No Script

مركز الشيخ جابر الثقافي استضاف الروائي الكبير في أمسية أدبية

بثينة العيسى: إسماعيل فهد إسماعيل مواطن كونيّ يتجاوز جغرافيّاً الوثائق الرسمية والتصنيفات الجاهزة

تصغير
تكبير

ضمن الأنشطة الثقافية والفنية التي يقيمها مركز الشيخ جابر الثقافي للجمهور، وفي إطار سلسلة فعاليات «حديث الإثنين»، أحيا الروائي إسماعيل فهد إسماعيل أمسية أدبية سردية عنوانها «الكتابة بصفتها نمط الحياة»، حاضرت فيها وأدارت حولها الحوار الروائية بثينة العيسى.
في البداية، قرأ إسماعيل في الأمسية شيئاً من عمله المقبل «صندوق أسود آخر»، ثم تحدث بإسهام الروائي المتمترس خلف خبر طويلة في التعاطي مع السرد عن تجربةِ مع الكتابة، تلك التي تميزت بالكثير من المحطات، والرؤى والتحولات، والنجاحات على مختلف الأصدة الروائية العربية.
ومن خلال إدارتها للأمسية، قرأت العيسى ما يشبه النص الأدبي توجهت به إلى إسماعيل مبدعاً وإنساناً، لتقول: «... كان طفلاً، وكانت القراءة هي قدرُه. يبدأ والده في فقدِ بصره، يتهيّأ للعمى، ويعلّم ولدهُ القراءة قبل أن يدخل المدرسة. بين سنّ الرابعةِ والخامسة، كان الصغير قد صار قارئاً. يُمسك الأب الضرير بيد ولدِه متخلفًا عنه خطوة، يمشيانِ معًا في شوارع وطرقاتِ البصرة، لكي يقرأ لافتاتِ الشوارع، يعثر على الجهات».
وأضافت: «منذ البداية، هيأ الأب صغيره ليكون حكواتياً. كان البيت هو المكان الذي يجتمعُ فيه الجيران والفلاحون كي ينصتوا للطفلِ الذي يقصُّ عليهم الحكايا الشهيرة بتفاصيل جديدة من صنعه. كان ينهلُ من حكايا ألف ليلةٍ وليلة، يستلُّ حكايةً من بطنِ أخرى. عندما كبرَ عرفَ كيف يسمّي ما حدث».
واستطردت قائلة: «سرعان ما أحبَّ الأمر وشغف به. صار يستدعي الصبية ليقرأ لهم ما يحفظ، وما اخترعه من حكايات. لم يكن يعرفُ، حتى ذلك الحين، أنه قد تورّط في الأمر إلى الأبد. أن حياة الراوي ستكون قدره.
«بعد أن أتمَّ قراءة ألف ليلةٍ وليلة، قرأ الأغاني للأصفهاني. وكتابا في السِّحر والكهانة بعنوان مجرّبات الديربي. لقد وجد الطفل طريقه إلى المكتبة. سألته: كيف تحوَّل الطفل القارئ إلى الطفل الكاتب؟ متى كتبت نصّك الأول؟ كان في الصف الثاني المتوسط عندما حدث ذلك. طُلب منه أن يكتب موضوعاً تعبيرياً، فجاءهم بقصيدة... تحمّس لها أستاذه إلى حدِّ إرسالها للنشر في مجلة تصدرُ في بغداد، كان ذلك في العام 1952».
وتابعت العيسى: «كبر الصغير قليلًا، إنه الآن في الثانية عشرة من عمره، وقد نشأت صداقة قائمة على الكتب بينه وبين ناظرة مدرسة البنات. كانت تستعيرُ منه كتبًا، وتعيرهُ كتبًا. من يحبُّ القراءة هل يحبُّ الكتابة؟ سألته محرّضة. قال نعم. كان قد قرّر أن يكون كاتبًا قبل أن يكتب أي شيء... صار الصبيُّ رجلًا. حاز على البكالوريوس في الأدب والنقد من المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت. اشتغل في التدريس، وإدارة الوسائل التعليمية».
 في الثلاثين من عمره، نشر روايته الأولى «كانت السماء زرقاء». في تلك الأيام لم أكن يعرفُ أنها رواية. يقول. «كان الجميع يكتبُ قصصا وقصائد، ولم أكن معنياً بتصنيفِ ما أكتب».
وأشارت العيسى إلى إبداعات إسماعيل، قائلة: «المفارقة أنَّ تصنّف روايته الأولى - التي لم يعرف حتى أنها رواية - كرواية تجريبية، كتبت في مكانٍ ليس له امتدادٌ مع تقاليد فن الرواية، وببناءٍ فنّي محكم. منذ خطواته الأولى اعتبر مجرِّباً، ولعله لا يستطيع ألا يكون كذلك. منذ سمائه الزرقاء، وحتى عهدة حنظلة، ونحنُ نراهُ مصرّاً على التجريب؛ في الجُملة، والحوار، والبناء، واللغة، والصَّمت. يكتب كل عملٍ مغامرًا بقارئٍ أحبه في شكلٍ سابق، من أجل قارئٍ سيحبّه في شكلٍ جديد».
وأضافت: «في 1985 قرّر الكاتب أن يستسلم لقدره، وأن يتفرغ للكتابة. عاش بانتمائين؛ أحدهما للكويت، وآخرهما للعراق. ورغم القرب الثقافي والاجتماعي الحميم بين المكانين، وهو أكثر العارفين به، بأمه العراقية وأبوه الكويتي، إلا أن العلاقة بين المكانين قد سادها الإشكال والتوتّر لعقود. فكيف كان وقع ذلك عليهِ؟ وسِم إسماعيل فهد مراراً بأنه كاتب ينحاز للهامش، ويحيلهُ إلى متن. في زمنِ الهويات القاتلة والتصنيفات الجاهزة والمطالبات الفاشية بنقاوة الانتماء ووحدة الولاء، هل كان كويتيا؟ هل كان عراقياً؟ أم أنَّ الأسماء تضيقُ بمضامينها، كشأنها»؟
واسترسلت: «علاقته مع الكويت ابتدأت، بعد زمن طويل من نزوحه إليها، كتابةً، بعد حرب الخليج. وثّق يوميات الاحتلال في سباعيته المعروفة إحداثيات زمن العزلة، وقام بذلك من أقاصي عزلته، في الفيلبين، بعيدا عن المكان وزمنِه. ولكنه في المجمل، كتب بصفته مواطنًا كونيا، يتجاوز جغرافيا الوثائق الرسمية والتصنيفات الجاهزة. غرسَ عوالمه الروائية في مصر ولبنان وفلسطين والعراق والكويت. كانت الكتابة سفرا. حاز على جائزة سلطان العويس الثقافية، وعلى جائزة الدولة التقديرية والتشجيعية، تأهلت بعض أعماله للقوائم القصيرة والطويلة في جائزة البوكر للرواية العربية وجائزة الشيخ زايد».
وختمت العيسى: «ورغم ذلك... وحتى هذا اليوم، لم يكتب إسماعيل فهد روايته الحلم، مُذ كان شابّاً يتلمس طريق الكتابة في العراق؛ رواية بطلتها نخلة. في الكويت ربما، في العراق ربما، أو في اللا مكان، تطلُّ على العالم من فوقهِ، وتظلل بسعفها إنسانه المنسي، المهمّش، المرتحل أبداً في الطريق، الطريق ذاته ربما، الذي كان يقطعه ويدُ والده تتوكأ على كتفهِ، ليقرأ له لافتات الشوارع، ويعثر على الجهات».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي