No Script

ماذا لو... ؟

عروس المولد!

No Image
تصغير
تكبير
منذ أيام قلائل، احتفلت الأمة الإسلامية بالمولد النبوي الشريف، أعاده الله على الجميع بالخير والبركات، وحسن التقرب لله بالعبادات.

وكلما حل علينا حلقت بالذكريات التي تحمل عبق الطفولة وبراءتها، وتذكرت أيام احتفالنا به في مصر، وما يصاحب هذا الاحتفال من ازدهار للتجارة في نوع معين من الحلوى التي تسمى على المناسبة «حلوى المولد» وأهم من تلك الحلوى التي يمكن أن تجدها على مدار السنة، كان ما يميز تلك المناسبة تحديدا وهي «عروس المولد».

تعتبر عروس المولد المصنوعة من السكر، إحدى الأيقونات الشعبية التي لها مكانها المميز في قلوب ووجدان المصريين خاصة، فهي رمز الاحتفال بالمولد النبوي، فقد كان الفاطميون هم أول من صنعوا تلك العروس من الحلوى في المولد، يجملونها بالأصباغ، وتزين بالأوراق الملونة والمراوح الملتصقة بظهرها، ومنذ ذلك الحين أصبحت الحلوى من المظاهر التي ينفرد بها المولد النبوي الشريف في مصر، ويفرح الأطفال فيه بهداياهم: «عروس المولد للبنات»، والحصان وفارسه للأولاد.

وقد تعددت الروايات حول تلك العادة، فهناك رواية تقول: إن الخليفة الفاطمي «المستنصر بالله» عندما كان يتأهب لتأديب بعض قبائل الصحراء المغيرة على أطراف مصر قال لجنوده وقادته مشجعا لهم على القتال: حاربوا بمهارة وعندما ننتصر سأزوج كلا منكم عروسا رائعة الجمال، وفعلا نجحت الحيلة وعادوا منتصرين فزوجهم من أجمل جواريه، وعندما حل الاحتفال بالمناسبة في العام التالي، تصادف ذكرى المولد النبوي، فقام ديوان الحلوى التابع للخليفة بصناعة عرائس جميلة من الحلوى؛ لتقديمها كهدايا إلى القادة المنتصرين وإلى عامة الشعب خصوصا الأطفال.

وهناك رواية أخرى تقول: إن الاحتفال بهذه المناسبة يعود لأكثر من ألف عام عقب دخول الخليفة المعز لدين لله الفاطمي مصر، وكان الاحتفال بالمولد من أهم الاحتفالات التي ازدهرت في هذا العصر، وكانوا يعتبرون الاحتفال بالمولد النبوي مناسبة للترفيه عن الطبقات الشعبية، وبذلك يمكن استمالتهم، فكانوا يقومون بإعداد الولائم للفقراء، ويصنعون الحلوى التي توزع على الجميع وفي يوم المولد يخرج موكب الخليفة في أبهته على الناس، وقد ظهرت عروس المولد في عهد الحاكم بأمر الله الذي كان يحب إحدى زوجاته حبا جما، فأمر بخروجها معه في يوم المولد النبوي فظهرت في الموكب بردائها الأبيض وعلى رأسها تاج من الياسمين، فقام

صناع الحلوى برسم الأميرة كعروس جميلة، والحاكم بأمر الله فارسا يمتطي جواده ، وصنعوا ذلك في قالب من الحلوى.

كما ترتبط عروس المولد بفلسفة خاصة عند المصريين الذين كانوا يتصدقون بإعطاء الحلوى للمساكين في ذكرى المولد النبوي.

ويقال إن الحكام الفاطميين كانوا يشجعون الشباب على عقد قرانهم في يوم المولد النبوي، ولذلك أبدع صناع الحلوى في تشكيل عرائس المولد وتغطيتها بأزياء تعكس روح هذا العصر وتراثه.

ويقول المؤرخون إن الحاكم بأمر الله قرر منع إقامة احتفالات الزواج إلا في المولد النبوي فحرص عامة الناس على إتمام زواجهم أيام المولد ؛حتى يتمكنوا من تعليق الزينات واقامة الاحتفالات، وفي تلك الفترة ظهرت العروس المصنوعة من الحلوى لأنها كانت تعد بمثابة إعلان عن قرب موسم الزواج، وكان أهل العروسين يبدعون في صناعة الحلوى بأشكال جديدة للعروس تيمنا بالزفاف القريب، وكانت عروس المولد هي هدية أهل العريس لعروسه، وهو ما يفسر سر العروس التي تُصنع في موسم المولد بشكلها المزركش وألوانها الجميلة.

ظللت أحمل في ذاكرتي ذلك العبق بفرحتي بقدوم المولد لتأتيني تلك العروس، وقد يسعدني حظي بأكثر من واحدة، فكل الأقارب يهدونني بتلك المناسبة عروسا، ويهدون شقيقي الحصان، ولا أنسى يوم أهدتني جدتي عروسا تفوقني طولا، ولأخي حصانا يكاد يراه حقيقيا، وظللنا نحتفظ بهما على رف الهدايا شهورا طويلة، حتى سقطت عروسي ذات يوم وتحطمت، ولم تأتني عروسا تشبهها أبدا.

إيهٍ، يالها من ذكريات تسعدنا برحيقها، وكلما تفكرت في أولادنا هذه الأيام ملأني الشجن، فليس لديهم من دفء الذكريات ما لدينا، كل ما يربطهم بالماضي والحاضر أجهزة جامدة لا روح فيها، تفصلهم عن العالم الواقعي لتغرقهم في عوالم افتراضية يخيم عليها صقيع قاتل.

كثيرا ما يستغرقني التفكير في سبيل يكون أكثر جذب لهم ليرتبطوا بالواقع المعاش فيسقط في يدي، ماذا لو تكاتفنا معا ليطرح كل منا ما يراه مناسبا للتطبيق على أرض الواقع، حتى ننتشل هؤلاء الأولاد مما هم غارقون فيه، ولنربطهم بذكريات حنونة، يظل عطرها يحوطهم طوال حياتهم؟

في انتظار اقتراحاتكم على بريدي الإلكتروني حول هذا الموضوع، فتواصلكم مصدر سرور وغبطة، ودمتم جميعاً بخير ونعمة.

hanaank64@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي