الصحابي الجليل حسّان بن ثابت أنشدَ الشعر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وفي حضرته

الأدب والشعر... في ميزان الإسلام

تصغير
تكبير

جاء في الحديث الشريف  «إنّ من الشعر لحِكمة»

قال النبي صلى الله  عليه وسلم لحسان بن ثابت: «أُهجُهم وروح  القدس معك»

لا بأس من الاستشهاد  بالشعر في خطبة  الجمعة وفقاً لضوابط

الكتابات الأدبية بأنواعها  مُباحة طالما تلتزم  الأدب مع الله  ولا تخالف الكتاب والسنّة

بعضُ الأدباء يكتبون  في زاوية الفواحش  والمنكرات والابتذال  الأخلاقي

للقصص دور مهم  في تغذية العقل بالمعاني  الإنسانية السامية  والقِيم النبيلة


شاعَ بين الناس تحريم كتابة الشعر والقصص والمسرح وغيرها من الفنون الأدبية، ووصل البعض إلى تجريم الشاعر والكاتب.
وكما نعرف فإنّ هناك من يحب الفنون الأدبية بأنواعها ويكتب فيها، ويأتي من يتهمهم بالانحراف والمعصية بالقول قياساً بالشعر ظنا منهم أنه محرّم ويستشهدون بقول الله تبارك وتعالى في سورة الشعراء وقوله الحق: «وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».
فأكثر الناس لايستكملون هذه الآيات ويقفون عند ذم الشعراء، ويغفلون الاستثناء، وهنا الخطأ الجسيم الذي يقع فيه البعض ممن لم يتدبر الآيات ولم يستكملها، ومن لم يفهم مقاصد الآيات، فالمقصود هنا الشعراء الكفار الذين كانوا يهجون النبي صلى الله عليه وسلم، والذين يتكلمون بالباطل والكذب، ولم تشمل الشعراء كافة. وهكذا فإن الشعر المنهي عنه هو القبيح من الكلام وصفا وغزلا فاحشاً وهجاء وغيره، كأن يصف الشاعر مفاتن المرأة، ويهجو الناس، ويتكلم في أعراضهم، أو يدعو للهو والمجون، أو الشرك والإلحاد، وغيره من الموضوعات المستقبحة والمنهي عنها في الكتاب والسنّة.

حكم الشعر في الإسلام
ولتوضيح هذا الجدل الذي أحاط بدائرة الأدباء أردنا أن نخصص موضوع اليوم له. ونبدأ بقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال عن الشِّعر: «إن من الشِّعر لحكمة». رواه البخاري، كما أن الشاعر حسان بن ثابت كان ينشد الشعر بمسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبحضرته. وقد قال صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: «إِنَّ رُوحَ القُدُسِ مَعَكَ مَا دُمْتَ تُنَافِحُ عَنْ رَسُولِهِ»، وقال: «أُهْجُهُم - أَوْ هَاجِهِم - وَجِبْرِيلُ معك»، وقال: «اللهمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ مَا دَامَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِكَ»، وقال عن هجائه لهم: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ فِيهم من النَّبْل».
ومن أبيات حسان بن ثابت في مدح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

محمد المبعوث للناس رحمة
يشيّد ما أوهى الضلال ويصلح
لأن سبّحت صم الجبال مجيبة
لداوود أو لان الحديد المصفح
فإن الصخور الصم لانت بكفه
وإن الحصى في كفه ليسبح
وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا
فمن كفه قد أصبح الماء يطفح
وإن كانت الريح الرخاء مطيعة
سليمان لا تألو تروح وتسرح
فإن الصبا كانت لنصر نبينا
برعب على شهر به الخصم يكلح
وإن أوتي الملك العظيم وسخرت
له الجن تسعى في رضاه وتكدح
فإن مفاتيح الكنوز بأسرها
أتته فردّ الزاهد المترجح
وإن كان إبراهيم أعطي خلة
وموسى بتكليم على الطور يمنح
فهذا حبيب بل خليل مكلم
وخصص بالرؤيا وبالحق أشرح

وقد قال ابن القيم الجوزية في صيد الخاطر: «فإن من العوام من يعجبه حسن اللفظ، ومنهم من يعجبه الإشارة، ومنهم من ينقاد ببيت من الشعر». ونعرف بلا شك أن كثيرا من الفقهاء كانوا يكتبون الشعر وينشدونه ومنهم الإمام الشافعي يرحمه الله قال: «الشعر كلام حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام، غير إنه كلام باق سائر فذلك فضله على الكلام». وقد كان الشّافعي يرحمه الله حسن الخلق، محبوبا من الناس، فصيح اللسان، بليغ البيان، كثير الإحسان إلى الناس، وكان جميل الصوت في صوته عذوبة في قراءة القرآن وفي الشعر، وكان إماما في الاجتهاد والفقه، وإماما في الإيمان، والتّقوى والوَرع، وله من الشعر الجميل في مجال الزهديات والحكمة ما يستقر في القلب. فمن شعره في التوكل على الله عز وجل قوله:

تَوكلْتُ في رِزْقي عَلَى اللَّهِ خَالقي
وأيقنتُ أنَّ اللهَ لا شكٌ رازقي
وما يكُ من رزقي فليسَ يفوتني
وَلَو كَانَ في قَاع البَحَارِ الغَوامِقِ
سيأتي بهِ اللهُ العظيمُ بفضــلهِ
ولو لم يكن منّي اللّسانُ بناطقِ
ففي أي شيءٍ تذهبُ النّفسُ حسرة ً
وَقَدْ قَسَمَ الرَّحْمَنُ رِزْقَ الْخَلاَئِقِ

وفي أبيات أخرى في دائرة الحكمة يقول الشافعي يرحمه الله:

يا واعظ الناس عمّا أنت فاعله
يَا مَنْ يُعَدُّ عَلَيْهِ العُمْرُ بِالنَّفَسِ
احفظ لشيبكَ من عيبٍ يدنسهُ
إنَّ البياض قليلُ الحملِ للدّنسِ
كحاملٍ لثياب النَّاسِ يغسلها
وثوبهُ غارقٌ في الرَّجسِ والنَّجسِ
تَبْغي النَّجَاة َ وَلَمْ تَسْلُكْ طَرِيقَتَهَا
إنَّ السَّفِينَة لاَ تَجْرِي عَلَى اليَبَسِ
ركوبكَ النَّعشَ ينسيك الرُّكوب على
مَا كُنْتَ تَرْكَبُ مِنْ بَغْلٍ وَمِنْ فَرَسِ
يومَ القيامة لا مالٌ ولا ولدٌ
وضمَّة ُ القبرِ تنسي ليلة العُرسِ

 وقد حدد الشيخ ابن عثيمين يرحمه الله الضابط في الاستشهاد بالشعر في خطبة الجمعة فقال إنه لا بأس من استخدام الشعر في الخطبة الدينية، ولكن على الخطيب ألاّ يُكثر منه، ويكون مناسبا لموضوع الخطبة، وألا يكون من شعر من لا خير فيه من شعراء العصر أوغيرهم، شاعرا فاسقا لا يمكن الاستشهاد بشعره، فيكون في ذكره بالخطبة والاستشهاد بشعره رفعة له، وتغريرا للناس بالشاعر، فهناك شعراء ملاحدة وفسقة من أهل المجون فلا يليق الاستشهاد بشعرهم، فعلى الخطباء اختيار قصائد الزهديات والمواعظ والأخلاقيات الفاضلة والقيم النبيلة التي يمكن الاستشهاد بها.

القصة ودورها
في تغذية العقول
القصة كما نعرف في لغة العرب هي أنباءٌ تُحكى، وأخبار تُروى، وجمعها قصص، وقد جاء في كتاب الله عزّ وجل القرآن ما حدثنا به من أنباء السابقين، قال الله تعالى في كتابه العزيز وقوله الحق: «كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ» وقال تبارك وتعالى: «ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ» ونفهم هنا أن مصدر القصص عند العرب سابقاً هو تتبع الأثر وحكي النبأ الوارد عنهم. وبلا شك ندرك جميعاً بأن القصة صنف أدبي يحبه الناس، ويقبلون عليه لما فيها من تأثير على النفس، فهو لون أدبي قريب إلى النفوس يدخلها بعذوبة، وتنساق إليه القلوب، وتصغى إليه الأسماع. فإن كتابة هذه القصص والروايات والمسرحيات يخضع في حرمته وحلاله على المضمون كما الشعر قياسا فهو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، وحقه حق وباطله باطل. ولعلنا نلاحظ أن العالم أجمع يعمل على تصدير ثقافته عبر القصص وترجمتها إلى الأفلام والمسلسلات التلفزيونية وقد تظهر في صورة مسرحية في مشاهد ممثلة يراها المشاهد فيتأثر أكثر بها وماهي في النهاية إلا قصص قد تأسر العقول، وتستقطب القلوب. وحين نتحدث عن القصص عامة فإنه وبلا شك نقول بأن قصص القرآن والسنة هو أفضلها وأجملها وأنفعها قال الله تعالى وقوله الحق «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ» وبالطبع اعتاد المتذوقون للأدب، والعاشقون للقراءة أن يقرأوا القصص للمتعة والتسلية والاستفادة والانغماس في عالم خيال الكاتب.
أما قصص القرآن وصحيح السنة النبوية فهو قصص حق قد حدثت وقائعه، وعُرفت شخوصه، فهو يحكي أخباراً ويروي أنباءً دون نقصان أو زيادة، قال الله تبارك وتعالى وقوله الحق: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبأهم بالحق»، وقال تبارك وتعالى: «إن هذا لهو القصص الحق». هذا وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقصَّ على الناس ما يعرفه من القصص، قال تبارك وتعالى: «فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ». ونعلم بأن الأنبياء والوُعاظ والدعاة يستمدون العظة والعبرة والدروس المهمة من قصص الأولين، وهكذا فإن القصص القرآني وما جاء من قصص في السنة النبوية أيضا هو زاد روحاني عميق للنفوس والقلوب، قال الله تبارك وتعالى: «وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ». وهكذا فإن للقصة القرآنية أثرا كبيرا، ولا يمكن مقارنتها بالقصص التي يكتبها الأديب من خياله أومن أحداث رآها وتأثر بها.
هل الكتابة الأدبية بأنواعها حرام؟
ويبقى السؤال هنا: هل الألوان الأدبية المختلفة من مثل: الشعر والقصة والرواية والمسرح من الأمور المحرمة التي ينبغي للإنسان اجتنابها؟ والجواب: لا، الأصل فيها أنها مباحة شرعاً ما دامت في إطار الأخلاق الإسلامية والمبادئ الدينية، وبعيدة عن المعاصي والمنكرات، ومتوافقة مع الكتاب والسنة، إذن هي تأخذ حكم الشِّعر الذي ورد في سورة الشعراء، وفي قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والفقهاء وعامة العلماء، أي هي كلام حسنها حسن وقبيحها قبيح، وحقها حق وباطلها باطل. أما من تجاوز في كتاباته الأدب مع الله عز وجل، أو اخترق محرّما بأي شكل كان، فإنه بلا شك يدخل في دائرة المحرم. ولا شك بأن الانشغال بالقرآن وقصصه وبحكايات السنة النبوية أولى من الانشغال بالكتابات الأدبية، وإذا ما استطاع المرء أن يكتب في مجال الأدب شعرا كان أم نثرا دون أن يصرف قلبه عن القرآن والسنة النبوية فإنه لا بأس بذلك، اللهم اشغل قلوبنا بكتابك العظيم، وارزقنا نعمة تدبره والعمل به.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي