خواطر تقرع الأجراس

الإرهاب والترهيب لغةً وشعراً وسياسةً

No Image
تصغير
تكبير

في القرآن الكريم، والحديث الشريف، وكتب الفقه، ومصطلحات علم النفس التربوي نتعرف على الترغيب والترهيب.
رهِبَ يدل على الخوف والفزع: رهِب جانبَه. رهِب الولدُ: خاف. و(رهَّبَه) ترهيباً: أخافه وأرعبه وأفزعه، أو خوّفه وفزّعه.
 النصراني الزاهد في الدنيا، والمنقطع عن ملذاتها يتخذ الترهُّب والرَّهبانيةّ طريقة له في الحياة؛ وكأنه يرهب الاقتراب منها خوفاً وفزعاً! ومن الوقوع في حبائلها.
أما الإرهاب، وما أدراك ما الإرهاب؟ فهو من (أرهبه): أخافه وأفزعه...
أحياناً، وبالرغم من صحة ترادف معنى أي فعلين ومصدرهما، فإن الاستعمال الشائع يعتمد فعلاً ومصدراً دون الآخر في سياقات خاصة شاعت واقتصرت على هذا الاستعمال.
 والذائع هو مصطلح (الإرهاب) المسيطر على العقول والألسنة والأقلام والندوات الدولية والترجمات العالمية... فبتنا لا نسمع ولا نكتب ولا نقرأ إلا (الإرهاب) الدولي...وليس (الترهيب) الدولي، رغم صواب الترهيب مئة في المئة. فنقول هذا فكر إرهابي، وهذا متطرف إرهابي... ولا نقول هذا فكر (ترهيبي).
 والإرهاب هو مجموع أعمال العنف التي تقوم بها منظمة أو أفراد قصد الإخلال بأمن الدولة وتحقيق أهداف سياسية أو خاصة أو محاولة قلب نظام الحكم. وهي أعمال أو وسائل وممارسات غير مبرَّرة تمارسها منظمات أو دول تستثير رعب الجمهور.
 مجازر الصهاينة ضد الفلسطينيين المدنيين المتظاهرين في الذكرى السبعين للنكبة إرهاب صهيوني.
 والحكم الإرهابي نوع من الحكم الاستبدادي يقوم على سياسة قمع الشعب بعنف للقضاء على النزعات التحررية والحركات الاستقلالية... لغوياً مصطلح (الإرهاب) غلب مصطلح (الترهيب).
 في علم النفس لدينا (الرُّهاب) وهو الخوف والفزع الذاتي؛ مرض نفسي عند المصاب به، فهناك رُهاب المرتفعات، ورُهاب الماء... وكان ابن الرومي مصاباً برُهاب الماء يخاف ركوبه وهو هادئ فكيف به إذا هاج وماج؟:
لا أركبُ البحرَ أخشى
عليَّ منه المعاطبْ
طينٌ أنا وهو ماءٌ
والطين في الماء ذائبْ
...
 وأما بلاء البحر عندي فإنه
طواني على روع مع الرّوح واقبِ
أظلُّ، إذا هزَّته ريحٌ ولألأتْ
له الشمسُ أمواجاً طِوال الغواربِ،
كأني أرى فيهن فرسانَ بَهْمة
يُليحون نحوي بالسيوف القواضبِ
 ألا يذكَرنا هذا الوصف النفسي لرُهاب الماء، والتخيُّل أو التوهُّم المرضي لأعداء وهميين يبرزون عبر الأمواج العاتية بسيوفهم لقطع رقبته... بـ (دون كيشوت) الذي تخيَّل طواحين الهواء فرساناً أعداء يهجمون عليه بالسيوف والرماح؟
 وهكذا صار لدينا مصطلح (إرهاب) نستعمله في السياسة الإرهابية، كالإرهاب الصهيوني، والإرهاب الداعشي. ومصطلح (الترغيب والترهيب) نستعمله في التربية، والحياة العامة. وفي الفقه مثلاً: لدينا الترغيب والترهيب، وهو كتاب مشهور للحافظ المنذري للترغيب في فضائل الأعمال والترهيب من رذائلها. تصوروا لو أننا نستعمل (الإرهاب)، في مصطلحات الفقه، بدل الترهيب! ولدينا أيضاً (الرُّهاب) في علم النفس.
 المصطلح يكتسب شرعية اصطلاحية محددة تشيع على الألسنة والأقلام رغم صحة مصطلح غيره لغوياً. لكنه يأبى وضعه في غير موضعه الذي شاع في لغة الفقه والسياسة والعلوم الإنسانية... ولغة الحياة.
وهيهات، هيهات العبث بما شاع... وذاع!
 * شاعر وناقد سوري

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي