No Script

مختصون أكدوا لـ «الراي» أن إهمال هذا الجانب يُفشل الخطط

المواطنون والمقيمون بحاجة لتأهيل نفسي قبل... الإصلاح!

تصغير
تكبير

 سليمان الخضاري :
العوامل النفسية المطلوبة  تبدأ بدراسة أنماط الإنفاق

تحديد مناطق احتياج المواطن ودعمها  وعدم الإضرار بها

الحيل الدفاعية للمستهلكين  ترتبط بقدرتهم على الصرف

 محمد رمضان :
دراسة نفسيات المستهلكين  بدقة تحقق أهداف الإصلاح

التغير في الأسعار  يشكّل سلوك الناس لذا تجب مقاربته بآليات أخرى

لا ينبغي أن تفقد الخدمة  الحكومية صفتها غير الربحية عند رفع التعرفة

 

حذّر مختصون من أثر تطبيق الإصلاحات الاقتصادية دون برنامج موجه للمواطنين والمقيمين بغية تأهيلهم نفسياً قبل البدء بتنفيذها بأشواط زمنية محددة.
وأكد المختصون، أن إهمال خطط التأهيل النفسي ضمن سياسات الدولة، سيدفع نحو فشل خطط الإصلاح الاقتصادي، إذ إن مُحصلة غالبية قرارات الإصلاح تخضع في النهاية لمدى التزام المواطنين والمقيمين كمستهلكين.
ونوهوا إلى أن المتغيرات الاقتصادية المتعلقة برفع رسوم الخدمات، أو فرض الضرائب يتحمل فاتورتها في النهاية المواطن والمقيم، وتترك أثراً على نفسيته كمستهلك يعد المحرك الأساسي لأي نشاط اقتصادي، لتبدأ هنا مرحلة تقييم خياراته وفقاً لمقدراته في مواجهة تلك المتغيرات.


وتطرقوا إلى أن المستهلك حين يبدأ تقييم الخيارات المتاحة أمامه وفق قدراته المادية، يتخذ قراره بإشباع حاجاته بناء على تلك المعطيات من خلال لجوئه إلى النوع الأرخص حتى يظل محافظاً على إشباع حاجاته بقيمة لا تستنزف ميزانيته الشهرية مثلما حدث مع رفع أسعار البنزين، وهي الحسبة التي قد تُربك رؤية الحكومة وفق توقعات بارتفاع الإيراد من ذلك الجانب بنسبة لم تستطع تحقيقها، وذلك لخضوع المحصلة النهائية لقرار المستهلك.
وقد قال الخبير الاقتصادي، محمد رمضان، إن المتغيرات الاقتصادية المتعلقة برفع رسوم خدمات بعينها تقدمها الدولة، أو فرض أنواع مختلفة من الضرائب يتحمل فاتورتها النهائية المواطن أو المقيم تترك أثراً على نفسية المستهلك الذي يعد المحرك الأساسي لأي نشاط اقتصادي، ليبدأ مرحلة تقييم خياراته في مواجهة تلك المتغيرات.
ولفت رمضان في تصريح لـ«الراي» إلى أن نفسية المستهلك سواء المواطن أو المقيم ترتكز على الغاية التي تحرك فكرة الاقتصاد بصورة عامة وهي البحث عن العلاقات التي تجمع بين الإنسان ورغباته وحاجاته، وصولاً إلى آليات إشباع تلك الحاجات بالصورة المُرضية، وفقاً لما يتوافر له من قدرات مادية.
وتطرق إلى التغيرات التي حدثت على معدلات استهلاك الأنواع المختلفة في وقود السيارات بالكويت، والتي تعد مثالاً واضحاً على ذلك الأمر، حيث ارتفع استهلاك منتج البنزين «ممتاز» بنسبة 44 في المئة من إجمالي استهلاك المنتجات بعد تطبيق قرار زيادة أسعار البنزين في سبتمبر 2016، وهو ما يظهر أن المستهلك بدأ تقييم الخيارات المتاحة أمامه وفق قدراته المادية واتخذ قراره بإشباع حاجاته بناء على تلك المعطيات بلجوئه إلى النوع الأرخص حتى يظل محافظاً على إشباح حاجاته بقيمة لا تستنزف ميزانيته الشهرية، وهي الحسبة التي قد تُربك رؤية الحكومة وفق توقعات بارتفاع الإيراد من ذلك الجانب بنسبة لم تستطع تحقيقها وذلك لخضوع المحصلة النهائية لقرار المستهلك، وهو أمر نفسي غاب عن متخذ القرار وإن كان متوقعاً.
واستشهد رمضان بتصريح أحد المسؤولين النفطيين بأنه بعد مرور عامين من تطبيق قرار زيادة أسعار البنزين بموجب موافقة مجلس الوزراء فإن النمط الاستهلاكي في السوق المحلي تغير أيضاً، من استهلاك «الخصوصي» (95 أوكتان) إلى «الممتاز» (91 أوكتان)، نظراً إلى تفاوت الأسعار بينهم.
ونتيجة تغير سلوك المستهلكين ارتفع استهلاك «الممتاز» من 18 إلى 62 في المئة من إجمالي استهلاك المنتجات، إز زادت مبيعاته من 57 مليون لتر شهرياً في 2016 إلى 227 مليوناً في 2018، وهو ما دفع نحو انخفاض استهلاك «الخصوصي» من 80 إلى 37 في المئة، ما شكل انخفاضاً حاداً في مبيعات «الخصوصي» من 258 مليون لتر شهرياً بـ2016 إلى 133 مليونا في 2018.
وأشار إلى أن الأثر المالي في قضية رفع الدعوم يمتد للارتباط بسعر النفط بصورة رئيسية، إلا أن نفسيات المستهلكين لو تمت دراستها بصورة دقيقة يمكن توجيهها عبر البرامج الدعائية التي تدفعهم لتحقيق أهداف الإصلاح بصورة شبه محسوبة ما يحقق الفائدة لطرفي العلاقة.
وشدّد أنه على الحكومة ضرورة مراعاة هذا الأمر حال العمل على ملف الضرائب وأسعار السلع والخدمات الحكومية خلال الفترة المقبلة، إذ إن مقدار التغير في الأسعار سيكون هو المحرك الأساسي في ذلك الجانب كون يمثل العامل الأهم في تشكيل سلوك المستهلكين ولكن يجب مقاربته بآليات عملية أخرى كالتالي:
1 - رفع رسوم السلع والخدمات الحكومية: عند اللجوء إلى هذا الخيار لا بدّ ألا تفقد الخدمة الحكومية صفتها الرئيسية كون الدولة تقدمها بغرض غير ربحي، وهو ما يدفع لأن تحقق الدولة فيها عنصري الجودة والسعر المناسب المنافس للقطاع الخاص.
2 - إقرار الضرائب، وهنا يكون الفيصل لنسبة الاستقطاع الضريبي وفق حالتين:
أ - نسبة عالية (الضريبة الانتقائية): وهو ما سيدفع المستهلكين إلى البحث عن بدائل بسعر أقل، ما سيقلل من العوائد الضريبية المتوقعة، ويبقي سلوكهم الاستهلاكي الضار للسلع محل الضريبة ثابتاً ما يستدعي إجراء حملات توعوية من أجل درء التغيرات النفسية وانعكاسها على سلوك المستهلكين.
ب - نسبة منخفضة (ضريبة القيمة المضافة) فطالما كان الربط الضريبي عند نسبة الـ5 في المئة سيكون سلوك المستهلك محسوباً دون تغييرات تذكر، ولكن حال رفع نسبة الربط الضريبي لأكثر من ذلك مستقبلاً، فيجب أن تلجأ الحكومة إلى تهيئة ممولي الضريبة نفسياً لهذا الأمر حتى لا تتغير سلوكياتهم الاستهلاكية، وتنعكس سلباً على الهدف من الضريبة وتصبح من دون جدوى.
من جانبه، نبه استشاري الطب النفسي، عضو هيئة التدريس في كلية الطب بجامعة الكويت، الدكتور سليمان الخضاري، من أثر تطبيق الإصلاحات الاقتصادية دون برنامج موجه للمواطنين والمقيمين لتأهيلهم نفسياً قبل البدء بتنفيذها بأشواط زمنية محددة.
ولفت الخضاري في تصريح لـ«الراي» إلى أن إهمال خطط التأهيل النفسي للمواطنين والمقيمين ضمن سياسات الدولة، يدفع نحو فشل خطط الإصلاح الاقتصادي، خصوصاً وأن غالبية قرارات الإصلاح تخضع في النهاية لمدى التزام المواطنين والمقيمين كمستهلكين.
وذكر الخضاري أن العلاقة بين المتغيرات الاقتصادية والإنسان، ترتبط ارتباطا وثيقاً بسلوكه كمستهلك تحكمه  أنشطة ذهنية وعصبية عدة مرتبطة بعملية التقييم والمفاضلة في عملية الحصول على السلع والخدمات ومقدار ما هو مستعد لتقديمه للمشاركة في الحصول عليها في الحدود المقبولة له، ما يعني أنه سلوك إنساني يتأثر بمجمل العوامل (اقتصادية، اجتماعية،نفسية)، وأن استخدام السلع والخدمات والأفكار يكون الفيصل فيه أنها ستلبي رغباته أو حاجاته حسب إمكاناته الشرائية المتاحة.
وشدّد على أن أي خطط للاصلاح الاقتصادي الجذري بما تتضمنه من آليات لتغيير النموذج الاقتصادي الذي ساد لفترات طويلة، عبر فرض الضرائب، وإعادة توجيه الدعم للمستحقين، لا يجب أن تهبط على المواطنين كـ«الصاعقة»، فما تعود عليه الناس حتى لو افترضنا خطأه فمن يتحمله حقيقة هو السلطة التنفيذية، وهي التي أنتجته وراعته في السابق من الزمن، وهي من يقع على كاهلها خلق المناخ الملائم لتغيير أنماط السلوك الاقتصادي، وهو شيء لا يمكن اختزاله بمجموعة قوانين يتم تطبيقها و«السلام».
وشدد على أن الدولة لو أهملت خطط التأهيل النفسي للمواطنين والمقيمين ضمن سياسات الإصلاح فسيتسبب ذلك في خلق آثار وخيمة على محاور عدة، ومنها السياسي والاقتصادي، كالتالي:
1 - العلاقة بين الفرد (مواطن ومقيم) والدولة، إذ ستصنع حالة من السخط على متخذ القرار، وهو أمر سيعيد تشكيل العلاقة بين المواطن والمقيم كمستهلك من جهة، ومقدمي الخدمات الحكومية من جهة أخرى، إذ سيصبحون هؤلاء مطالبون بجودة وأداء احترافي أعلى مقابل الزيادات المتوقعة.
2 - اللجوء إلى الحيل الدفاعية، إذ ستصبح الحيل الدفاعية للمواطنين والمقيمين مرتبطة ارتباطا وثيقاً بقدرتهم على الإنفاق، وهو ما سينعكس بصورة كبيرة على سلوكهم الاستهلاكي، ما سيجعلهم في بعض الأحيان يلجأون للتحايل على تلك الخطط بطرق شتى أيضاً، فإذا افترضنا أن فرض الضرائب هو المعني فسيكون هناك تهرب ضريبي مباشر أو غير مباشر ما لم يشعر المواطن والمقيم بعوائد سدادهم للضرائب.
وأكد أن المنطلقات الأساسية يجب أن ترتكز على زيادة ثقة المواطن بالجهة المنوط بها الإدارة العامة في الدولة وحسن تصرفها في أمواله، وهذا لا يتأتى إلا بزيادة معايير الشفافية في الصرف والاستثمار الحكومي وتوعية المواطنين بالأهداف من وراء ذلك، ناهيك عن توفير الأنظمة المحاسبية الدقيقة المؤهلة لمتابعة تحول ضخم كفرض الضرائب.
ونوه إلى أن ذلك يأتي بالإضافة لإيضاح الأهداف الاستراتيجية للقروض الخارجية للدول الأخرى، مع البدء بسياسات مالية تبتعد قدر المستطاع عن جيب المواطن البسيط الذي يئن تحت وطأة الديون والمتاعب الاقتصادية.
النقطة الأخرى التي يجب الانتباه لها من صانع القرار هي أنه لا ضرائب أو زيادات ضخمة في الرسوم المقدمة من الدولة دون تزايد للدور السياسي للمواطن في عملية صنع القرار والمحاسبة، فهل تجهزت الدولة لذلك؟
وذكر الخضاري أن العوامل النفسية المطلوب دعمها لدى المواطنين والمقيمين بالتوازي مع برامج الإصلاح يجب أن تبدأ من دراسة أنماط الاستهلاك والصرف لديهم وتحديد أكثر مناطق الاحتياج المواطن ودعمها والابتعاد قدر الاستطاعة عن الاضرار بها، وعليه يتم خلق الحوافز التي تركز على إشباع تلك الاحتياجات، وعلى سبيل المثال لو كان تقليل استخدام الوقود هو الهدف، فلا بد من خلق البرامج التحفيزية التي تدفع بالمواطن والمقيم للتنافس في هذا الإطار، ولربما يتطلب الأمر بعض الحوافز المالية لمن ينجح في خفض كمية الوقود التي يستخدمها، وقس على ذلك الكثير من الأمثلة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي