No Script

قراءة نقدية / الرواية أشبه بالأحجية التي تستفز المتلقي لفك شيفراتها

جماليات التجريب... في رواية «الحلاج» لمحمد سامي البوهي

تصغير
تكبير
استدعى الروائي... الحلاج من مرقده لنحلق معه في رحلة ابداعية عتادها السحر والخيال
مما لا شك فيه أن التجريب يعبر عن موقف الفن من الحياة أو موقف المبدع من الحياة، فالتجريب الروائي وسيلة للتعبير عن مواقف ورؤى أو تصورات فلسفية من الوجود وهذا ينطبق على حلاج محمد سامي البوهي ومن أهم خصائص التجريب هو الأثر الجمالي الذي يحدثه في نفس المتلقي، ومن هنا يقرميخائيل باختين في كتابه الخطاب الروائي ص: 160 وما بعدها بأن الرواية يمكن أن تسمح بأن يدخل لها جميع صنوف الأجناس الأدبية التعبيرية سواء أكانت أدبية (قصص، أشعار ) أم غير أدبية (نصوص بلاغية وعلمية ودينية) فضلا عن المذكرات والرسائل ومحكي الأسفار) وكل واحد من هذه الاجناس يملك أشكاله اللفظية والدلالية.

وما ذهب إليه باختين يقارب بين مفهوم الرواية الجديدة والرواية التجريبية لإميل زولا (1920 - 1840) الذي يعد الأب الروحي لمصطلح التجريب في مجال الابداع الأدبي وذلك من خلال روايته «الرواية التجريبية» حيث طبق فيها أسس الاتجاه العلمي الطبيعي في مجال الرواية، فضلا عن ذلك طبق فيها معظم الفرضيات التي استقاها من داروين وكلود برنارد موشجاً الصلة التي انقطعت بين العلم والطبيعة.

جاءت الرواية في 284 صفحة مقسمة إلى 11 لوحة معنونة وتحت العنوان مقطع من شعر الحلاج الصوفي.

فالرواية أشبه بالأحجية التي تستفز المتلقي لفك شيفراتها، فالعنوان «الحلاج» وإن كان في ظاهره المباشر يعني الصوفية نسبة إلى الحلاج الذي ولد (244 هـ - 857 م) ت (309 هـ - 922 م) في بغداد، فقد حكم عليه القاضي أبو عمر المالكي بالقتل بعد أن رأى كفره ومروقه، على حد زعمه، وأمر الخليفة المقتدر بإنفاذ الحكم على أن تقطع يداه ورجلاه من خلاف، ثم يضرب عنقه، ثم يحرق ويلقى برماده في نهر دجلة.

فالروائي استدعى الحلاج من مرقده لنحلق معه في رحلة ابداعية من السحر والخيال من خلال عدة تقنيات منها عتبات النص التي تتجلى في الغلاف الذي يعد العتبة الأولى فالغلاف لم يعد وسيلة لحفظ المتن وحفظ اسم مؤلف العمل فحسب بل يعد فضاءً إيحائياً فجاء لونه درجة من درجات البرتقالي الغامق الذي يرمز في علم النفس اللوني إلى لون البعد والآفاق فيشجع على التخيل الهادئ والتأمل الباطني ويخفف من حدة الثورة والغضب... وهو يعبّر عن سمو النفس والنبل والمثالية والصمت، ويرمز إلى الصدق والحكمة والخلود والثبات والإخلاص. فالغلاف جاء بسيطاً يحاكي عنوان الرواية فعنوان الرواية زركشه لرسم تعبيري لصوفي باللون الأسود، ليلفت المتلقي للعنوان في الأسفل اسم الكاتب باللون الأبيض بارزاً على الظل الأسود، وعلى الدفة الثانية يخبرنا بتقنية الرواي العليم بضمير المتكلم عن «الحلاج الذي غزل بيديه أخبار مدائن قد مضت فاصطفاه صاحب الأسرار ليكمل غزل حكايته...» فالغلاف يوضح للمتلقي أنه سيبحر في رحلة الأسرار.

وجاء الإهداء مباغتاً للمتلقي «إلى العتق الذي كلما ابتعد عني؛ كبلني»فالمفارقة تتجلى في الإهداء المذيل بأسماء أبناء المؤلف»حنين وياسين».

فالعتق هو التحررمن العبودية فكيف يكون العتق سببا في قيود المؤلف؟ ثم نتتبع كلمة الكاتب ص:7»ليس الطريق وحده مايأخذك....»

فالكاتب يقر في كلمته أن النور وحده هو ما يجمع النهايات. والسؤال الذي يطرح نفسه أي نور يقصده المؤلف؟

ينقلنا البوهي معه من لوحة إلى أخرى نتنقل بين لوحات عدة منها الدرب الأصفر، أرض نبو، الطريق إلى واهي وجبل الجنون، إلى حيث لا أعلم، ارتداد،حقائق مهملة، القافلة الأخيرة، مآرب أخرى، عتق.

فنسج الكاتب صراعاً مماثلاً لصراع الحلاج فمأساة الحلاج كانت في التماهي مع الحقيقة المطلقة ومع العشق الفلسفي لله الذي تجاوز كل الحدود، فالحلاج خرج عن المألوف واستخدم لغة خاصة تحولت إلى السيف الذي دق عنقه، وكأن الكاتب يريد أن يسير معه المتلقي عبر رحلة من أحد عشر فصلاً متمثلة في لوحات يلعب فيها زمن الاسترجاع دوراً مهماً وينتقل بنا عبر الأماكن بحثا عن الحقيقة المطلقة، باستخدام تقنية التناص الديني والتاريخي والأسطوري؛ ورغم تنوع اللوحات إلا أن القاسم المشترك بينهما الكتاب بطل رحلة البحث عن الحقيقة المطلقة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي