No Script

دوّامة الاعتذار

No Image
تصغير
تكبير

ذات صباح في المقهى، بينما كنت أتحدث في الهاتف مع صديقة لي تعرفني جيداً، تخطيتُ فتاة لم أدرك بأنها كانت تقف في الدور، وسرعان ما أدركت فاعتذرت منها ووقفت وراءها مباشرة، فعقّبت صديقتي ضاحكة: أسرار تعتذر؟ «شصاير بالدنيا؟». ولم تقل ذلك عبثاً أو إشارة للمواقف اليومية البسيطة التي نمر بها كبشر عادة، بل إلى ما هو أكبر، دوامة الاعتذار التي تعصف بي دائماً.
-
لستُ أعلم إن كنتُ على صوابٍ أم على خطأ، لكنني لا أجيد الاعتذار في الأمور العميقة، الجدية، الحقيقية جداً أبداً. أو ربما لا أجيد التصرف حيال ذلك. وذلك لا يعني بأني لا أعتذر، لكني كلما هممت لأقدم اعتذاري لو أخطأت، أشعر بالتراجع والتردد، بأنني أكذب على نفسي قبل الآخر. ولذلك أقف في مواجهة ومساءلة مع نفسي - التي أخجل منها- كثيراً قبل أن أنطق بأيّ شيء، فلو وقع الضرر وحدث الجرح وأُصيب القلب، هل ستُصلح كل ذلك عبارة: أنا آسف؟


هل هكذا سيُمحى كل شيءٍ في ثوانٍ معدودة؟
هل ستُقلب الصفحة ويُكتب كل شيءٍ من جديد؟
هل سيبرأ الجرح مهما بلغ عمقه وألمه؟
هل ستعود المياه إلى مجاريها و«يطيح الحطب» هكذا بكلمتين؟
على الصعيد الشخصي، لا، ومليون لا.
فأنا أرى الأمر من زاويةٍ أخرى. وهناك ما هو أهم.
-
فحول الاعتذار وثقافة الاعتذار، هناك تساؤلاتٍ عديدة منبعها قلبي تقول:
هل يعي المُعتَذِر في قرارة نفسه بأن واجبه الحقيقي «تصويب الخطأ» والمضي قدماً في انتزاع آثاره؟
هل يفهم بأن الخاطر لا يطيب أحياناً بمجرد الاعتذار وبأن المهم حقاً ما يأتي بعده؟
أيضاً، هل سيتوب الشخص عن إحداث الألم حين يُقبل اعتذاره مباشرة في كل مرة دون انتظار التغيير أو الإصلاح المنشود؟
هذه التساؤلات التي تؤرقني حين أُخطِئ بحق أحد لأنني أضع نفسي في مكانه، أبني عليها ما يستوجب أن أقوم به وأجتهد فيه، وهذا بكل تأكيد هو أولويتي في مواقف كهذه.
-
أعود لصعيدي الشخصي الذي أُلام عليه بشكلٍ مستمر، فالبعض يعتقد بأني أرفض الاعتذار وأستعلي وأكابر، لا بل وأعتبر الاعتذار نقطة ضعف وهوان، وبأنني لا أسامح ولا أغفر وقلبي ليس «كبيراً» لأني لا أصفح مباشرة. وبالطبع، أنا متهمة في ذلك زوراً.
أعي تماماً بأن الاعتذار تصريحٌ لفظي يشير إلى الاعتراف بخطأ ما والرجوع عنه، ولا أخالف أحداً في ذلك، إلا أنه مهم ومهم جداً أن تُقدّم ترضية بحجم الخطأ. ترضية وإحساسٌ صادق وقناعة بأن هناك فعلاً ينبغي أن يتبع القول، فعل يثبت الاحترام والتقدير والمكانة والقدر.
-
نترك صعيدي الشخصي وعالم أفكاري وتساؤلاتي وشعوري المرتبك، ونعود لموقف الفتاة وتعقيب صديقتي، التي كان ردي عليها بكل بساطة ما كتب الكاتب السعودي أحمد الغزي يوماً: «الاعتذار من شيم الكرام، والأجمل منه ألا تفعل ما يوجب الاعتذار».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي