No Script

هل يشهد الغرب إعادة ترتيب جذري للهجرة

اللجوء العظيم... إلى «القارة المفقودة»!

تصغير
تكبير
الدويش:

جزر وشبه جزر مكتشفة وغنية بالموارد يمكن أن تكون مدناً وملاذاً للمهاجرين

الساير:

الوطن العربي لم يستوعب المهاجرين وتركهم يواجهون مصيراً مؤلماً يدفع ببعضهم إلى اختيار المجازفة

الأسيري:

هناك أنانية كبيرة في التعامل مع قضايا العرب الإنسانية
ضاقت قارات العالم، بالعرب الفارين من ويلات الحروب والصراعات. ولعل الهروب من الفقر بات أنكى من ذلك. لكن في ظل مواسم الهروب المتوالية ليلاً ونهاراً بحثاً عن ملاذات آمنة، هناك مئات الآلاف من العرب، ومن كل الأديان والأجناس، عالقون، بحراً وبراً، يبحثون عما يشبه القارة المفقودة على الأرض... فقد تكون «القارة المفقودة» (أتلانتس) هي ملاذ اللاجئين والمهاجرين الوحيدة على الأرض في ظل محاربة سلطات القارات الخمس المأهولة لهم أينما كانوا حتى بات كثيرون منهم يوصفون بـ «الارهابيين»؟

وفي ظل العمليات الارهابية التي تنفذ على ايدي عرب او مسلمين، بات مهاجرون كثيرون عالقون لا يستطيعون المرور الى دول غربية كثيرة باتت تتخوف منهم، كما لا يمكنهم العودة الى محرقة الرصاص والفقر والخوف في ديارهم. ويعتقد الناشط الحقوقي المحامي مهند الساير أن «كثيراً من المهاجرين العرب خصوصا اللاجئين السوريين او اليمنيين او العراقيين، ضاقت بهم سبل الحياة في دولهم او في الوطن العربي الذي لم يستوعبهم وتركهم يواجهون مصيراً مؤلماً يدفع ببعضهم الى اختيار المجازفة والتسلل الى القارات الأخرى التي باتت اليوم حدودها محكمة الاغلاق وتعالت فيها أصوات الكراهية للعرب والمسلمين».

الكاتبة أمجي أوبيرا على موقع «ثي فيديراليست»، تتوقع من جهتها «حرباً أهلية بين مكونات المجتمع الفرنسي عقب هجوم نيس الارهابي»، مرجحة أن تكون «فرنسا أول دولة أوروبية تشهد تجربة الاضطراب المجتمعي وإعادة ترتيب جذري للهجرة»، ومشيرة إلى «وجود علامات على هذا الاضطراب تجري بالفعل». وبذلك فان بوادر زيادة اغلاق منافذ عبور المهاجرين العرب والمسلمين الى أوروبا في ازدياد، لكن الأمر لا يعني أوروبا فقط بل حتى القارات البعيدة، كأميركا وأستراليا، حيث شدد أخيرا المرشح الجمهوري الاميركي دونالد ترامب على قناة «فوكس نيوز»، على ان «المهاجرين المسلمين سيبقون موضوع شبهة». أما الحكومة الاسترالية فقد زادت تقنين الهجرة وصولا الى قبول اصحاب الكفاءات الماهرين فقط، كما ستدرس اعادة النظر في قانون الهجرة.

وبذلك، لم يبق امام المهاجرين العرب سوى آسيا المضطربة والمكتظة بمليارات البشر، او أفريقيا التي تئن بمشكلاتها الاقتصادية (قارة انتاركتيكا مغطاة بالثلوج وغير مأهولة). وما عدا هذه الوجهات بقي للمهاجرين أن يحالفهم الحظ في العثور على «القارة المفقودة»... فهل يكونوا هم من يكتشفها. فهذه القارة - التي يتردد انها غارقة في أعماق احد المحيطات - ليست خرافة وليست حقيقة، ولا يمكن الجزم بوجودها او عدم وجودها في الوقت نفسه، فقد ذكرها الفيلسوف اليوناني أفلاطون في مذكراته، على انها القارة التي حكمت العالم وموجودة في الأطلسي.

ويقول الباحث في الآثار سلطان الدويش، ان «قارة أتلانتس موجودة في الكتب التاريخية لكن لا يمكن اثبات وجودها الى اليوم فيما يعتقد البعض انها أسطورة فقط». لكن الدويش يكشف عن حقيقة أهم من «أسطورة القارة المفقودة» قد تسيل لعاب المهاجرين عندما تحدث لـ «الراي»، عن «اكتشافات تظهر في الأونة الأخيرة لجزر وشبه جزر قد تكون متفككة من قارات مختلفة، وهي خالية من البشر، ويمكن ان تكون مدناً وملاذ حياة حقيقية للمهاجرين».

واضاف الدويش أن بعض الجزر التي ظهرت حديثاً كانت مدناً في السابق غنية بالذهب. واستشهد بجزر خليجية اثبتت بعض الحفريات وجود عملات ذهبية مسكوكة فيها قد تعود الى عهد ما قبل الاسكندر الأكبر. وبين ان «الخريطة العربية الواقعة على قارتي افريقيا وآسيا تحتوي على جزر كثيرة خالية ونائية وكانت في السابق مدناً مفقودة أو قلاع لحضارات غابرة ويرجح انها غنية بالمعادن والوارد والمواد الاولية».

فكرة توطين المهاجرين في جزر ليست جديدة... فقد عرض رجل الأعمال المصري نجيب سويرس، قبل فترة، عرض شراء جزيرة يونانية من اجل توطين مهاجرين سوريين فيها. لكن في مقابل تزايد الرفض الأوروبي والأميركي لتوطين المهاجرين العرب، فلماذا لا يستوعبهم العالم العربي؟ تقول الكاتبة فاطمة حسين ان «هذه الفرضية لم تعد مجدية في الوقت الحالي كون التلاحم العربي في ادنى مستوياته مقارنة بالماضي». وتوضح ان العالم العربي يضم «مساحات كبيرة تستوعب الكثيرين وغير مستغلة، لكن النظم والمؤسسات العربية، غير قادرة على استيعابهم او استغلالهم ايجاباً».

الاندفاع للهجرة الى دول غربية للبحث عن حياة أفضل، بات يواجه زلزال قيم في الدول التي تستضيف لاجئين ومهاجرين، إذ ان قيم التسامح لم تعد كما في السابق. كما ان موجات القتل باسم الكراهية في العالم العربي، احيت موجات مضادة في الدول الغربية للتضييق على المهاجرين في الاقامة والعمل والحريات أيضا. وهذا ما تثبته الاجراءات التي تتخذ في دول اوروبية وغربية بعد كل حادث ارهابي يسجل باسم المسلمين والعرب.

فبعد كل عمل ارهابي يقوم به مغرر به أو مغسول الدماغ، تظهر الى العلن في الغرب، مجموعات يمينية متطرفة، ليس فقط ترفض اللاجئين والمهاجرين، بل تدعو إلى التضييق على موجات الهجرة السابقة اليها، واغلاق الحدود امام أي مهاجر جديد. هذا الوضع الذي زاد من تفاقمه تنظيم «داعش» عبر العمليات العابرة للحدود، يجعل ملايين المهاجرين العرب والمسلمين امام مصير مجهول، ناهيك عن نبذهم من فئات في المجتمع الغربي. كما بلغ الامر ببعض المجموعات في العالم الغربي، الى نبش احقاد قديمة، ككراهية السود واعتبار انهم مهاجرون وليسوا أصيلين في المجتمع، على غرار ما حدث من سعي البعض للنفخ في نار العنصرية في الولايات المتحدة، بظهور جماعة «كو كلوكس كلان» العنصرية (شعارها الصليب المحروق)، التي تؤمن بتفوق البيض، والتي بلغت ذروة شعبيتها في عشرينيات القرن الماضي، وكانت أعلنت أخيرا مسؤوليتها عن شنق شاب أسود على شجرة في أميركا. هذا التصعيد على مستوى الكراهية وجد له أرضا خصبة في عواصم أوروبية بعد تكرر الهجمات الارهابية التي يتبناها «داعش».

هجمات من شأنها، حسب الحقوقي محمد العتيبي، في حديثه لـ«الراي» ان«تزيد من شرارة الكراهية لدى الغرب ازاء المسلمين وتدفع نحو محاولات انتهاك حقوق المهاجرين باسم الكراهية».

كما يشير بعض التقارير كالتي نشرتها صحيفتا»الغارديان«البريطانية و»لوفيغارو«الفرنسية، الى ان العرب لم يتمكنوا من الاندماج في المجتمعات الغربية ويمثلون تهديداً لقيمها. وبالتالي فان العرب أنفسهم يعانون، حسب تعبير الكاتبة فاطمة حسين، من»أزمة قيم«، حيث تغيرت مسألة»القبول والرفض بين مكونات المجتمع العربي الواحد مثل مد وجزر موج البحر«.

من ناحيته، لا يلقي عميد كلية العلوم الاجتماعية في الكويت الكاتب عبد الرضا الأسيري، باللوم على موقف الغرب الذي بات جزءاً مهماً منه يرفض اندماج العرب في مجتمعاته، بل يلوم مباشرة المسؤولين عن افرازات الكراهية التي انتشرت في ثقافة العرب أنفسهم. ولعل ابرز دليل على ذلك، كما يذكر الأسيري،»الاقتتالات والحروب«داخل المجتمعات http:/‏‏‏/‏‏‏172.16.20.20/‏‏‏newspress/‏‏‏backup/‏‏‏files/‏‏‏images/‏‏‏2016/‏‏‏07/‏‏‏17/‏‏‏303418.jpg?tmp=1468933657 العربية والمسلمة.

ويقول:»من المؤسف للغاية ان العرب يقتلون عرباً حتى في الأشهر الحرم«. ويتابع بكل حرقة:»كل شيء عندنا سيئ«، معتبرا أن»الانسانية مفقودة في الدول العربية«. ويسترسل:»نحن نتهم الغرب بعدم المصداقية وانهم الأشرار، ونحن نلجأ اليهم لشراء السلاح وقتل بعضنا البعض. ان ما نشهده اليوم من معاناة اللاجئين والمهاجرين العالقين على حدود دول غربية، تمثل مأساة بحق الانسانية لأننا لم نعد نحترم الانسانية«.

الدول الاسكندنافية، التي تعد مثالاً في حقوق الانسان والحرية واستقبال النازحين ودمجهم في مجتمعاتها، بغض النظر عن اللون او الدين او اللغة، بدأت ايضاً تدرس التضييق أكثر على حرية اللجوء والهجرة. وبريطانيا، قررت الخروج من الاتحاد الاوروبي، واحد الاسباب الرئيسة، قضية اللاجئين العابرين للحدود في اوروبا. ودول اوروبا الشرقية واليونان، اعادت الاسلاك الشائكة الى حدودها. وفي الولايات المتحدة، يقف المرشح ترامب بالمرصاد للاجئين، خصوصا المسلمين والعرب. حتى ان الأتراك، خرجوا في تظاهرات رافضة لتوطين المهاجرين السوريين او منحهم الجنسية، اثر اقتراح من الرئيس رجب طيب اردوغان بهذا المعنى.

اذا هو نفور غربي متزايد في ظل صمت عربي مريب. في هذا الصدد، يتحدث الأسيري عن»ازمة عدم ثقة تصاعدت بين العرب وبين فئاتهم الاجتماعية«، مضيفا ان»هناك أنانية كبيرة في التعامل مع القضايا الانسانية التي تهم الاف العرب البائسين من الفقر والحروب«.

من ناحيته، يشير المحامي محمد العتيبي، الى ازدياد ظاهرة الاتجار بالبشر استغلالاً لظروف المهاجرين واللاجئين السيئة التي يمر بها الملايين في مناطق الصراع.

ويعتبر المحلل فهد الشليمي»ان معاناة ملايين الفارين من الموت خصوصا في سورية، يمكن حلها بتغيير شخص واحد هو بشار الأسد. فلن يبقى هناك سبب لرحيل السوريين ولجوئهم خارج بلادهم«. واكد ان دول الخليج خصوصاً تسهم اكثر من غيرها في دعم اللاجئين وفتح اراضيها امامهم او بتقديم مساعدات مادية»، مضيفا ان «العالم العربي يستوعب ملايين المهاجرين واللاجئين من الحروب والفقر، لكن يبقى هناك عدم تنسيق بين دوله».

وألقى الشليمي، باللوم على الدول الغربية الكبيرة، «التي ترفض اندماج المهاجرين فيها وتذل بعضهم بقوانينها الصارمة»، مشيرا الى ان «مثل هذه المعاملة التي قد يتعرض لها بعض المهاجرين في الغرب، هي ما تجعلهم يحقدون على هذه الدول».

لكن في مقابل، اغلاق الحدود والكراهية والتمييز، يصر مئات الالوف على الرحيل، ان كان براً او بحراً او جواً، في انتظار ان يصلوا الى غايتهم المنشودة والآمنة او الى قارتهم المفقودة... احياء او امواتاً.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي