يسري نصر الله: «أمر سخيف» تحويل الفن لخدمة السياسة

تصغير
تكبير



|   القاهرة - من نجلاء فتح اللـه   |


المخرج «يسري نصر الله» أحد المخرجين القلائل الذين يلتصقون بواقع مجتمعيهم المصري والعربي، مجسدا هذا الواقع في أفلامه أصدق تجسيد... فهو مهموم بقضاياه وباحث عن متنفس لحرية شعوبه.

ويرى نصر الله في البشر نموذجا لأسماك الزينة التي تتحرك في حوض من زجاج متخيلة أن لا أحد يراها، وترى هي كل شيء ومن ثم جاء اختياره لجنينة الأسماك كي تكون حدوتة فيلمه الذي انتهى من تصويره أخيراً.

«الراي» التقته وكان لها معه هذا الحوار:

• لماذا جنينة الأسماك؟

- شعرت أن هذا المكان ليس إلا صورة مصغرة من القاهرة... ففيها جانب المتاهة والجانبان السري والعلني في الوقت نفسه ونحن جميعا نتحرك في الحياة مثل السمك داخل أحواض الزينة متصورين أننا أحرار.

والفيلم تدور أحداثه في شتاء 2006 في 48 ساعة عن شخصيتين بعيدتين تماما عن بعضهما لا يعرف أي منهما الآخر... هما ليلى «مذيعة لبرنامج يبث في الإذاعة ليلا تكشف فيه أسرار الناس الداخلية»،  بينما يوسف «طبيب تخدير يحب سماع هلوسة المرضى أثناء البنج».

والاثنان من الشخصيات السلطوية، وهما خائفان جدا من كشف حياتيهما الداخلية وعندما يتقابلان في لحظة معينة يفترقان نتيجة خوفهما ويعود كل منهما إلى عزلته لأن الخوف دائما يؤدي إلى مزيد من العزلة والوحدة.

• أعرف أن «جنينة الأسماك» مشروع مؤجل منذ 3 سنوات تقريبا... لماذا؟

- بسبب الإنتاج فقد انتهيت من كتابة سيناريو هذا الفيلم منذ 3 سنوات وكنت أبحث عن طريقة لإنتاجه إلى أن تحمست له شركة مصر العالمية مع قناة arte الفرنسية أو art السعودية والتي تحملت نصف تكاليف الإنتاج.

وأعتقد أنني في هذا الفيلم توجهت لجهة عربية مثلما توجهت لجهة أجنبية حتى يتوقف الذين ينعتون التمويل الأجنبي بأنه تمويل مشبوه.

• لماذا لم تكرر تجربة الديجيتال مرة أخرى بعد فيلم «المدينة»؟

- لأن الديجيتال يتطور بشكل سريع جدا وأصبح أغلى من الـ«35» مللم ولم ينتشر في مصر بسبب عدم توافر امكانات نقله سينما فنضطر إلى لذهاب للخارج وذلك بالطبع يحد من امكانية استخدامه على نطاق واسع.

وبالنسبة لي أردت أن أجرب شيئا ونجحت فيه، وفي «جنينة الأسماك» مزجت بين الديجيتال والـ «35» مللم.

• بالرغم من أن فيلمك «باب الشمس» اختارته مجلة التايم من أفضل 10 أفلام أنجزتها السينما العالمية العام 2004 إلا أنه لم يشعر به أحد عندما عرض في مصر؟

- الفيلم عرض في 3 دور عرض واستمر 6 أسابيع، والمشكلة تكمن في التوزيع لأن المشكلة ليست في المثقف وإنما في دور ناشر الثقافة.

وعملي هو انتاج ثقافة ولكن للأسف لا توجد قوانين تحكم نشر الثقافة في مصر... لأن هناك 3 شركات فقط تحتكر سوق التوزيع في مصر لا تعرض أي أفلام عربية غير مصرية ولا تعرض أي أفلام أجنبية غير أميركية، ولكي ترسخ لدى الجمهور قاعدة لاستقبال ما هو غير أميركي وغير مصري تحتاج لوقت طويل جدا.

• صنف البعض «باب الشمس» على أنه لا يتحدث عن القضية الفلسطينية... وأنه يتحدث عن الفلسطينيين بشكل انساني بحت... وهل ترى فرقا بين الفلسطينيين والقضية الفلسطينية؟

- للأسف هناك من يفرق بين القضية الفلسطينية وبين الفلسطينيين أنفسهم... فمن الممكن أن تجد شخصاً ضمن مظاهرة للدفاع عن القضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه يقذف الفلسطينيين بأبشع الشتائم.

 وقد فوجئت عندما عرض الفيلم في نقابة الصحافيين بالقاهرة بصحافي «عبقري» يقول لي إن الفلسطينيين هم من باعوا أرضهم، وهذا بالطبع ضرب من الهراء، فأنا لا أرى أي سبب لتقسيم الفلسطينيين إلى أنواع كما يحدث الآن لأن ما يحدث بين الفصائل المتناحرة ما هو إلا صراع سلطة.

• لماذا استعنت بممثلين عرب في «باب الشمس»؟

- لأني لم أستطع الاستعانة بممثلين من فلسطين لأنهم يملكون جوازات سفر اسرائيلية وفي سورية ولبنان حيث كنا نصور هناك وحدة خاصة مهمتها مراقبة الفلسطينيين والتعامل معهم شديد الصعوبة وكأنه لا يكفي أن هناك تواطؤا يوميا على انكار تاريخ فلسطين.

 بل  تزيد الأمر سوءا بمعاملة الحكومات العربية والجهات الأمنية الفلسطينية.

• بمحاولتك جمع شتات العرب في فيلم سينمائي هل تحاول ايحاء فكرة القومية العربية وهل يمكن أن يصلح الفن ما أفسدته السياسة؟

- لا أعتقد... لأن الفن همه الأساسي صنع أفلام جيدة تساعد البشر على التواصل مع بعضهم البعض أيا كانت جنسيتهم أو ديانتهم.

أما تحويل الفن لأداة لخدمة قضية سياسية فإن هذا أمر مزعج وسخيف... لأن رسالة الفنان هي تنبيه البشر لكل ما هو جميل وراق.

• ما تأثير تجربة اقامتك في بيروت أواخر السبعينات عليك؟

- أنا أعتبر أن هذه أهم تجربة في حياتي وهي التي شكلتني كإنسان وأعطتني احساسا بقيمة الحياة وبفظاعة الحروب وفي الوقت نفسه جعلتني أرى اناسا يقاومون الموت ولا يستسلمون له... والبداية كانت فكرة فيلم حول أطفال الملاجئ الفلسطينية في لبنان.

 فذهبت إلى «تل الزعتر» لعمل فيلم عن تشكيل وعي الأطفال الفلسطينيين في هذه الملاجئ من خلال ما يدرسونه.

 ووجدت نفسي أمكث هناك 4 سنوات بدلا من أن أمكث عدة أشهر وبدلا من أنفذ الفيلم عملت بالتدريس لهؤلاء الأطفال من خلال مؤسسة «هاني كنفاني» التابعة للجبهة الشعبية والتي تتولى رعاية الأطفال الذين مات ذووهم.

وقد اكتشفت أن هؤلاء الأطفال تشكل وعيهم على أن سورية هي التي ستنقذ الفلسطينيين ليستيقظوا ذات يوم ويجدوا أن سورية هي التي تقصفهم بالمدافع في تل الزعتر وتجردهم من طفولتهم وتسلبهم ذويهم.

• وهل يشابه أثر هذه التجربة عليك أثر الحركة الطلابية التي كنت أحد زعمائها في السبعينات؟

- كل فترة انخرطت فيها في العمل الاجتماعي والسياسي أثرت في تكويني فنحن في الجامعة كنا آخر جيل قبل تفشي تيار الجماعات الإسلامية.

 والذي جذبني للحركة الطلابية وقتها هو البرنامج الديموقراطي الخاص بهم لأننا كنا مجتمعا خرج لتوه من سيطرة الحزب الواحد وكنا نرغب في تعدد أحزاب وصحافة حرة.

إلى جانب اكتشافنا تاريخ مصر الحقيقي أثناء الجامعة.. حيث اننا كنا ندرس في المدارس أن كل شيء في مصر تحسن بسبب عبد الناصر وأن مصر لم يكن لها تاريخ قبله، وذلك هراء.. لأن الرافعي في كتابه «تاريخ الحركة الوطنية المصرية» يحكي فكرة تشكيل مصر منذ القرن الـ 19 حيث كانت هناك حياة ثقافية وحراك سياسي واختلاف حدث بين المثقفين حول تعريف مصر وهل هي فرعونية أم عربية أم هيلينية؟

 وكيف أن قانون الجنسية تم وضعه في العشرينات من القرن الماضي.. وأثناء دراساتنا الجامعية اكتشفنا مصر أخرى بعيدة عن الشعارات التي كنا ندرسها في المدارس وكان عندنا شعور بأننا نملك العالم وعندنا القدرة على تغييره وللأسف تدخلت الجماعات الإسلامية للقضاء على هذه الحالة.

• ما أفضل فيلم شاهدته في الفترة الأخيرة؟

- فيلم «أوقات فراغ» لأنه فيلم حقيقي لم يخدع الجمهور وإنما عبر عن شباب هذه المرحلة بجدية ودون خداع أو مواربة.


 




الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي