«الذئاب المنفردة» التابعة لتنظيمات إرهابية تستغل فصل الشتاء لاختراق المربعات الأمنية المحصّنة

الانتحاري المتنكّر ... بالزّي الشتوي

تصغير
تكبير
الحاجة إلى الرقابة أكثر ليس فقط على المواقع الإباحية بقدر تشديد تتبع مواقع تعلم كيفية صناعة المتفجرات

زيادة اعتماد الموالين أو المتعاطفين مع تنظيمات متشددة على أخذ معلومات تخص تعلم المتفجرات من مواقع الدردشة

المعطف الكثيف قد يتنكر من خلاله الانتحاريون في الشتاء لتفجير أهدافهم

فصل الشتاء... الأكثر إغراء لـ «داعش» لتنفيذ هجماتها الإرهابية

بعض الأحزمة الناسفة باتت تصنع محلياً ومخاوف من استخدام «الذئاب المنفردة» لها

الشرطة في عواصم كثيرة مستنفرة لأجل منع تسلل بعض الانتحاريين بين الناس بلباس شتوي
يرتدي معطفا طويلا، أو جلبابا صوفيا، قد يضع على رأسه «كوفية» تماما كالقبعة الروسية، وقد يغطي رقبته بشال، يصعب تمييز معالم وجهه. لكن قبل إقفال أزرار المعطف يلف جسمه بأحزمة الموت حيث يمكنه اخفاء كيلوغرامات من المتفجرات، وعند تجوله، لا أحد قد يلمح الفرق بين جسده المنتفخ بمواد سريعة الانفجار وأجساد المارة العاديين لارتداء أغلب الناس ألبسة شتوية خشنة للاحتماء من البرد. هذه أوصاف كثيرين من الانتحاريين الذين استغلوا فترات موجات البرد أو هطول المطر أو الثلج للتنكر بالزّي الشتوي الوطني لكل بلد من أجل تمويه الشرطة وعدم إثارة الشكوك وسرعة الوصول الى الهدف حتى إن كان محصنا أمنياً.

عمليات انتحارية نفّذت منذ بداية موسم البرد آواخر الخريف إلى اليوم في عواصم ومدن كثيرة، وبقي نحو أربعين يوما على انتهاء موسم البرد، مدة قد تمثل تحدياً كبيراً للأجهزة الأمنية.

وقد استغل بعض الإرهابيين برد الشتاء لِلفّ أحزمة متفجرة تحت معاطف شتوية لا يمكن حينها للشرطة أحيانا التمييز بين الرجل البدين والنحيف من كثرة الألبسة التي يرتديها البعض. وقد تمكن تنظيم الدولة الاسلامية من اقناع الكثيرين في دول العالم بزيادة وتيرة العمليات الانتحارية. وبعد عملية باريس التي كانت باكورة عمليات الفصل الشتوي للتنظيم، تكررت عمليات أخرى في عواصم دولية هذه المرة كانت بدايتها في تونس (نهاية العام الماضي)، ومع بداية العام الجديد هزت تفجيرات انتحارية أندونيسيا، فقلب العاصمة التاريخية التركية اسطمبول، فباكستان، علاوة عن العراق وسورية وليبيا.

وكان تسارع التفجيرات استغل برد الشتاء من أجل تسهيل مهمة الانتحاريين في الوصول الى مربعات أمنية صعبة في الصيف وسهل الوصول اليها في الشتاء نظرا لسهولة تنكر الانتحاريين بألبسة كثيفة مثل المعطف الذي يسهل على الانتحاري اخفاء كيلوغرامات من المتفجرات دون اثارة أي انتباه لانتفاخ بطنه أو صدره لمساعدة الثياب في اخفاء ذلك. فمثل هذا التنكر يصعب على البعض القيام به في الصيف نظرا لارتداء الناس ملابس خفيفة يسهل تمييز من يخفي شيئا غير مألوف أو يرتدي لباسا خشنا في فصل حار. وقد كان أبرز مثال على نجاح اختراق الانتحاريين في الشتاء للمربعات الأمنية المحصنة هو حادثة تفجير انتحاري نفسه في يوم شتوي في حافلة الأمن الرئاسي التونسي، ومن ثمة، وصول انتحاري أجنبي الى أهم مكان سياحي شعبي في تركيا (أمام المسجد الأزرق) حيث يقصده أغلب السياح لأخذ صور تذكارية.

والواضح أن الارهابيين كانوا يلبسون ألبسة شتوية أخفوا تحتها بسهولة متفجرات مميتة لم ينتبه اليها عناصر الشرطة. ومثل وصول بعض الانتحاريين الى هذه النقاط الحيوية في بعض الدول تحديا خطيرا للأمن في فصل الشتاء.

فبات لزاما اتخاذ اجرءات نوعية حول الأماكن والمؤسسات الحيوية حيث أصبح من الصعب الاشتباه في المارة فقط من شكل اللباس حيث يصعب هذا الأمر في الشتاء وخصوصا في يوم ممطر، وبات اجراء الاستعانة بأجهزة كشف المعادن أمام المؤسسات أمرا ضروريا بل مطلب حياة أو موت في جل الدول العربية التي قد يستهدفها بعض الارهابيين.

كما أن الاستنجاد بالكلاب البوليسية الكاشفة للمتفجرات يمكن أن يكون حلا وقتيا في الشوارع وفي محيط الأماكن الحيوية التي قد يقترب منها بعض المتنكرين بألبسة شتوية فينفضح أمرهم مع أول نباح لكلاب تشتم رائحة المتفجرات عن بعد.

كما بات من الضروري من خلال دراسة نسق عمليات داعش الانتقامية والانتحارية التنبه كثيرا للفترة المقبلة في ظل فصل الشتاء خوفا من اندساس البعض بمعاطف متفجرة كما حدث في عواصم كثيرة. الى ذلك فان الفصل الشتوي واللباس الكثيف يشجع الارهابيين على الخروج من مخابئهم كالنزول من الجبال الى المدن. وتبين من خلال تاريخ عمليات تنظيم الدولة الانتحارية أن أغلب تفجيراته الارهابية ماعدا أماكن العبادة كانت في فصل البرد أي بين آواخر الخريف وفصل الشتاء وبداية الربيع.

وتستمر المخاوف من توقعات محاولات انتحارية تلبية لدعوات تنظيم داعش خصوصا حيث يتعرض لضغوط كبيرة فاقمتها العمليات العسكرية ضده براً وجواً، وفي هذا الصدد حذرت بعض التقارير الأمنية التي تداولها الاعلام من تنشيط التنظيم لخلاياه النائمة من أجل القيام بعمليات انتحارية انتقاما لما بات يسمى بالحصار الدولي الوشيك ضده وتقليص امتداده.

العام الجديد الذي بدأ بتفجيرات انتحارية في مدن مختلفة غير عربية سبقه عام دموي خسرت فيه دول عربية عشرات مواطنيها ضحايا عمليات انتحارية بواسطة أحزمة ناسفة عبرت بعضها حدود دول عربية وبعض آخر تم تصنيعه محلياً.

وقد أدت «أحزمة موت» إلى مقتل المئات خلال العام الماضي. دخولها عبر الحدود تم تهريباً أو تمويهاً عبر مراحل أو عبر ارسال دليل المكونات وطريقة إعداده محليا إلى العناصر الارهابية في الدول التي يراد استهدافها. فقط يكفي الحصول على مواد سريعة الانفجار وبعض كويرات الحديد ليكون الخطر جاثماً. هذا التهديد الذي أصبح جدياً من خلال تواتر عمليات التفجيرات الانتحارية في أكثر من بلد قد يصبح أكثر خطورة في حال زيادة التوجه نحو تصنيع أحزمة ناسفة محلياً بدل تهريبها من الخارج.

ويبقى التحدي في كيفية ضبط سوق المواد المتفجرة ومراقبة مخازن الأسلحة أو معابر تهريب هذه المواد فضلاً عن اختراق السوق السوداء. حيث يبدو أن تفخيخ البشر بات أكبر تحدٍّ أمني مستقبلي للأمن القومي للوطن العربي ولدول العالم.

تصنيع الأحزمة الناسفة بات أمرا غير معقد بعد تناقل تجربة صناعتها على مواقع الانترنت. كما ان التفجير بواسطة الأحزمة الناسفة اصبح تقليدا لأصل تقنية استعملت وتطورت في فلسطين حيث كان يستخدمها الفدائيون الفلسطينيون لإصابة أكثر عدد ممكن من اليهود في عقر اسرائيل. وعلى امتداد عقدين يبدو أن سرّ استخدامها أصبح متاحا لتنظيمات عديدة تستعين بها لتحقيق اغراض مختلفة عن تلك التي كــــانـــت في اجـــندة المــــقاومة الفلســــــطيـــنية.

تجهيز أحزمة الموت والصواعق الكهربائية المفجرة لها يتم في مختبرات وفق دليل تصنيع يؤخذ بعضه من الانترنت عبر برنامج لتعليم صناعة المتفجرات والتفخيخ الذي تبادلته مواقع إلكترونية تتبع لتنظيمات ارهابية مثل «داعش» حسب ما نقلته سابقا مواقع اميركية كموقع تلفزيون «أن بي سي نيوز».

وبات الخطر الأكبر في تناقل وصفة التفجير عبر مواقع التواصل الاجتماعي. واستطاع بعض الانتحاريين الحصول على احزمة قالت تقارير انها صنعت محليا في ليبيا او في تونس. حيث ذكر أخيرا وزير إعلام حكومة طبرق الليبية عمر القويري ان الحزام الناسف الذي فجر به انتحاري نفسه في حافلة الأمن الرئاسي في تونس لم يستورد من ليبيا بل قد يكون صنع محليا داخل تونس نفسها.

وبمعزل عن مدى صحة تصريحات الوزير الليبي تبقى صناعة حزام الموت «محليا» سيناريو واردا يزيد من ضرورة توجس الحيطة. حيث إن مواقع انترنت مختلفة تقدم دليلا لصناعة متفجرات يمكن صناعتها حتى

في البيت. وهنا يكمن الخطر. حيث باتت الحاجة الى الرقابة اكثر ليس فقط على المواقع الابحاية بقدر تشديد تتبع مواقع تعلم كيفية التفجير وصناعة المتفجرات.

ورجحت تقارير مختلفة بعد حوادث تفجير ارهابية ضربت دولا كثيرة أن تكون الأحزمة الناسفة التي استعملها انتحاريون يتبعون لتنظيمات مختلفة اهمها داعش لا تتطلب خبرات متقدمة بقدر ما تتطلب فقط الحصول على مواد سريعة الانفجار ومثل هذه المواد قد تحصل عليها المنظمات الاجرامية من سوق السلاح حيثما تعرض المافيات

كل أنواع أسلحة القتل للبيع. و رجحت منظمات دولية أن تجارة السلاح غير المشروع في اطار السوق السوداء بلغ نحو أكثر من 60 مليار دولار سنويا.

الضغط على زر قد يحول الانتحاري الى اشلاء لكن حمولته من المتفجرات قد تصيب عشرات الضحيات اذا خلط المتفجرات بعشرات كويرات الحديد او كتلك التي استعملت في الحزام الناسف الذي فجر به الارهابي فهد القباع مسجد الصادق مستخدما وفق بيانات وزارة الداخلية الكويتية مادة (سي فور) شديدة الانفجار محشوة بأعداد هائلة من (الصجم) متصلة بدائرة كهربائية يتم التحكم بها يدوياً لإحداث أكبر عدد من الاصابات.

لذلك فبقدر حشو الأحزمة بمواد شديدة الانفجار مع مواد حديدية منشطرة تكون حصيلة التفجير الانتحاري كارثية في حال اندساس الانتحاري بين عدد كبير من الناس في مكان مغلق. علما أن أغلب الناس في فصل الشتاء تلجأ للتجمع في أماكن مغلقة.

لكن ماذا لو كان التفجير في فضاء مفتوح هل يحدث الحزام الإصابات نفسها؟

وفقا لتفجيرات الضاحية الجنوبية في بيروت العام الماضي والتي تبناها تنظيم داعش فان انتحارياً من الانتحاريين الذين اقتحموا طريقاً عاماً مزدحماً بالناس فجّر نفسه بغتة حين لم يتواجد أناس كثيرون حوله فلم يستطع بذلك إحداث اصابات كثيرة بقدر ما أحدثه انتحاريون آخرون في مكان مغلق. حيث إن ضغط الانفجار يولد تداعيات في مكان مغلق قد يتداعى بسببه مبنى ويكون سبب مقتل آخرين.

لكن وفق موقع «أن بي سي نيوز» فان خطورة المرحلة المقبلة تتمثل

في مدى مراقبة تشارك الارهابيين للمعلومات العسكرية حول تكتيكات الهجمات الانتحارية أو تلك التي تكون على شاكلة وصفة صناعة احزمة ناسفة او قنابل مفخخة او استعمال مواد سامة او جرثومية لأحداث أكبر ضرر. حيث تبين وفق الموقع الأميركي زيادة اعتماد الموالين أو المتعاطفين مع تنظيمات متشددة على اخذ معلومات تخص تعلم المتفجرات من مواقع الدردشة.

وذكر موقع «أن بي سي نيوز» ان شريط فيديو مدته 26 دقيقة كان قد تشاركه متشددون على مواقع الدردشة يعرض بشكل مفصل ومذهل كيفية استخدام انتحاري لقنبلة متطورة في شكل سترة او حزام، جنبا إلى جنب مع بعض تقنيات القتل، وذلك باستخدام موديلات اصطناعية.

وحمل الفيديو عنوان «الحزام الناسف للعمليات الاستشهادية»، وهذا الفيديو كانت حصلت عليها قناة «ان بي سي نيوز» يوضح كيفية استخدام حزام ناسف. الشخص الذي قام بنشر الفيديو على شبكة الإنترنت يسمى نفسه «terrorist007».

حيث يكشف معظم التفاصيل عن كل خطوة من صنع قنبلة.

لكن التساؤل المهم في هذا الموضوع الى اي مدى ستنجح دعايات التنظيمات الارهابية في تحريض ذئابها المنفردة على العمليات الانتحارية الخارجية في دول مختلفة؟.

وهل سيكون من السهل حدوث عمليات انتحارية اذا تمت صناعة الأحزمة محليا؟

وإلى أي مدى هناك استعداد فوري لعناصر متشددة لتفجير نفسها أم أنها قد تعيد حساباتها اذا كانت الأهداف تتمثل في قتل أبرياء على قارعة الطريق؟
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي