No Script

حروف مبعثرة

مذيعة... وحنين

No Image
تصغير
تكبير

ابنة العشرين تدخل الاستوديو بخجل، تجلس على كرسي تمنت لو كان ثابتاً لكي لا يدور فاضحاً توترها.
عدسة عاكسة شعرت بأنها ترمقها وتسخر من احمرار خدودها وتعرّق جبهتها.
كلام لم تركز بمعناه تسارع منطلقاً، وقلبها يأمل أن تكون أجادت قوله لتصبح زميلة الصبية التي تعرفت عليها قبل قليل.


هذه كانت حالي عند دخولي الإعلام... أنا ابنة العشرين عاماً، والصبية هي الزميلة دعاء عبدالرحمن.
أيام مختلفة إعلامياً، إنسانياً، اجتماعياً و... أخلاقياً!
تعرفت على دعاء وزاملت نيرفانا إدريس وعبيد العتيبي وبسام العثمان وأسماء أخرى قد تكون اليوم مثلي تماماً غائبة عن الشاشة.
غرفة المذيعات وقتها كانت صالوننا الثقافي الفني السياسي. نجتمع فيها على أحاديث متنوعة حول طاولة منخفضة مغطاة بنصوص نشرات الأخبار والبرامج الفنية.
نوستالجيا شعرت بحاجة لمشاركتها مع القراء.
أيام رانيا برغوت، شافكي المنيري، كوثر البشراوي ومدام صفاء «ألو فضائية مصرية».
قلوبنا كانت تهتز من مسؤولية تلقى على عاتقنا ونخبئ ارتجاف صوتنا بسبب عمق وأهمية المواضيع المطروحة.
زمن تنورة تحت الركبة والقميص المقفل حتى الياقة والبنطلون الفضفاض والأكمام التي يجب ألا ترتفع أعلى من مستوى الكوع. قد لا تصدقون ما أكتب، ولكن هذه كانت القوانين المتبعة والمعمول بها والتي أمرت أن أتبعها مع أنني خالفت في إحدى المرات قانون البنطال، ليطولني كلام موجع من المسؤولين. نعم، زمن كان يحاسَب فيه المذيع.
إعلام اللغة العربية الصحيحة بمخارج حروف وأحرف مد ولين، قد تُحوّل أي خبر إلى مقطوعة موسيقية. فخر لإلمام بلغة عربية فصحى سليمة من مذيع! هكذا كانت حالنا، نتنافس على خروج الصوت بشكل صحيح، على تقطيع نص وطول نفس.
حنين إلى أيام مضت، إلى زميلات المهنة الحقة.
قلّبت المحطات ولم أر تشابهاً بين الأمس واليوم.
من التسعينيات نقلة نوعية لناحية اللغة، الملابس والمواضيع. على شاشة إحدى المحطات، مذيع محترف في لقاء مع فتاة في تاريخها فقط استعراض جسد على تواصل اجتماعي. مشهد آخر لمذيع مخضرم يدوس بـ«بوط» مطاط العنب الموضوع في حوض، ويعتبر ما يقدم مادة دسمة تفيد المشاهد. وآخر محطة آلمت نظري بسبب مذيعة بمساحيق وعمليات تجميل غيّرت معالم وجهها، لتعرف هويتها فقط من اسم وضع أسفل الشاشة.
تقليب المحطات أطفأ حنيني واخترت أن أغمض عينيّ وأستعيد شريط ذكريات ماضٍ جميل.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي