No Script

أصبوحة

الذاكرة الخائنة

تصغير
تكبير

غالباً ما نحاول أن نجد الوقت، لنتحدث لأولادنا وأحفادنا متغنين بماضينا الجميل، الذي لا يشبه واقعنا الحاضر، ويشوب حديثنا شيء من عجين النشوة والشجن، نتذكر ونحكي عن حياتنا الرائقة، وعلاقاتنا الناصعة وأجواء الربيع الدائم.
نتذكر ونحكي مع دفق من المشاعر الملونة، عن دنيا كانت مثالية وأجمل، كل شيء فيها كان فتنة وسحراً، نحن نتذكر وهم يتخيلون، وكلما كبروا شعروا بأنهم يسمعون فانتازيا، ويتساءلون إن كنا نمر بمراحل خرف، ثم يبدأون بالأسئلة: هل كان لديكم هواتف محمولة، هل كان لديكم انترنت، هل كانت لديكم الأجهزة نفسها التي لدينا.
عندما كنا نحكي أو نتذكر بعض ملامح الماضي، كان الأحفاد يقدحون مخيلتهم ويسألون: هل كنتم تلبسون أحذية، هل كنتم تذهبون إلى المولات على ظهور الجمال والحمير، هل كنتم تصطادون الطرائد لتأكلوا.


فننبري للدفاع عن حياتنا الماضية وعن منازلنا وبيئتنا، وكأننا ندافع عن شيء ثمين، فيتخيلون المدينة الفاضلة، لكنهم يريدون إثباتاً يريدون أن يتيقنوا، فنخرج لهم الصور الفوتوغرافية بالأبيض والأسود، والتي بهتت مع الزمن، ويرون عكس ما كنا نحكي لهم، بيوتا ذات بناء بدائي، وحواري رملية ومزاريب البيوت تفرغ مياهها المتسخة في الحارات، ويرون ملابسنا غير مكوية وأقدامنا مغطاة بالغبار.
يرون كيف كنا نشرب من «البرمة»، ونأكل من صحن واحد على سفرة من حصير، يرون سياراتنا قديمة بدائية الصنع، وسبخات ما بعد المطر في كل ساحة، ثم يتساءلون إن كنا نمر بمرحلة لوثة هذيان في عقولنا.
كنا نعود مراراً وتكراراً لتأمل الصور الفوتوغرافية، وفي لحظة تجرد نكتشف أننا كنا بعيدين عن الواقع، فكل الأماكن التي حلمنا بسحرها، كانت مجرد مساحات جرداء كنا نلعب فيها، إذ لم تكن لدينا الألعاب التي لديهم.
هل كنا نتخيل أم نتوهم، أم أن ذاكرتنا تمارس الخداع معنا، هل كنا كما قلنا أم أننا رأينا في خيالاتنا ما نود أن نراه فقط، هل خانتنا الذاكرة وشطح الخيال، أم أن ذاكرة الطفولة زائفة، هل أرواحنا خلقت لذاك الزمان الذي نشأنا فيه، هل نحن متمسكون بواقع طفولتنا، وعلقنا به ونعيش الآن واقعا لا نرغب فيه، أو لا يشبه ما في ذاكرتنا، هل كنا نعيش بالفعل ما كنا نتذكره، أم فقط نريد أن نعيش الحلم مرة أخرى.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي