No Script

24 ساعة تاريخية للبطريرك في «أرض الحرمين»

الراعي: عائدون بنشيدِ محبةٍ سعودي للبنان

تصغير
تكبير
الراعي مقتنع كل الاقتناع بأسباب الاستقالة: الحريري عائد إلى لبنان بأسرع ما يمكن

مخاوف من «تصعيب الأمر» على الحريري ونصْب أفخاخ في طريق عودته إلى بيروت

لقاء خادم الحرمين - البطريرك يؤكد أهمية دور الأديان والثقافات في تعزيز التسامح ونبذ التطرف

«السعودية الجديدة» ورؤيتها الحازمة حضرت في لقاء الراعي ومحمد بن سلمان
زيارة الـ 24 ساعة تاريخية وأكثر في المحطات التي جعلتْها «المصادفاتُ السياسية» بالغة الاستثنائية. فمنذ وصول البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي إلى «أرض الحرمين» وحتى مغادرتها، كان الانتباه مشدوداً إلى هذا التحوّل، ربما الأول منذ فجر الإسلام... فرئيس الكنيسة المارونية يحمل صليبه ويمضي إلى المملكة العربية السعودية بدعوةٍ من خادم الحرمين الشريفين.

لقاءٌ مع الملك سلمان بن عبد العزيز استغرق أكثر من نصف ساعة ولم يَخْلُ من ذكرياتٍ جميلة عن «أيام العزّ» ووقوف المملكة مع لبنان في «الحُلوة والمُرة»، ولقاء سريع مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حضرتْ فيه «السعودية الجديدة» ورؤيتها الأكثر حزماً في حماية النظام العربي والأكثر حداثةً في مقاربة العصر، واستقبال البطريرك لرئيس الحكومة سعد الحريري «المُستقيل»، بمقرّ إقامته، في «جلسةٍ» بدت أهمّ من المهمّ، ثم غداءٌ تكريمي أقامه أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر للراعي وصحبه من المطارنة، إضافة الى لقاء كان جمع الراعي مع الجالية اللبنانية في مقرّ السفارة بالرياض مساء أول من أمس.

في «سطرٍ واحدٍ» اختصر البطريرك النتائج الممتازة لزيارته «عائدون بنشيدِ محبةٍ سعودي» للبنان، «كلماته» قرأها الراعي في قلوبِ مَن التقاهم قبل أن يسمعه، إنهم جددوا حبّهم للبنان - الكيان ولبنان الشعب ولبنان التَلاقي ولبنان التعددية، والأهمّ أيضاً «لبنان الحياد»، كما جدّدوا دعمهم الكامل للبنان وحرْصهم على الجالية اللبنانية التي ساهمتْ في بناء المملكة ونهْضتها.

وبـ «الحرارة» عيْنها تحدّث البطريرك عن لقائه بالرئيس سعد الحريري «كان حلو كثير وجيد جداً جداً» مبدِّداً ما يشاع عن أنه «مقيّد الحركة»، ومعلناً أن الحريري «عائد إلى لبنان وبأسرع ما يمكن»، ممازحاً «نحنا هنا وربما هو ذاهب الآن الى بيروت»، في إشارةٍ «بطريركية» الى عودة وشيكة لرئيس الحكومة، الأمر الذي من شأنه وضع حدٍّ لفرضيات قد تفضي إلى ما هو أسوأ.

الأهمّ في كلام البطريرك جاء رداً على سؤال عما إذا كان الحريري أقنعه بأسباب استقالته، إذ لم يتردّد الراعي بالقول: «ليش أنا مش مقتنع بأسباب الاستقالة؟... أنا مقتنع كل الاقتناع»، ملمحاً إلى أنه بعد عودة الحريري ولقائه الرئيس العماد ميشال عون «لا بد من أن تبدأ مسيرة جديدة».

وأكد أنّ «الملك سلمان بن عبد العزيز عبّر عن حبّه الكبير للبنان وعن رغبته بالدعم الدائم له، مبدياً تقديره للجالية اللبنانية في السعودية».

وفي حين كان الراعي يستقلّ طائرته مغادِراً الى روما غروب أمس، كانت الرياض وبيروت معاً في «ورشة تقويم» لحدَث غير مسبوق يؤسس لحوار إسلامي - مسيحي عميق أكسبتْه «اللحظة السياسية» أهميةً مضاعفة، وسط خلاصات سريعة أهمها:

• ان «رمزية» الصورة التي جمعتْ خادم الحرمين برأس الكنيسة المارونية تشكل فاتحة لمسار جديد في علاقة المسيحيين المضطربة بالعالم الإسلامي، وفي ما هو أكثر من انفتاحٍ سعودي في مقاربة حوار الأديان والحضارات.

• ان زيارة البطريرك تصبّ في رصيد التحول الذي تشهده المملكة ومعاودتها «صيانة» علاقاتها بالغرب والشرق كـ «قوة إقليمية» تتقن لعبة المصالح في رسم الأدوار المحورية على المستوييْن الإقليمي والدولي، وهو ما برزت ملامحه في استقبال المملكة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وفي زيارة الملك سلمان التاريخية لموسكو ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين.

• ان الاعتراض السعودي على الواقع القائم بلبنان واستقالة الحريري وملابساتها، أقرب ما يكون الى القول «كفى». فـ «مملكة الخير»، حسب وصف الرئيس الحريري أمس، تتصرّف الآن كـ «المارد» بعد «الخطيئة غير المحسوبة» التي ارتُكبت ضدّ أمنها بإطلاق الصاروخ البالستي على أحد مطارات عاصمتها الرياض.

وأهمية زيارة البطريرك في «توقيتها» أنها ربما تساهم في سكْب بعض المياه الباردة على التوتر الناجم عن تمادي الحُكْم في بيروت في سلوكٍ يشي وكأن بيروت تتجه لإعلان «حرب عالمية» على المملكة بتحريك ديبلوماسيّتها في اتجاه الخارج والتلويح باللجوء الى مجلس الأمن، بذريعة «خطْفها» الرئيس سعد الحريري.

وساد انطباعٌ في الأوساط اللبنانية في الرياض بأن نفي مستشار المرشد الأعلى الايراني علي أكبر ولايتي أن يكون الحريري أثار معه التدخل الإيراني في الشؤون العربية قبل يوم واحد من إعلانه استقالته، ورفْع وتيرة تصعيد الحُكم في بيروت ضدّ المملكة عبر الحركة الديبلوماسية في اتجاه الخارج، هو محاولة لـ «تصعيب الأمر» على الرئيس الحريري ونصْب أفخاخ في طريق عودته إلى بيروت.

وكان البطريرك استهلّ نشاطه، صباح أمس، بلقاء الملك سلمان بن عبد العزيز في مكتبه بقصر اليمامة في الرياض.

وحسب وكالة الأنباء السعودية فإن اللقاء مع «البطريرك اللبناني مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للموارنة» تخلله «استعراض العلاقات الأخوية بين المملكة ولبنان، والتأكيد على أهمية دور مختلف الأديان والثقافات في تعزيز التسامح ونبذ العنف والتطرف والإرهاب وتحقيق الأمن والسلام لشعوب المنطقة والعالم».

وحضر الاستقبال، وزير الداخلية الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز، ووزير الدولة الدكتور مساعد بن محمد العيبان، ووزير الخارجية عادل بن أحمد الجبير، ووزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان.

وبعدها كان لقاء مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حضور الوزير السبهان، جرى خلاله، وفق «واس»، استعراض العلاقات الأخوية بين المملكة ولبنان، وبحث عدد من الموضوعات المتعلقة بدور مختلف الأديان والثقافات في تعزيز التسامح ونبذ العنف والتطرف بما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

ثم عُقد الاجتماع المنتَظر بين الراعي والرئيس الحريري الذي توجّه إلى مكان إقامة البطريرك حيث عُقد اجتماع استمرّ نحو نصف ساعة وكان مغلقاً من دون أي تغطية للوفد الإعلامي. وبعدها أقام أمير الرياض مأدبة الغداء على شرف الراعي والوفد المرافق له، وهي أعقبتْ لقاءً بين البطريرك والأمير فيصل بن بندر الذي أعرب عن سروره بزيارة البطريرك الماروني للمملكة، متمنياً «اللقاء مستقبلا في لبنان وهو يعيش في أمنٍ وأمان واستقرار، وهذا هو الهدف دائماً من هذه الزيارات المتبادلة، أن نؤسس ونؤكد لسياسة جديدة وعمل جديد في ظل قائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والاخوة في لبنان».

وكان الراعي شارَك بُعيْد وصوله الى الرياض مساء اول من امس في حفلِ استقبالٍ أقيم على شرفه في مقرّ السفارة اللبنانية، شارك فيه الزائر الرسولي على شمال الخليج العربي المونسنيور كميللو بلليني وسفراء فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والبرتغال والأرجنتين والاتحاد الأوروبي، والسفير السعودي الجديد لدى لبنان وليد اليعقوب والنائب السابق الدكتور فارس سعيد والوفد المرافق للبطريرك، وحشد من أبناء الجالية اللبنانية وسط رفع صور الراعي واللافتات المرحبة بأول بطريرك ماروني يزور المملكة.

وتحدّث الراعي قائلاً: «البرتوكول لا يسمح بإقامة لقاء وحفل مع الجالية والسفارة قبل أن تتم مقابلة خادم الحرمين وولي عهده، ولكن سمح الملك سلمان بحصول ذلك، محبة صادقة منه تجاه لبنان واللبنانيين، حيث لم أكن أحلم بهذه الزيارة لهذه البلاد الطيبة»، مشيراً إلى أن «المملكة فتحتْ كل النوافذ والأبواب والقلوب والأرض لاحتضان الجالية اللبنانية بكل رعاية وحنو»، ومشدداً على أن «الصداقة والأخوة بين البلدين متجذّرة ومتأصلة في التاريخ».

وأضاف: «نحن كلبنانيين نحمل تراثاً من خلال هويتنا وخصوصيتنا اللبنانية، وفي ختام السينودس من اجل لبنان قال البابا القديس يوحنا بولس الثاني ان لبنان بلد صغير لكنه كبير برسالته»، متحدثاً عن التعددية الثقافية والدينية في لبنان «إنه فسيفساء وليس انصهاراً، ففي لبنان يحترم كل انسان بثقافته وايمانه وتقاليده لذلك هو بلدٌ يحمل في طياته ثقافة الانفتاح على الآخر المختلف والتضامن مع الآخر المختلف والتساهل والتكامل معه كي نبني هذه العائلة اللبنانية معاً يوماً بعد يوم».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي