No Script

نافذة / العقل العربي ونظرية المؤامرة

| u0641u0627u0636u0644 u0627u0644u0637u0627u0644u0628 |
| فاضل الطالب |
تصغير
تكبير
نظرية المؤامرة (Conspiracy Theory‏) هي محاولة لشرح السبب النهائي لحدث أو سلسلة من الأحداث السياسية والاجتماعية، أو حتى أحداث تاريخية على أنها أسرار، وغالباً ما يحال الأمر إلى عصبة متأمرة بشكل منظم هي وراء الأحداث، وكثير من معتقدي نظريات المؤامرة يدعون أن الأحداث الكبرى في التاريخ قد هيمن عليها المتآمرون وأداروا الأحداث السياسية من وراء الكواليس، وهذا المصطلح كما جاء في اليوكيبيديا حديث نسبيا اذ ورد للمرة الاولى في مقالة اقتصادية عام 1920 ولكن جرى تداوله عام 1960. أما تعريف موقع وزارة الخارجية الاميركية فهو الاعتقاد بأن هناك قوى شريرة خفية قوية تتحكم سرا بمجرى أحداث وتاريخ العالم. وتحظى هذه النظرية القبول عادة في اوساط الاسلاميين من منطلق ديني عقائدي وعند القوميين من منطلق قومي إثني وعلى العكس تحظى بالنقد والرفض من جانب الليبراليين الذين يعتبرونها شماعة نعلق عليها فشلنا الذريع في مواجهة الاحداث ونبرئ انفسنا من المسؤولية. وهذه النظرية من الصعوبة دحضها وتفنيدها مثلما هي عصية على الاثبات والبرهان. وتثير هذه النظرية الكثير من الانتقادات وقد ألفت العديد من الكتب بشأنها وهي تتعلق اساسا بمنهجية التفكير واستدلالاته ولا تقف عند حدود العلاقة مع الخصم، وقد يصل النقاش بين المعسكرين الى الجدل البيزنطي وحد المبالغات ولسان حال كل منهما يقول «عنزة وإن طارت»، ولذلك فالكتابة عن هذا الموضوع شائق وشائك في نفس الوقت.

ولعل من نافلة القول ان هذه النظرية ليست متغلغة فقط في أذهان العرب وحدهم بل ايضا بعقول الغرب المتمدن، فهذا الصحافي الفرنسي تييري ميسان مؤلف الكتاب الجدلي «الخدعة الرهيبة» يشكك في الرواية الرسمية للبيت الابيض عن احداث الحادي عشر من سبتمبر، ويتهم عناصر من الحكومة الاميركية بتدبير الحدث وإن أسامة بن لادن ليس سوى صناعة جهاز الاستخبارات الاميركية، وهناك ايضا مؤلفا كتاب «حكم أميركا» ستيف فارسر وجاري غستيف اللذان تحدثا عن دور بارز للنخب الاميركية ويؤكدان في الكتاب ان منهجهما بعيد كل البعد عن نظرية المؤامرة ما يؤكد حضور منطق المؤامرة في الثقافة الاميركية أيضا.

ولكن لماذا تسود نظرية المؤامرة العالم العربي بشكل كبير وبحيث لا تحدث شاردة أو واردة الا كانت لها نصيب، فانفلونزا الطيور والخنازير وجنون البقر هي مؤامرات عالمية من قبل شركات الأدوية الأميركية لنهب ثروات الشعوب العربية، وأن موت مايكل جاكسون كان على يد طبيبه الخاص لمنعه من دخول الاسلام خوفا من تأثر معجبيه، ومقتل الأميرة ديانا لكيلا تتزوج من مسلم ويكون الابن أخ لملك بريطانيا المقبل والكثير من الاحداث المشابهة التي تعكس مدى ترسخ هذه النظرية في أذهاننا. البعض يعتقد بأن السبب الرئيس هو إرث طويل من تعرض العالم العربي للضعف وانتشار الجهل كان فيه تحت سيطرة الدول العظمى، أثرت بشكل سلبي على تفكيره وجعلت من شخصيته أشبه بالذي يعاني من مرض جنون الارتياب (البارانويا)، فهو يؤمن ايمانا وثيقا بتعرضه للاضطهاد أوالملاحقة ويفسر سلوك الآخرين تفسيرا يتسق وهذا الاعتقاد ما يدفعه لإطلاق فهم زائف حيث يقوم بتجميع أدلة متفرقة غير مترابطة ليؤكد أوهامه يمنحه شعور بالامان، وقدرة على التفاعل مع العالم الخارجي من دون الشعور بالنقص، وللأسف فإن وسائل الاعلام تساهم في نشر هذه الثقافة ما أصبح مع مرور الوقت جزءا من قناعات الشعوب بالرغم من عدم وجود دليل مادي يؤكد حدوثها. ولا ننسى أيضا دور شيوخ الدين اللذين ما أنفكوا يوما تحميل مصائب العالم بأجمعه على اليهود والماسونية وأشباههم وأنهم السبب الرئيسي لتفكك وضعف وهوان الأمة العربية والاسلامية.

إن هذه النظرية تقوم ايضا بإعطاء الاولوية في فهم التاريخ ومساراته الى المؤامرة، وللأسف فإن ما في تاريخنا الاسلامي من الشواهد ما تشرئب اليه الاعناق وتضيق منه الصدور، لعل اشهرها على الاطلاق الثالوث التاريخي الشهير (ابن سبا– ابن العلقمي– يهود الدونمة) في اختزال واضح للأسباب الحقيقة للفتنة وانهاء دول مقابل تضخيم لدور فراد أو بضعة أفراد، فابن سبأ مثلا وعلى افتراض وجوده هو فرد واحد لايمكن بأي حال من الاحوال أن يؤسس مذهب لازال له صدى مدوي وسط مجتمع الجيل الاول من الصحابة الأخيار ووجود عظماء أهل بيت النبوة، وابن العلقمي هو الآخر فرد لا يمكن بأي حال من الاحوال أن ينسب اليه انهيار الخلافة العباسية عبر اتصاله مع المغول وهم كانوا أساسا على مشارف حدود الدولة ولا نغفل هنا القوة الخارقة التي كان يتمتع فيها المغول بالاضافة الى تفكك وفساد العباسيين جعلها عرضة للسقوط والانهيار. وأيضا في سقوط الخلافة العثمانية تحمل المسؤولية الكبرى على يهود الدونمة باتهامهم بأنهم عملوا على تقويض الخلافة عن طريق جماعة الاتحاد والترقي وتأسيس الدولة العلمانية في تجاهل تام عن حقيقة تردي اوضاع الخلافة والوهن والضعف الذي اصابها.

وخلاصة القول فإن دحض نظرية المؤامرة لا يعني ان كل الاحداث تجري بطريقة عفوية وطبيعية، ولكن من غير المستبعد أن تكون الاحداث وقعت نتيجة سلسلة من الاخطاء والحماقات وسوء التقدير لدى قادة سياسيين اعتبرها البعض تآمر. وفي الوقت نفسه فإن رفض هذه النظرية لا ينفي وجود مؤامرات الا ان البحث في التفسير السليم لمجريات الاحداث يحتاج الى قدرة عقلية منطقية لا يتوفر لكثير من الناس ما سبب مبالغات كثيرة وتفسيرات شتى طغى على الفهم الحقيقي للحدث.

* مهندس وكاتب كويتي

faltaleb1@gmail.com

Twitter: @ftaleb
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي