلطة مستقلة بذاتها ونقاط تماسها ومساسها مع سلطة أخرى مستقلة بذاتها «التشريعية»، وتجلي هذه العلاقة على السلطة التنفيذية والسلطة الرابعة.
ولكن امتناع وكلاء وزارات ووكلاء مساعدين عن تنفيذ ما أصدرته «هيئة المحكمة الموقرة»، يأخذني إلى أبعد من أي نقاش حول حكم المحكمة الدستورية، إنه يعطي مؤشراً أخطر حول تعامل قياديين في الحكومة مع كل السلطات المذكورة في ما سبق من سطور، ما يعرض للظلم كل الكويتيين غير المهتمين بالعمل السياسي أصلاً، وبمفاهيم مثل الحزب والسياسة والحرية السياسية وأرقام الصندوق، ولكنه يهتم بمفاهيم مثل التقاعد وغلاء الأسعار وأزمة السكن وتعليم أبنائه وصحتهم.
لا يبدي اهتماماً أو رغبة في معرفة أرقام الصناديق الانتخابية، ولا يعرف ما هي المادة «16» أصلا، لأنه يعلم أن صناديق الجمعيات التعاونية وأرباحها أنفع له في الدنيا من سماع خطبة حول «اختناق الحرية السياسية»، لذلك فهو يفضل النوم مبكراً لكي لا يسقط في اختناق مروري يعكر عليه صفو يومه في الصباح، إنه ليس سطحياً أو استهلاكياً أو مغموساً في حوض من التفاصيل الصغيرة، فهو يحمل معه أسئلته السياسية وأراءه أينما جلس، ولكنه يتبع ذلك بـ«الله يصلح الحال»، ليقينه أن الحال لا يصلح بغير ذلك.
علاقته بالقضاء ليست في حشره أو تبرئته من المساحة السياسية، ولكن علاقته به تتمثل في كونها مؤسسة عدالة تأخذ حقه في بلد كل واحد فيها يستقوي بمن يحميه.
فإذا ما قرر السادة والوكلاء أو مساعدوهم عدم تنفيذ أو تأجيل حكم المحكمة الموقرة، لأي سبب كان سواء تأخير إداري أو بيروقراطي، فهذا يعني الكثير جداً مما لا يمكن كتابته في مقال يسير بحذر في منطقة مليئة بـ«بالقضاة».
كيف يمكن أن تتحول قصة دخول رجل إلى حانة في أبريل الماضي، طلب ثلاثة أكواب من الويسكي الفاخر دفعة واحدة من دون أن يدفع ثمنها إلى قصة استثنائية بالنسبة لي؟
وذلك عندما أكون أنا - والعياذ بالله - هو ذلك الرجل، أو أكون صاحب الحانة - والعياذ بالله أيضا - أو أكون أحد ضحايا قيادة هذا السكران في الشارع.
كان هذا المقال عزيزي القارئ لفك الاشتباك بين صديقين... أحدهما يدعي أنه يحب الإنسانية جمعاء، ولكنه في أبريل الماضي ضرب جيرانه، وبين صديق آخر يدعي أنه يحب جيرانه وفي أبريل الماضي أيضا ضرب زوجته.

@moh1alatwan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي