No Script

هل يشكل فوز المعتدلين والإصلاحيين في الانتخابات «قصة نجاح للديموقراطية» في طهران؟

التغيير في الجمهورية الإسلامية ... خطة أميركية أم تكتيك إيراني؟

تصغير
تكبير
فوز الإصلاحيين ستظهر نتائجه... على المديين المتوسط والبعيد!

صادق بور:

لا يجب التقليل من إرادة الإيرانيين للتغيير... ولا يمكن الاستهانة بقدرة النظام على سحق طالبيه

واشنطن ظلت لعقود تحاول سياسيا واقتصاديا وثقافيا الضغط على النظام الايراني وعزله... فضلا عن محاولات التجسس عليه
وها هي واشنطن أخيرا، تنجح على ما يبدو في التسلل من الأبواب الخلفية للسياسة الايرانية المعقدة المكونات من أجل احداث تغيير يعمل عليه السياسيون وضباط الاستخبارات منذ سنوات وتحديدا منذ الثورة الايرانية في نهاية السبعينات.

وقد بدأت الولايات المتحدة، التجسس على المنظمة العسكرية والسياسية الايرانية منذ اطاحة الشاه محمد رضا بهلوي في العام 1979، لكن النظام الايراني أيام سطوة المتشددين على مقاليد الحكم، كشف أغلب عملائها. ولعل مهمة عميل مكتب التحقيقات الفيديرالي الاميركي (اف بي اي) روبرت ليفنسون في طهران، والذي اختفى منذ 2007، والذي عرضت «اف بي اي» نحو 5 ملايين دولار لمَنْ يقدم معلومات عن مكان تواجده، قد تكون آخر المهمات لاختراق النظام الايراني سرا، حيث باتت ألاراضي الايرانية مفتوحة امام الأميركيين كمستثمرين بعد دعوة الرئيس حسن روحاني، الشركات الأميركية للاستثمار في ايران بعد توقيع الاتفاق النووي مع واشنطن، التي رفعت بدورها الحظر الاقتصادي تدريجيا عن طهران.

وبذلك قد لا يكون غريبا وجود اميركيين في طهران وعدم اتهامهم بالجاسوسية في ظل ايران المنفتحة التي يعد بها الاصلاحيون والمعتدلون الذين فازوا في الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء التي جرت اواخر فبراير الماضي.

وفي هذا الاطار، اشارت صحف أميركية الى احتمال تأثير نتائج الانتخابات على مستقبل السياسة الداخلية في طهران وعلاقتها مع الغرب. فعلى المستوى الداخلي، أشار بعض الصحف، مثل «فورين بوليسي» إلى مدى التغيير المتوقع من انتخاب غالبية معتدلة في البرلمان الايراني وتأثيره في الواقع الحالي للبلاد في أعقاب الاتفاق النووي.

فوز المعتدلين والاصلاحيين الايرانيين تجاهله - شكلا - البيت الأبيض، على عكس ما جرت العادة، حيث كان يسارع الى استنكار سيطرة المتشددين في الانتخابات السابقة. التحفظ ترجعه الصحافة الأميركية الى استمرار تعامل واشنطن بحذر مع السياسة الايرانية، حيث تراهن الولايات المتحدة على ملامسة هذا التغيير في مدى تطبيق طهران لبنود الاتفاق النووي ومراجعة عدواتها لواشنطن. ونأت بذلك الادارة الأميركية بنفسها عن نتيجة الانتخابات وكأنها لا تعنيها بقدر ما تهتم بالخليفة المحتمل للمرشد الحالي علي خامنئي، المتحكم في التوجهات الرئيسية لسياسات ايران.

ووفق رؤية الاعلام الأميركي، فإن نتيجة الانتخابات الاخيرة، قد تكون مؤشرا الى حد ما، لاحتمال حدوث تغيير في الاستراتيحية السياسية لطهران في المرحلة المقبلة. وقد نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالا للكاتبة فيكتوريا كوتس، أشارت فيه إلى أن فوز المعتدلين والإصلاحيين «ربما يشكل قصة نجاح للديموقراطية» في البلاد. واعتبرت صحف أخرى مثل «واشنطن بوست»، ان هذه النتيجة تأتي كإحدى انعكاسات اتفاق نووي راهنت عليه ادارة الرئيس باراك اوباما، بل وكانت الأحرص من الايرانيين على تنفيذه بهدف تحفيز النخبة السياسية الايرانية على الانفتاح مجددا على العالم الغربي.

انفتاح قد يترك ثغرات للولوج الى الداخل الايراني عبر فتح الحكومة لابواب الاقتصاد أمام المستثمرين الأجانب. وتوقعت تقارير اقتصادية، في هذا السياق، زيادة الاستثمارات الخارجية في طهران مع رفع الحظر الاقتصادي نهائيا عنها وتوقع نمو المبادلات التجارية بين الجمهورية الاسلامية ودول الغرب، خصوصا الأوروبية، في ظل تغييرات اقتصادية كبرى وعدت الحكومة الايرانية بتنفيذها مستفيدة من عودة مليارات الدولارات المجمدة في البنوك الأميركية والغربية. وتوقعت وكالة «بلومبرغ» ان تزدهر المبادلات التجارية بين القطاع الخاص الأميركي والشركات الايرانية في ظل عهد الانفتاح الاقتصادي. انفتاح قد تكون واشطن خططت له من اجل هدف تاريخي متجذر في سياستها تجاه الشرق الأوسط يتمثل في تحجيم القوة الايرانية العسكرية المتنامية بدعم روسي والمهددة لحليف أميركا الأول في المنطقة، اسرائيل، حيث قد تكون اهداف الأميركيين، حسب موقع «يواس نيو هيدلاينز»، إحداث تغيير بعيد المدى في ايران يجعلها شيئا فشيئا تتخلى عن عدوانيتها ضد واشنطن وتكون متعاونة. تغيير وصفه تقرير لـ «ايبس نورث اميركا» بانه يساور وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) منذ هجمات 11 سبتمبر العام 2001، وفي ظل سعي المؤسسة العسكرية الأميركية، سابقا، الى تغيير النظام الايراني، خصوصا خلال عملية اطاحة نظام صدام حسين في العراق العام 2003.

لكن وان تم التحفظ على الأسلوب العسكري، في المدى المنظور، فانه ووفق الصحافة الأميركية، لم يسقط هدف إحداث تغيير، ولو بطرق اخرى، من أجندة السياسيين الاميركيين على اختلاف توجهاتهم الحزبية. ففي حين اختار الديموقراطيون في عهد اوباما، التعويل على السياسة الديبلوماسية للتقليص من عدوانية طهران، عبر اتفاق نووي، فاجأ الكثيرين بمن فيهم حلفاء اميركا في المنطقة، خصوصا اسرائيل، لا يزال الجمهوريون في الكونغرس، يصرون على التصرف مع ايران بمنطق العدو والتهديد والتلويح بالعقاب العسكري وليس برفع الحظر الاقتصادي. حظر مهد لتطبيع علاقات غير علنية بين عدوين لدودين. ويبدو ان هذا الطبيع اعطى حماسة للانفتاحيين والاصلاحيين في طهران للعمل بقوة من الداخل والضغط على المحافظين والمتشددين الذين انتقدوا ايضا الاتفاق النووي ورفضوا اي عودة للتقارب الديبلوماسي، وتمسكوا بشعار الثورة في وصف اميركا بـ «الشيطان الاكبر» او «العدو التاريخي».

كما عكست «رياح التغيير» بصعود الاصلاحيين، رؤية السياسة الأميركية لـ «التغيير الناعم» في ايران. وفي حين أعرب مسؤول أميركي عن تفاؤل ولو محدود من نتائج الانتخابية، على المدى القصير، لكنه رأى ان فوز الاصلاحيين يمكن أن يكون مفيدا على المديين المتوسط والبعيد. وذكر تقرير لشبكة «سي ان ان»، ان على المدى المتوسط والطويل ستتبين فوائد نتائج الانتخابات. حتى أن بعض المعارضين للاتفاق النووي بين دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة وايران، رحبوا بنتائج الانتخابات واعتبروها مؤشرا ايجابياً، حيث صرح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر، وهو جمهوري من ولاية تينيسي، أنه سعيد بانتخاب أناس أكثر اعتدالا، كما انه لم ينف رغبته في ان يكون لذلك اثر على تغير سياسات النظام الايراني.

ومنذ تم التوصل إلى اتفاق وقف برنامج ايران النووي في مقابل تخفيف العقوبات في يوليو الماضي، أشار منتقدو الاتفاق الى أن صعود الاصلاحيين في ايران لا يثبت بالضرورة أن سياسة إيران تتجه نحو الاعتدال في وقت قريب، لكن أشاروا الى سياسات ايران العسكرية الأخيرة خصوصا من خلال اختبارين لصواريخ باليستية تنتهك قرارات مجلس الأمن. وكانت طهران عقب الاتفاق النووي قامت باختبار صواريخ قرب سفينة تابعة للبحرية الأميركية، فضلا عن احتجازها لبحارة أميركيين واعتقال مواطن أميركي - إيراني يبلغ من العمر 80 عاما بعد اتمام صفقة تبادل الاسرى مع الولايات المتحدة، فضلا عن دعم طهران المستمر للتمرد في اليمن والميليشيات في العراق وللنظام السوري، وفق تحليل «سي ان ان».

كما قللت تحليلات دولية أخرى نشرتها مواقع متخصصة في السياسة الدولية مثل «كونتر بونش»، من شأن صورة التغيير التي تريد ايران ايصالها للغرب بصعود الاصلاحيين باستفتاء شعبي، وارجعت ذلك لبقاء المتشددين في البرلمان ومجلس الخبراء. في المقابل يرى الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي كريم صادق بور، «لا يجب التقليل من إرادة الشعب الإيراني للتغيير وأيضا لا يمكن الاستهانة بقدرة وسائل النظام الإيراني على سحق طالبي التغيير».

وقال السناتور روبرت مينينديز، وهو ديموقراطي من ولاية نيوجرسي، لشبكة «سي ان ان»، ان «واشنطن لديها القدرة على أن تكون أكثر عدوانية ضد الإيرانيين». لكن ديبلوماسية البيت الأبيض وسياسة وزير الخارجية جون كيري، الذي ساعد في التوسط في الاتفاق النووي تميل الى تفعيل مشاركة طهران في عملية السلام في الشرق الأوسط. ووفق تقرير «سي ان ان» حول «مستقبل العلاقات الأميركية - الايرانية بعد الاتفاق النووي، «استخدمت إدارة البيت الأبيض أنواعا متعددة من العقوبات ضد إيران، تستهدف صناعات الأسلحة، والخدمات المصرفية والطاقة النووية والنفط. وقد استهدفت أيضا مسؤولين ايرانيين لانتهاكات حقوق الإنسان. وفرضت أيضا عقوبات على الأسلحة وعقوبات على الصواريخ، فضلا عن عقوبات تتعلق برعاية طهران للارهاب». وقد صرح كيري بأن الادارة الأميركية يقظة جدا ازاء ذلك.

وبين التقرير ان واشنطن قد تكون عدوانية جدا ضد طهران اذا لم تمتثل لبنود الاتفاق النووي، وعرض مثالا لذلك في فرض واشنطن عقوبات في منتصف يناير الماضي على ثلاث شركات وثمانية أشخاص شاركوا في برنامج ايران للصواريخ البالستية. وذكر مينينديز تعليقا على علاقة واشنطن بطهران في ظل الاتفاق النووي وصعود الاصلاحيين، أن الادارة الأميركية لم تواجه إيران بسبب رغبة أميركية ديموقراطية في محاولة لخلق مساحة للمعتدلين داخل الجمهورية الايرانية.

لكنّ مسؤولين اميركيين وفق «سي ان ان»، يتوقعون ان يدفع المتشددون في إيران لتعطيل تنفيذ الاتفاق النووي وتقليص الاتصالات مع الغرب رغم نتائج الانتخابات. واعترف مسؤول في الادارة الأميركية تحدث إلى «سي ان ان» مشترطا عدم ذكر اسمه ان المتشددين الإيرانيين لم يعدلوا سلوكهم في هذه المرحلة تجاه الولايات المتحدة والغرب. وفي المعسكر المقابل، اعتبرت وكالة «روسيا اليوم» ما أفرزته صناديق الاقتراع في ايران بانه تحول قرأ فيه البعض تمسك الشارع الإيراني بطريق الإصلاح والتغيير الذي دشن أبرز محطاته الرئيس حسن روحاني باتفاق نووي تاريخي يعيد إيران إلى الحاضرة الدولية،

ويلبي طموحات فئات كبيرة تضررت من سياسات التقوقع والانعزال. إلا أن البعض الآخر يؤكد أن حضور المحافظين في مؤسسات سيادية، كالحرس الثوري ومجلس صيانة الدستور يحول دون الحديث عن تحولات جذرية بل ويلخص المشهد كلّه في تغيرات جزئية قد يتم التوافق عليها. وبذلك اراد الاعلام الروسي ان يقلل من شأن هذا التغيير وان اعترف به واختزله في تغيير جزئي يمكن السيطرة عليه من المؤسسات القيادية للنظام.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي