No Script

دلالات قصة بريرة ومغيث في زمن النبي عليه السلام

الحب في الإسلام... أعظم حالاته لله عزّ وجل

u0627u0644u0625u0633u0644u0627u0645 u062fu064au0646 u062du0628 u0648u0633u0644u0627u0645
الإسلام دين حب وسلام
تصغير
تكبير

لا يخلو قلب مؤمن من حب الله ولكن تتفاوت درجات  الحب بين الناس

الإسلام دين حب  وسلام وكان النبي عليه السلام محباً لأهله وزوجاته  وأصحابه

الحب اصطلاحاً هو الميل في العاطفة، وهو الانجذاب نحو شيء ما أو شخص ما، وهو شعور نبيل ولاتستقيم الحياة إلا به. وكثيرًا ما يتساءل الناس عن تلاشي القيم النبيلة التي من بينها الحب في عصرنا الحالي، ودين الإسلام دين حب وسلام، وقد حثَّ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم على مبدأ الحب، وكان محباً لأهله وزوجاته، وأصحابه وكل الناس في حياته، وكان عطوفا ورحيماً مع الجميع على رد على سؤال: من أحب الناس إليك؟ فقال: عائشة، قيل من الرجال؟ قال: أبوها.

أعظم حالات الحب
إنّ أعظم وأصدق وأجمل حالات الحب على وجه الأرض هي محبة الله عزّ وجل، فالانشغال بها يجلب السعادة والاطمئنان والارتياح النفسي الذي يحقق عنصر التوازن والاستقرار في حياة الإنسان. وندرك جميعاً أن الحراك النفسي الداخلي في الإنسان ينقسم إلى نوعين: البدني والروحي، فمن يهتم بمتطلبات البدن بشكل مكثف وعميق قد يستغرب ويستنكر انشغال الروحانيين في اجتهادهم في خلق أجواء روحانية مضيئة بنورالخالق. إنّ ما يلفت انتباهي هو اهتمام أكثر المدربين ممن يعملون في مجال التنمية الذاتية بالعناية بمتطلبات البدن، والاهتمام بتأسيس مسألة اكتشاف الذات وأسس العلاقة المثالية مع الآخرين، وهذا أمر جميل للغاية! ولكن منهجياتهم تفتقد الجانب الروحي المتصل بايقاظ القلب، وعمق العلاقة مع الخالق، فيزرعون في عقول المتدربين فكرة قدرة الإنسان على صنع قدره وحياته منفردا بذلك بغير حاجة لله عزّ وجل! ظنا منهم أن الحياة تسير بطريقة آلية وفق قدرة وإرادة الانسان فقط بعيداً عن مشيئة الخالق تعالى وتَقدّس، هذا ويجهل هؤلاء أنّ العلاقة بالله هي العلاقة المهمة والمحورية في حياتنا إن اردنا أن نعيش حياة سعيدة مليئة بالمسرات، وإن شئنا أن نحصد مغانم الآخرة، ونفوز بالفردوس الأعلى في الجنة.
لنبدأ بتوضيح مهم يؤكد على أنّ الحياة في محورها قائمة على معرفة الله عزّ وجل في كل شيء، وتذكره في كل اللحظات، حيث تستيقظ بصيرة القلب، وتتعاظم مواطن الحدس بشكل فائق ومثير ولافت للنظر. وكيف يتحقق ذلك؟ الجواب: الحرص على تعميق صلتنا بالله عزّ وجل، ونبدأها بعقد النية السليمة لوجهه سبحانه وتعالى، وأن نتوكل عليه في كل صغيرة وكبيرة، وأن نُحسن الظن به، فهو من يُحقق أحلامنا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِن اللَّهَ جلَّ وَعَلا يقول: أَنا عند ظَنِّ عبدي بِي، إن ظنَّ خْيرًا فَلَهُ، وإن ظَنَّ شرًّا فله» وهو من يستطيع إصلاح الخلل في حياتنا بكل اصنافه بالرجوع إليه، ففي الذنب يأتي الاستغفار وتكون التوبة الخالصة. وإن كانت لدينا قائمة من الرغبات القلبية والأحلام، يأتي الدعاء والتضرع إليه وطلبه بيقين الاستجابة فالدعاء وسيلة إعجازية مبهرة. ولنرجع إلى تلك العلاقة بين الله عزّ وجل وعبده، فنقول: إنّ الحب فعل وليس قولا، ونعني لايكون الحب بالقول دون الفعل، فيكون في ظل غفلة عن الذكر، وهجرللقرآن، ومعاصي وذنوب! لنعقد النية في بدء علاقة مع الله عزّ وجل أولى خطواتها لسان رطب بذكر الله عزّ وجل، وقلب متعلق به في كل لحظة، فندعوه ونستعين به، ونتوكل عليه. هنا رحلة الحب الجميلة التي لاتود أن تفقد ثانية منها، أما من يحب الله قولا لا فعلا.. فهو أمرٌ مستنكر! إنّ أبرز علامات الحب أن تبدأ يومك حين تستيقظ فتجد لسانك يردد: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور».وتستكملها بطاعة الخالق تعالى وتقدس، وفعل مايرضيه.. يقول الله عز وجل: «الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السموات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار». فمن ذكر الله ذكره الله عزّ وجل، ونرى ذلك بقوله تعالى: «فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولاتكفرون».
ما أجمل أن نتذكر ربنا العفو الرحيم الكريم الوهاب الرزاق فيتذكرنا، وما أبشع أن نغفل عنه فنندم، ونكون من الخاسرين. لننظر إلى قوله تعالى: «ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لمَ حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك اياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى».
 ولابد أن ندرك أننا لن نحصل على السعادة والسكينة بعلاقة مع الله متمثلة في أداء العبادات والفرائض فقط فهي أمور واجبة، لكن أساس العلاقة هو حب الله عزّ وجل، وبالتالي علينا أن نطرح على أنفسنا هذه الأسئلة: ما مقدار حبي لله عزّ وجل؟ وكيف أضاعف هذا الحب؟ وماذا أفعل لأستشعر هذا الحب الأعظم؟ وهو حب الخالق.الأمر يحتاج إلى إصلاح داخلي جذري، فمن أبرز علامات ضعف الصلة بالله قسوة القلب التي تظهر في كثرة النوم والأكل والكلام والغفلة عن الذكر في القول والفعل، وقد يصل الإنسان في قسوته إلى مرحلة خلو القلب من حب الله عز وجل. ما أسعدنا حين نصل لمرحلة يحبنا فيها الله تعالى وتقدس، وماذا نرغب في أكثر من ذلك؟! ومما لاشك فيه أنه لايخلو قلب مؤمن من حب الله، ولكن تتفاوت درجات الحب بين الناس.. ولانغفل هنا عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونستدل هنا بقوله تعالى: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور رحيم». فمن يدعي محبة الله ولايطيع نبيه، فحبه منقوص! اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب كل مايقربنا لحبك، اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم.

بريرة ومغيث
جرت أحداث هذه القصة في زمن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث إن بريرة أرادت أن تتحرر من رق العبودية، فلا تكون ملكاً لأحد، فتُقرر ماتريد لنفسها، وقد تم لها ما أرادت حيث كتبت لمالكيها من الأنصار، واشترت نفسها بتسع أواق من الفضة، بطريقة مقسطة في كل سنة أوقية. ولما عقدت الاتفاق، توجهت إلى بيت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحدثت السيدة عائشة رضي الله عنها، وطلبت منها أن تعينها، فأعانتها. وبعد أن تنفست بريرة حريتها، قررت أن تبدأ حياتها من جديد، وحين رأت زوجها وجدته عبدا مملوكاً. ووفقا للإسلام فإن لها الحق في أن تبقى زوجة له أو أن تنفصل عنه بالطلاق. ولم تكن بريرة تحب زوجها مغيث، فقررت أن تتركه وتنهي علاقتها الزوجية به.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: إن زوج بريرة كان عبدًا يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا؟ وقد رواه الإمام البخاري. فلما رأى مغيث إصرار بريرة على صده، وأنها عازمة على تركه، استشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم، فشفع له عندها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو راجعته، فإنه زوجك وأبو ولدك. قالت: يا رسول الله، تأمرني ؟ قال: إنما أنا أشفع. قالت: لا حاجة لي فيه.
وفي هذه القصة عظة وعبرة ودروس عظيمة، ننهل منها لتفيدنا في حياتنا اليومية، ولعل أبرزها أن حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا! تعجب كيف يقابل الحب بغضاً، فلم يكن حبا متبادلا بين الطرفين، ورغم ذلك فإنه عليه السلام لم يستنكر ذلك، ولم يتشدد في المسألة، ولم يجبر بريرة على البقاء زوجة لمغيث، وإنما ترك قلبها يعبرعن حاله. كما أننا نلاحظ في القصة جوانب أخرى من بينها أن ميل القلب بعاطفة الحب العفيف الذي لايقع في مستنقع الرذيلة جائزٌ ما لم يتجاوز دائر الحرام، والجانب الآخر أن من أسوأ كوارث الحب أن يكون من طرف واحد فقط، فيكون الحب من شخص والبغض من الطرف الآخر.
وفي القصة صفة رائعة في الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله تبارك وتعالى: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ». فها هو ذا مغيث وهو عبد مملوك يطلب شفاعته في علاقته بزوجته بريرة، ومع ذلك لم يجبر بريرة على البقاء معه، حين رفضت ذلك، وهذا تقدير لعاطفة الحب التي انتفت في حالة بريرة ومغيث. وهكذا نعرف أن الحب هو القاعدة الأساسية والكراهية والبغضاء هي حالة شاذة، وهذا يدفعنا لإبقاء قلوبنا على فطرة الحب النقي، ولعله من المناسب هنا أن نقول إن أعظم هدية تقدمها لمن تحب هي ألا تربط حبه بمصلحة، وأن تشاركه فرحه وسعادته وليس أحزانه فقط، وأن تخاف الله فيه، وتخاف عليه. ويبقى الحب الأعظم في قلوبنا وهو حب الله تبارك وتعالى وتقدس. اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، اللهم وارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي