No Script

الأجوبة المفيدة / عن أسئلة العقيدة

u0627u0644u0623u0633u062au0627u0630 u0627u0644u062fu0643u062au0648u0631 u0648u0644u064au062f u0627u0644u0639u0644u064a
الأستاذ الدكتور وليد العلي
تصغير
تكبير
زاوية نعرض من خلالها لكل ما يعن لقراء «الراي» الأعزاء من أمور تتعلق بالعقيدة الاسلامية، وتحتاج الى توضيح وبيان، يجيب عنها الأستاذ الدكتور وليد محمد عبدالله العلي، امام وخطيب المسجد الكبير، والعميد المساعد بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة الكويت.

وللتواصل أرسلوا بأسئلتكم عبر إيميل الجريدة (w-alali@hotmail.com) أو فاكس رقم: (24815921)

الموحّد والمشرك

أخرج أحمد والتِّرمذيُّ من حديث الحارث الأشعريِّ أنَّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (إنَّ الله أمر يحيى بن زكريَّا بخمس كلماتٍ أن يعمل بها؛ ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنَّه كاد أن يُبطئ بها، فقال عيسى: إنَّ الله أمرك بخمس كلماتٍ لتعمل بها؛ وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمَّا أن تأمرهم؛ وإمَّا أنا آمرهم.

فقال يحيى: أخشى أن سبقتني بها: أن يُخسف بي؛ أو أُعذَّب، فجمع النَّاس في بيت المقدس: فامتلأ المسجد؛ وقعدوا على الشُّرف، فقال: إنَّ الله أمرني بخمس كلماتٍ أن أعمل بهنَّ؛ وآمركم أن تعملوا بهنَّ.

أولهنَّ: أن تعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئاً، وإنَّ مَثَل من أشرك بالله: كمَثَل رجلٍ اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو وَرِق، فقال: هذه داري وهذا عملي، فاعمل وأدِّ إليَّ، فكان يعمل؛ ويُؤدِّي إلى غير سيده، فأيُّكم يرضي أن يكون عبده كذلك؟).

فقد ذكر صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الحديث العظيم الشَّأن - الذي ينبغي لكُلِّ مُسلمٍ حفظه وتعقُّله-: ما يُنجي من الشَّيطان، وما يحصل للعبد به الفوز والنَّجاة في دُنياه وأُخراه، فذكر مَثَل المُوحِّد والمُشرك، فالمُوحِّد: كمن عمل لسيِّده في داره وأدَّى لسيِّده ما استعمله فيه، والمُشرك: كمن استعمله سيِّده في داره فكان يعمل ويُؤدِّي خراجه وعمله إلى غير سيِّده، فهكذا المُشرك يعمل لغير الله تعالى في دار الله تعالى، ويتقرَّب إلى عدوِّ الله بنعم الله تعالى، ومعلوم أنَّ العبد من بني آدم لو كان مملوكه كذلك: لكان أمقت المماليك عنده، وكان أشدَّ شيئاً غضباً عليه وطرداً له وإبعاداً، وهو مخلوقٌ مثله، كلاهما في نعمة غيرهما، فكيف بربِّ العالمين الذي ما بالعبد من نعمةٍ فمنه وحده لا شريك له، ولا يأتي بالحسنات إلا هُو، ولا يصرف السَّيِّئات إلا هُو، وهُو وحده المُنفرد بخلق عبده ورحمته وتدبيره ورزقه ومُعافاته وقضاء حوائجه، فكيف يليق به مع هذا أن يعدل به غيره في الحُبِّ والخوف والرَّجاء والحلف والنَّذر والمُعاملة؟ فيُحبُّ غيره كما يُحبُّه أو أكثر! ويخاف غيره ويرجوه كما يخافه أو أكثر! وهذا هُو الشِّرك الذي لا يغفره الله عزَّ وجلَّ، قال الله سُبحانه وتعالى: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا» (سُورة النِّساء: الآية 48).

والظُّلم عند الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة له دواوين ثلاثةٌ: ديوانٌ لا يغفر الله منه شيئاً؛ وهُو الشِّرك به، وديوانٌ لا يترك الله تعالى منه شيئاً؛ وهُو ظُلم العباد بعضهم بعضا، فإنَّ الله تعالى يستوفيه كُلَّه، وديوانٌ لا يعبأ الله به؛ وهُو ظُلم العبد نفسه بينه وبين ربِّه عزَّ وجلَّ، فإنَّ هذا الدِّيوان أخفُّ الدَّواوين وأسرعها محواً، فإنَّه يُمحي بالتَّوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمُصائب المُكفِّرة ونحو ذلك، بخلاف ديوان الشِّرك: فإنَّه لا يمحى إلا بالتَّوحيد، وديوان المظالم لا يُمحى إلا بالخُروج منها إلى أربابها واستحلالهم منها.

ولمَّا كان الشِّرك أعظم الدَّواوين الثَّلاثة عند الله عزَّ وجلَّ: حرَّم الجنَّة على أهله، فلا تدخل الجنَّة نفسٌ مُشركةٌ، وإنَّما يدخلها أهل التَّوحيد، فإنَّ التَّوحيد هُو مفتاح بابها، فمن لم يكن معه مفتاحٌ: لم يُفتح له بابها، وكذلك إن أتى بمفتاحٍ لا أسنان له: لم يمكن الفتح به.

وأسنان هذا المفتاح: هي الصَّلاة، والصِّيام، والزَّكاة، والحجُّ، والجهاد، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرَّحم، وبرُّ الوالديْن، فأي عبدٍ اتَّخذ في هذه الدَّار مفتاحاً صالحاً من التَّوحيد؛ وركَّب فيه أسناناً من الأوامر: جاء يوم القيامة إلى باب الجنَّة ومعه مفتاحها الذي لا يُفتح إلا به، فلم يعقه عن الفتح عائقٌ، اللَّهُمَّ إلا أن تكون له ذُنوبٌ وخطايا وأوزارٌ لم يذهب عنه أثرها في هذه الدَّار بالتَّوبة والاستغفار: فإنَّه يُحبس عن الجنَّة حتَّى يتطهَّر منها، وإن لم يُطهِّره الموقف وأهواله وشدائده: فلا بُدَّ من دُخول النَّار ليخرج خبثه فيها ويتطهَّر من درنه ووسخه، ثُمَّ يخرج منها فيدخل الجنَّة، فإنَّها دار الطَّيِّبين لا يدخلها إلا طيِّبٌ، قال سُبحانه وتعالى: «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (سُورة النَّحل: الآية 32).

وأمَّا النَّار: فإنَّها دار الخُبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب، ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعضٍ فيركمه كما يرُكم الشيء المُتراكم بعضه على بعضٍ، ثُمَّ يجعله في جهنَّم مع أهله، فليس فيها إلا خبيثٌ.

ولمَّا كان النَّاس على ثلاث طبقاتٍ: طيِّبٌ لا يشوبه خُبْثٌ، وخبيثٌ لا طيب فيه، وآخرون فيهم خُبْثٌ وطيبٌ: كانت دُورهم ثلاثةٌ: دار الطِّيب المحض، ودار الخُبْث المحض، وهاتان الدَّاران لا تفنيان، ودارٌ لمن معه خُبْثٌ وطيبٌ، وهي الدَّار التي تفنى؛ وهي دار العُصاة، فإنَّه لا يبقى في جهنَّم من عُصاة المُوحِّدين أحدٌ، فإنَّهم إذا عُذِّبوا بقدر جرائمهم: أُخرجوا من النَّار فأُدخلوا الجنَّة، ولا يبقي إلا دار الطِّيب المحض ودار الخُبْث المحض.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي