No Script

ألوان

أثر الفنون التشكيلية على الصحة

No Image
تصغير
تكبير

كنت وما زلت أؤمن بأهمية الفن التشكيلي بكل فروعه في الحياة، فهو نتاج إنساني، وإبداع مواهب عبر التاريخ البشري التي قامت بتوثيق الحضارات القديمة الفرعونية والعراقية والاستيك والمايا وبقية الحضارات البشرية، كما أن الفن التشكيلي ليس كل شخص يستطيع ممارسته، والدخلاء يتم اكتشافهم مع الوقت.
ولقد تناقلت وسائل الاعلام خبراً - لفت انتباهي كثيراً - حيث قامت بنشره إحدى الصحف المحلية عن مشروع تجريبي عبارة عن شراكة بين جمعية الناطقين بالفرنسية في كندا ومتحف الفنون الجميلة في مدينة مونتريال الكندية، وهو مشروع يهدف إلى ابتكار وتجربة علاج المصابين بمشكلات جسدية أو نفسية، يستفيدون خلالها من الأثر الإيجابي للفنون التشكيلية على الصحة العامة للانسان، مثلها مثل ممارسة الرياضة، ويشرف على ذلك المشروع أكثر من مئة طبيب يؤمن بجدوى المقاربات العلاجية البديلة.
وعلى القدر الذي فرحت به بهذا الخبر زادني حزناً الواقع الأليم الذي نعيشه في الكويت، لأنني كنت - وما زلت - أؤمن بأن الفن التشكيلي ليس مجرد كماليات معاصرة، بل هو عنصر مهم في الحياة، كما أنني مؤمن بأن الفن التشكيلي والموسيقى والغناء والطبيعة لهما اثر نفسي إيجابي على النفس البشرية، التي تعرفت وتفاعلت مع الطبيعة منذ بدء الحياة على كوكب الارض، لذا فإننا نرى تفاعل وتأثر النفس البشرية بالطبيعة مثل الشمس والأراضي الخضراء والبحار وصوت الطيور والشلالات وبعض الحيوانات خصوصاً الأليفة منها، كما نشاهد الابداعات في استخدام القصب لعمل آلة موسيقية في كل دول العالم المتعدد الثقافات، ولعل ابرزها الموسيقي الروسي الخالد بيتر اليتش تشايكوفسكي، الذي ولد في عام 1840م وتوفي في عام 1893م، وهو صاحب سمفونية «بحيرة الاوز»، والتي يطلق عليها الكثير من العرب «بحيرة البجع» إلا أن أحد الأصدقاء العرب، والذي درس في الاتحاد السوفياتي سابقاً، أنها تحمل اسم بحيرة الاوز، والأهم أنها سمفونية ما إن تسمعها النفس البشرية إلا وتحلق في عالم آخر، كما أنها تعمل على تركيز الانتباه، وهناك موسيقى أخرى تقوم بأثر إيجابي آخر هو الراحة والاسترخاء، وربما السعادة التي ننشدها في حياتنا التي باتت معقدة.
والأمر نفسه ينطبق على الفن التشكيلي خصوصاً الرسم، فهو الأكثر انتشاراً وحضوراً في الحياة، ولكن الوضع لا يمكن تحقيقه أو تجربته في الكويت، فلا يوجد لدينا مبادرة من قبل وزارة الصحة أو أي جمعية طبية أو مستشفى الطب النفسي أو أي طبيب نفسي، خشية من ردة فعل المجتمع، لأن تعاملنا مع الفن التشكيلي في الكويت ما زال دون مستوى الطموح، فعلى سبيل المثال فاننا نادراً ما نشاهد أسرة تقوم معا بزيارة معرض فن تشكيلي، بل إن من يحضر لا يقف كي يتأمل في تفاصيل لوحة فنية أو تمثال، وإن كان من يقوم بذلك فهم قلة وحالة نادرة.
فرق كبير بين دور الاطباء والمتاحف في كندا وبقية الدول المتقدمة، وبين دور الاطباء والمتاحف في الكويت مثلا، فالكثير من المواطنين والمقيمين لا يعرف أين تقع بعض المتاحف في الكويت، وقد تكرر ذلك معي فكم من صديق أو معرفة اتصل بي ليسألني عن موقع متحف الفن الحديث في الكويت، لأنه يريد ان يحضر تلبية لدعوة وصلته من فنان تشكيلي صديق!
الأمر الذي يشير إلى واقع الثقافة الكويتية بشكل عام والواقع التشكيلي الكويتي بشكل خاص، كما أنني أطالب مدير العلاقات العامة في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بعمل حملة للتعريف بالمتاحف في الكويت، بالتعاون مع وزارة الإعلام خصوصاً أن معالي وزير الاعلام يرأس المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب.
وأتمنى أن تبادر وزارة الصحة بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، بتجربة العلاج بالفن التشكيلي، فربما يكون علاجاً ناجعاً لبعض المعضلات النفسية، التي عجزت عنها وسائل العلاج الكلاسيكية، عندها سنكون قد قمنا بمحاكاة الدول المتقدمة في هذا المجال، إضافة إلى أننا سنكون الدولة الرائدة خليجياً في عملية استخدام الفنون التشكيلية في العلاج النفسي، فنحن في الكويت نمتلك كفاءات كويتية وعربية مميزة في هذا المجال.

* كاتب وفنان تشكيلي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي