No Script

رأي «الراي» / ... ما بعد غزوة الطبيعة

No Image
تصغير
تكبير

الحمد لله على كل شيء. على نعمه ورعايته ومساعدته. نحمده في كل وقت ونبتهل إليه أن يحمي بلدنا دائماً من غدرات الغدّارين وهجمات الطبيعة وغزوات عواصفها وأعاصيرها.
  والشكر موصول إلى أهل الكويت الذين أرسلوا من تحت الماء رسالة عظيمة إلى الجميع أهمها على الإطلاق أن الكويتي في الملمّات والأزمات والمحن والطوارئ يكون «كويتياً» فقط يشبك يده في يد أخيه ويرفع لواء الهمّة وينخرط في عمليّات الإنقاذ وحماية الأرواح والممتلكات.
 منذ الملمّات الأولى والكويت على علاقة خاصة بإنسانها، وهي ملمّات تتفاوت بين النكبات والمصائب والأضرار والنكسات. بعضها اقتصادي وبعضها عسكري أمني وبعضها وجودي وبعضها يتعلّق بأيادي الطبيعة وكان الشيّاب يطلقون أسماء هذه النكبات على السنوات للتذكير والعبرة. لكن القاسم المشترك بينها كلها سواء تعلّق الأمر باقتحام المياه للسدود أو باقتحام الغزاة للحدود هو أن الكويتيين ينسون تنوعاتهم المذهبية والقبائلية والمناطقية ويتقدّمون الصفوف تقدّم رجل واحد على جبينه كلمة «كويتي».
في الأيام الأخيرة التي شهدت «غزوة» الطبيعة اختفت مصطلحات «سني شيعي بدوي حضري قبلي»، وحضرت الكويت بسواعد أبنائها الذين تضامنوا مع فرق الإنقاذ وجهود المؤسسات الرسمية ورفدوها بجهد شعبي – مدني تطوّعي ظهر جلياً في المناطق المنكوبة بدءاً من تنظيف الطرق ومحاولة حصر الأضرار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه وانتهاءً بالانضمام إلى حملات التوعية عبر دعوة الناس للبقاء في منازلهم وإرشادهم إلى الطرق المفتوحة في حالات الطوارئ والضرورة.
والشكر أيضاً للجنود المجهولين – المعلومين. أبناؤنا الأشاوس الشجعان في وزارات الدفاع والداخلية والصحة والشؤون والكهرباء والحرس الوطني والإطفاء والدفاع المدني والبلدية وكل عناصر الوزارات الأخرى الذين واصلوا الليل بالنهار وتحمّلوا الكثير من جهدهم وأعصابهم وصحّتهم ثم كافأونا بابتسامة على محياهم لدى نقل طفل من سيارة إلى منزله أو إنقاذ أشخاص عالقين في المياه من الغرق. هذه الابتسامة مع حركة الشفاه متمتمةً «الحمد لله»، هي عنوان الكويتي.
والشكر لا يمنع من الإصرار على تأكيد مبدأ المحاسبة لمن قصّر ومبدأ المعاقبة للمقاولين الذين تهاونوا وأضرّوا بالناس نتيجة عدم تنفيذ المهمّات الموكلة إليهم على أكمل وجه.
كما أن الشّكر لا يمنع من القول إن أزمة المطر كشفت سوء إدارة وزارتي الأشغال والإسكان، وأن أداءهما كان كارثياً لا يرقى بأي شكل من الأشكال إلى الأداء المسؤول القادر على تشخيص الخلل ووضع المعالجات المطلوبة له واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب والتحذير من التأخّر في إقرار جملة من الخطوات كي لا تحصل كوارث ونكبات... وزيرا الأشغال والإسكان للأسف الشديد ما كانا على مستوى حقائبهما وعليه فمن الطبيعي في النظام الديموقراطي الدستوري أن يتخليا عن المنصب استشعاراً للمسؤولية السياسية والأخلاقية.
ومثلما أن الغالبية المطلقة من أهل الكويت كانت على قدر المسؤولية في مواجهة سوء الطبيعة إلا أن هناك صغاراً كشفت طبيعة السوء في قلوبهم ووجوههم معدنهم الصدئ والرديء. هؤلاء الذين يتصيّدون في ماء المطر وفي السياسة وفي الملمّات وفي النكبات. هؤلاء الذين أثبتوا صدق المبدأ العالمي «تنكشف الأخلاق في ساعة الشدّة» فانكشفت أخلاقهم على «اللا أخلاق» غير مراعين شدّة ولا مصيبة ولا أزمة.
هذه القلة أيضاً أرسلت رسالة من تحت الماء وإن بدت رسالة ضعيفة هزيلة شاذّة.
رسالة مفادها أن مصلحتهم الشخصيّة ومصلحة من يجنّدهم أو يتلاقى معهم في رغبة التخريب أهمّ من مصلحة البلد.
وأن أحقادهم وأحقاد من يوجّههم بالريموت كنترول أهم من عرق الرجال المنقذين وتعب الرجال المخلصين ونكبة من غرق بيته أو فقد سيارته أو تضرّرت ممتلكاته.
وأن انتهازيّتهم للفرص وانتهازيّة من يستخدمهم أداة لمآربه أولى من حالات الطوارئ التي مرت بها الكويت ولذلك لا بدّ من ترجمة هذه الانتهازيّة في أسوأ توقيت.
وأن قلوبهم السوداء وقلب من أعماه الانتقام لم تستطع تقبّل جوهر النطق السامي وجواهر المعاني التي وردت فيه عن ضرورة عدم تحويل الديموقراطية نقمة بدل نعمة وعن أهمية الاستقرار والتعاون في هذه المرحلة الدقيقة داخلياً وخارجياً.
قلة، بينها نواب منتخبون، ومن يطلقون على أنفسهم «ناشطين» في وسائل التواصل، وشخصيات تبدّل موقفها كل يوم حسب الظّروف والدّوافع و«الدّافع»، ارتضوا لعب دور الأداة عند شخص مستعد لإشعال النار كي يصل إلى السلطة فيما «حركاته» صارت مكشوفة وممجوجة حتى لدى أطفال الكويت بل صار مسبّة تطلق على الكاذب والمزوّر والملتفّ و«المعتذر المخادع». وبعضهم تحرّكه مجموعة في لندن فيطلق لسانه بالتعابير نفسها التي استخدمت في رسائلهم واطّلع عليها الجميع وفي ظنّهم أن الوضاعة في السلوك والإسفاف في القول يمكن أن يكونا جسر عبور إلى تغيير الأوضاع.
التشريع والرقابة والمحاسبة والانتقاد كلّها مطلوبة ومحمودة بل حتى ان النطق السامي ركّز على ضرورة تطويرها في إطار الحريات والدستور والقانون والمؤسّسات. لكن أن تصبح الأمور شخصانيّة ومكشوفة إلى هذه الدرجة فهذا يعني أحد أمرين: إما استذباح المؤزّمين لتنفيذ وعد قطعوه لـ«أسيادهم» وإما أنهم يعانون من قصور شديد في فهم معنى الديموقراطية والممارسة الدستورية، وفي الحالتين غلّف هؤلاء خطابهم بلغة تشبه أخلاقياً نعيق الغربان فوق النكبات متناسين الحديث الشريف: «ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق».
في ميزان الغالبية من أهل الكويت رسالة النّقاء والتحضّر والوطنيّة والصّدق والترفّع، وفي ميزان قلّة القلّة رسالة مبلّلة بما يشبههم.

«الراي»

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي