No Script

رأي «الراي» / قانون الأحزاب ومسؤوليّة نواب الأمة

No Image
تصغير
تكبير

بعيداً من السّجال حول قوّة مجلس الأمّة الحالي أو ضعفه...
وبعيداً من الأجندات التي تهاجم المجلس كرمى لعيون جهات معروفة أو التي تمدح المجلس كرمى لعيون جهات معروفة...
وبعيداً من تقييم الأداء النّيابي في شِقّيْه التشريعي والرقابي من جهة والمواقف السياسية من جهة ثانية...
بعيداً من ذلك كلّه يمكن أن نتّفق جميعاً على نقطة واحدة، وهي أن الوضع السياسي في الكويت يعيش فصلاً سيّئاً في ظل عوامل عدة داخليّة وخارجيّة. وهذا الفصل السيّئ يمكن أن تجتاحه الأعاصير في أي لحظة إذا انفجر الوضع الإقليمي وطالتنا ارتداداته، ويمكن أن يستمر مُترنّحاً بين المطبّات التراجعيّة من دون أي أفق للتقدّم والاستقرار، ولذلك كان النطق السامي يحذّر دائماً من ضعف حصانة الداخل أمام «أمراض» الخارج، ويطالب بالارتقاء إلى مستوى التحدّيات.
نترك الجانب الإقليمي الذي تتجاوز حركته قدراتنا ويتعلّق بمواقف اللاعبين الكبار، ونأتي إلى الجانب الداخلي الذي يفترض أن تكون مقاليده في يدنا جميعاً سلطةً وشعباً. لا يوجد شيء اسمه اقتصاد أو تنمية أو خطط مستقبليّة أو وحدة وطنيّة أو تطوير لكل القطاعات من دون استقرار سياسي. لندع المجاملات جانباً وننسَ الأناشيد والأشعار المنشّطة والمحفّزة للهمم ونضع الإصبع على الجرح مباشرة. العنوان هو «عدم الاستقرار السياسي». التفاصيل لن تنتهي عمّن يتحمّل المسؤولية، بين من يتّهم الحكومة بالتعطيل لأنها تعمل في إطار منظومة بيروقراطية تشجّع على الجمود والتردّد والفساد وهدر المال العام وشراء الولاءات وتشجيع الانقسامات، وبين من يتّهم مجلس الأمة بالتعطيل لأن نوابه يعملون لمصالحهم الانتخابية الضيّقة ويسعرون الخطاب الطائفي والقبلي لاستثارة عصبيّات توصّلهم إلى مقاعدهم ويضغطون لإقرار قوانين اقتصادية واجتماعية تضمن لهم شعبيّة مرحليّة على حساب مستقبل الدولة والأجيال القادمة ويحشرون الإدارة بالتوظيف ومعاملات اللامانع بدل التشريع والرقابة... إلى آخر ما هنالك من اتهامات متبادلة لم نرَ أو نسمع غيرها منذ ثمانينيّات القرن الماضي إلى أمس.
«عدم الاستقرار السياسي» هو العنوان. دعوا عنكم التفاصيل. كل الدّروب تؤدّي إليه. الدستور الكويتي لم يضعه المؤسّسون استجابة لمطالبات أو التحاقاً بركب دول سبقتنا. وضعوه للانتقال إلى دولة مؤسّسات عبر تطوير دائم للحياة السياسيّة يسمح بقاعدة استقرار تبنى عليها مراحل التغيير نحو الأفضل. وتطوير الحياة السياسيّة (وهذا ليس اختراعاً أو اكتشافاً) لا يستقيم من غير قيام أحزاب سياسيّة مشهرة ومعلنة.
من كان يتهيّب أو يخشى على التجربة السياسيّة الكويتيّة من قيام أحزاب كما كنا في «الراي» ننادي ونطالب دائماً، ها هو يكتشف أن البلد مليئ بأحزاب غير معلنة وغير مرخّصة بل إن الديرة «متروسة» بـ«دكاكين» حزبيّة، فيها المتطرّف وفيها المنغلق وفيها المنحرف وفيها المعتدل... وهذا الوضع عدا عن أنه يهدّد بانقسام مجتمعي أفقي إلا أنّه أيضاً يفتح الباب لتدخّلات خارجية تعشق التعامل مع كيانات «السراديب» بشخوصها وأفكارها، وهو يترجم أيضاً التحذيرات من فتح الباب لعواصف الإقليم كي تعبث فساداً في بيتنا الكويتي.
قيام أحزاب يعني استقامة للحياة السياسية. يعني نظاماً انتخابياً جديداً. يعني الاقتراع على أساس برامج لا على أسس فردية. يعني وصول غالبية لا تطغى على حقوق أقلية بل يمكن للأقلية أن تكون حكومة ظل. يعني أن الحكومة تتشكّل من الغالبية أو في أكثريتها من الغالبيّة، ويعني أن التحالفات السياسية لتشكيل السلطة التنفيذيّة لا بد أن تبنى على مبادئ وأسس وضمانات أهمها على الإطلاق تنفيذ البرامج التنمويّة وإطلاق مجالات التطوير في كل اتّجاه.
نعود إلى النواب، وهم يعيشون بين تقييمي الضّعف والقوّة، ونقول لهم: هل تريدون أن تضعوا بصمة تاريخيّة في مسار الحياة السياسيّة الكويتيّة؟ هل تريدون لأجيال الكويت القادمة أن تدرس (وتنقل الدرس لغيرها) إن مجلسكم رسّخ الاستقرار السياسي عبر تشريع تاريخي لقيام أحزاب؟
شكّلوا لجنة من بينكم تضمّ نواباً من مختلف التوجّهات والمشارب، واعكفوا على وضع مسودة قانون لإشهار الأحزاب، وضعوا ضوابط مستفادة من كل التجارب التي مررنا بها وأدّت إلى انتشار قيم التطرّف الطائفي والعنصري والقبائلي كي يتم تلافيها تشريعياً، بمعنى أن يتضمن أي قانون مثلاً اشتراطات تأسيسيّة تخدم الوحدة المجتمعيّة ولا تسيء إليها سواء عبر «التشكيل الوطني» لقيادة الحزب أو عبر «البرامج الوطنيّة» التي سيعتمدها.
وبعد ذلك، افتحوا باب النقاش مع الشخصيّات السياسيّة والوطنيّة والقانونيّة المخضرمة، واستفيدوا من ملاحظاتهم وتجاربهم خصوصاً أن بعضهم يحمل رمزيّات تاريخيّة نظراً لمسيرته وبصيرته. وعندما تنضج بنود المسودة لا بد من الاستفادة أيضاً أو الاستئناس برأي شخصيّات عربيّة ودوليّة لها مكانتها السياسيّة والقانونيّة في هذا المجال، فالأمر يستحق كونه يتعلّق بمستقبل بلد وأجيال ولا يتعلّق بمستقبل راتب أو وظيفة.
هو مشروع نيابي. مشروع للأمة. مشروع للمستقبل. أعضاء المجلس إن كانوا إصلاحيّين ويريدون ترك بصمة تاريخيّة ما عليهم إلا الإقدام من دون أي التفات إلى المعوّقات. دعوا عنكم الحكومة ولا تشركوها لأنها «ستشربككم» ومن الطبيعي ألا تكون لها مصلحة في ذلك. ولذلك نعلن في مجموعة «الراي» الإعلامية ومن موقعنا التشاركي في المصلحة الوطنيّة كسلطة رابعة أنّنا على استعداد لتوفير كل التكاليف التي قد تصاحب هذا المشروع التاريخي، سواء تعلّق الأمر بتأمين رسوم الاستشارات أو استضافة الشخصيّات العربيّة أو الدوليّة أو أي شيء تطلبه اللجنة لمساعدة وتسهيل الأمور.
الكرة في ملعب ممثّلي الأمة والخيار خيارهم. إما أن نستمر في محاكاة وجدالات تفقد هويّتنا السياسيّة الشيء الكثير، وإما أن نرتقي إلى مشروع يرسّخ هذه الهوية ويحصّنها من غدرات الزمان... فهل من مجيب؟

«الراي»

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي