No Script

«القاعدة» في سورية... من «الفوز بالقلوب» إلى بداية النهاية

تصغير
تكبير
استطاع تنظيم «القاعدة» في سورية - في مرحلةٍ ما من الحرب السورية - الوصول الى قلوب وعقول الناس والفوز بحاضنةٍ متينة تحميه وتدافع عنه بكل ما أوتيت من قوة، الا انه وصل اليوم الى بداية النهاية حيث يُتهم بـ«البغي» (كما صدر عن التنظيم نفسه) وكذلك بـ«إضعاف الثورة» والاعتداء والتسلط والتهديد والالغاء... والى ما هنالك من مفرداتٍ تُظْهِر أن الهوّة بين هذا التنظيم والقاعدة الشعبية السورية لم تعد أبداً كما كانت عليه في الماضي القريب.

وتعاظمتْ هذه الهوة منذ مؤتمر «أستانة 1» الذي عُقد في عاصمة كازاخستان بين روسيا وتركيا وإيران بحضور ممثّلين لمقاتلين وتنظيمات مسلّحة سورية من خلال اندلاع الاشتباكات بين «القاعدة» (التي أطلقت على نفسها اسم «جبهة النصرة» ثم عدّلته الى «جبهة فتح الشام» لتصبح اليوم «هيئة تحرير الشام») وبين التنظيمات السورية المعتدلة، فوجدتْ المعارضة السورية نفسها أمام خياريْن لا ثالث لهما: إما الانضواء تحت جناح «القاعدة» وإما الالتحاق بتنظيم «أحرار الشام» الذي يبقى أحد أقوى التنظيمات على «الساحة الجهادية» السورية والذي يضمّ آلاف المقاتلين، السوريين والاجانب، الا ان أجندته - وليس عقيدته - تختلف عن تنظيم «القاعدة»لتبقى أهدافه ضمن الحدود الجغرافية لسورية.

وباندلاع الاشتباكات بين مَن رفض الانضواء تحت حكم تنظيم «القاعدة» وبين الفصائل الأخرى، بدأ زعيم هذا التنظيم يفقد هيبته وبريقه على الساحة في بلاد الشام. وهاجمت «القاعدة» التنظيمات السورية التي وقفت الى جانبها طوال أعوام الحرب، وانطلقت من الشريك في الصراع ضدّ دمشق الى المهيمن على «الساحة الجهادية» تحت أعذار المؤامرة التي تحاك ضد هذا التنظيم في أروقة المفاوضات الدولية لوقف الحرب في سورية.

الا ان تنظيم «القاعدة» ذهب الى أبعد من ذلك ليهاجم «أحرار الشام» في المسطومة (إدلب) ليضع يده على مصنع الأسلحة هناك ويقترب من معبر باب الهوى الحدودي بين سورية وتركيا، والذي يُعتبر مورداً اقتصادياً مهماً للتنظيمات المسلحة والذي يسيطر عليه «أحرار الشام»، وينشئ الحواجز هناك ليُظهِر أنيابه ويبدأ بخسارة الحماية المدنية والبيئة الحاضنة التي حافظت عليه والتي أجابت الولايات المتحدة عندما وضعتْه على لائحة الارهاب: «كلنا جبهة النصرة».

ولم تبدأ «القاعدة» بمشوار الخسارة هذا ضمن البيئة الحاضنة فقط، بل تخلى عنها أبرز شرعييها مثل الشيخ عبد الرزاق المهدي الذي أعلن صراحة ان «تجاوزات الهيئة (القاعدة) قد ازدادت وانني غير قادر على رفْع ظلمٍ او إعادة حق لصاحبه، ولذلك أعلنتُ عن خروجي سائلاً الله تعالى ان يفرج عن اهل الشام وعن المسلمين في كل مكان».

وكذلك أعلن مسؤولون في شورى «حركة نور الدين زنكي» التي انضمت لـ«القاعدة»، مثل بسام حجي ومصطفى وياسر ابراهيم اليوسف، ترْك مواقعهم بسبب «تعاظم الفوضى».

واعترفت «القاعدة» بأن التنظيمات الاخرى - من خلال بيانها الأخير - تصف أعمالها بـ«البغي» وبأن الساحة السورية تتجه نحو «دوامة اقتتال داخلي لا تحمد عقباه».

وعلى الرغم من اجتماع قادة الطرفين لإنهاء حالة الصدام ورفْع الحواجز وإطلاق سراح الموقوفين من الطرفين ووقف التحرش الاعلامي وإعادة معسكر المسطومة لـ«أحرار الشام» بعدما استولت عليه «القاعدة»، الا ان الشرخ قد اتسع في الساحة السورية، وقَتَل الحلفاء بعضهم البعض في صراعٍ على السيطرة لتصبح الساحة مفتوحة لصراعات متتالية مستقبلية دفعت بالتنظيمات المسلحة الى التقاتل في ما بينها، ما فتح المجال امام الجيش السوري للتقدم نحو مواقع «داعش» («الدولة الاسلامية») في شرق حمص وشمال شرق حلب والاتجاه داخل الحدود الادارية لمدينة الرقة، العاصمة الوحيدة المتبقية لـ«داعش» في العراق وسورية.

إذاً ان مبدأ «الفوز بالقلوب والعقول» الذي يتبعه تنظيم «القاعدة» في الشرق الاوسط بدأ بالانهيار في سورية ما يمثل المسامير الاولى في نعش التنظيم الذي وجّه سلاحه نحو الداخل بدل أخذ العِبر من اليمن وأفغانستان حيث يتّجه السلاح نحو القوى الأجنبية وليس نحو البيئة الحاضنة التي وحدها هي الكفيلة بحماية اي تنظيم (المثال على ذلك في لبنان وتنظيم حزب الله) أو التخلي عنه ليصبح لقمة سائغة أمام أعدائه.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي