No Script

أول فنان تشكيلي كويتي رسخ اسمه في ذاكرة الوطن رغم رحيله عن 34 عاماً

معجب الدوسري رائد... الفن والتربية

تصغير
تكبير
نسلط الضوء اليوم على رائد من روائد الفن التشكيلي الفنان معجب عبدالله الدوسري بزغ نجمه وظل في أفقه وقد توارى عن الانظار بشخصه لكن علمه مازال حاضرا**، لقد رحل عن الدنيا عن 34 عاماً وهو في عز عطائه وشبابه نتطرق الى دراسته ومحطاتها ثم عمله مدرسا وكذلك للمعارض التي اقامها:



ولد معجب عبدالله الدوسري سنة 1922 وتوفي والده وهو صغير لم يتجاوز العامين سافر مع عمه عبداللطيف الى البصرة وعاش في كنف خاله عبدالرحمن الدوسري الذي اشرف على رعايته وتعليمه حيث كان يقيم لإدارة املاك العائلة في بساتين النخيل وبقي معجب في البصرة حتى اتم تعليمه الابتدائي ومنذ هذه المرحلة الدراسية برزت ملامح موهبته حيث تولع واهتم في الرسم وتميز في هذا بين اقرانه، توفي خاله عبدالرحمن الذي رعاه واشرف على استكمال تحصيله العلمي فعاد للكويت وعاش في بيت خاله عبدالقادر.



حمادة

في الكويت كانت دراسته كسائر ابناء جيله الذي التحقوا في ركب التعليم المتوافر في تلك الايام لذا التحق في الكتاب فدرس في مدرسة الشيخ عبدالعزيز حمادة فتعلم القرآن الكريم والقراءة والخط والحساب واللغة الانكليزية... وبعد تأسيس دائرة المعارف التحق في مدرسة الاحمدية وكان ذلك سنة 1936 وكانت مدرسة الاحمدية تتميز عن غيرها من المدارس التي سبقتها ان العلوم الحديثة قد ادخلت بها وهي اللغة الانكليزية والجغرافيا والخطابة وغيرها وقد صقلت هذه المراحل السنية والتعليمية ملامح شخصيته في تحقيق هوايته.



عبد العزيز

زار الملك عبدالعزيز بن سعود الكويت سنة 1936 وكانت زيارته لها صدى واسع في ارجاء البلاد وتفاعلت الحكومة والشعب مع هذه الزيارة حيث انها الزيارة الاولى بعد عهد الشيخ مبارك الصباح وبما ان الفنان معجب الدوسري احد ابناء الشعب كانت له مساهمة ومبادرة مع هذا الحدث اي الزيارة فقام واهدى للملك عبدالعزيز لوحة رسمها هو بنفسه وقد رسمها بالقلم الاسود وقد اهداها اليه بواسطة وكيله الحاج عبدالله النفيسي وبعد مرور فترة من الزمن ارسل اليه الملك عبدالعزيز مبلغ عشرين ريالا تقديرا ومكافأة لرسمه وتركت المكافأة التشجيعية اثرا كبيرا على نفسه وعلى هوايته باعتبار ان التقدير جاءه من شخصية كبيرة وبمنزلة شهادة اعتراف لإبداعه وهذا زاده ثقة واعتزازا في مساره الفني التشكيلي.



المباركية

حينما اصبحت مدرسة الاحمدية والمباركية تحت مظلة المعارف واصبح التعليم النظامي يستقطب له البعثات الدراسية كانت مدرسة المباركية لها السبق في التطور التعليمي في مختلف نشاطاتها واساليبها انتقل للدراسة بها وذلك انها افضل من ناحية ميوله وهوايته في الرسم فالانشطة الثقافية والكشفية والمسرحية كانت متوافرة بها اكثر، وفعلا كان له ذلك حيث حصل الامر الذي كان يبتغيه وينشده في مادة الرسم وفي هذه المرحلة الدراسية درسه المعلم سيد هاشم الحنيان الرسم وقد حببه في اسلوبه التربوي البسيط وجذبه برسمه الجميل ورغم ان مادة الرسم لم تكن اساسية حيث انها تدرس مرة في الاسبوع إلا ان معجب اهتم بها اهتماما شديدا ويعيش مع الرسم بشكل يومي لا ينفك عنه الى جانب ذلك اطلاعه وقراءته للمجلات العربية المتوافرة في تلك الايام.



الشخصية

كان معجب الدوسري شخصية اجتماعية لها مكانة محببة بين معارفه واصدقائه جسدتها اخلاقه العالية وحسن معشره وهدوء طباعه وكان شديد الاعتناء بمظهره ورونقه وشارك حينما كان طالبا في المباركية في مسرحية «فتح مصر» التي اقيمت في العام الدراسي 1940 وله مشاركة في تصميم المناظر للعروض المسرحية التي كانت تقام في مدرسة المباركية على مسارح خشبية موقتة التي شيدت في ساحة المدرسة.



الشرقية

بعد ان انهى تعليمه بمدرسة المباركية عمل مدرسا لمادة الرسم في مدرسة الشرقية حيث ان المعارف كانت بحاجة للمدرسين نظرا لمغادرة البعثة الفلسطينية البلاد فترك ذلك نقصا في اعداد المدرسين خصوصا مع تزايد الطلبة على المدارس وقد فتحت مدارس جديدة مثل الشرقية والقبلية ومارس العمل في التدريس عاما دراسيا وقد احضر خلال تدريسه لوحة من اعماله تضم صورة للشيخ عبدالله الجابر رئيس المعارف في تلك الأيام.



مصر

كان معجب من ضمن البعثة الدراسية الثالثة المبتعثة لاستكمال دراستها في مصر وقد اسهمت هذه الدراسة التي قضاها في مصر وكانت مدتها خمس سنوات في المحافظة على هوايته لأنه في هذه البعثة لم ينخرط في اعمال اخرى قد تأثر بها والمدرسة التي درس بها كانت مدرسة الصناعات الزخرفية - قسم الزخرفة - وهي مدرسة نموذجية وبها مادة الرسم مادة أساسية.



انكلترا

بعد عودته من مصر ارسل للدراسة الى لندن وكان ذلك العام 1951 وهو بعث لدراسة الفنون وبعد عامين قضاهما في لندن عاد للبلاد من اجل ظروف صحية ألمت به لكن كانت فترة مليئة بالزيارات للمعارض والتدريب في المراسم وقد اخذت «كورسات» في رسم الاجساد والتصميم الزخرفي ودراسة الالوان كما التحق بكلية الفنون مدة سنة لدراسة الزهور والأشجار واشترك في محاضرات عن تنمية الطفل والفن العام والتحق بمعهد «شلس» للفنون.



العودة

كانت الفترة التي قضاها في انكلترا تجربة غنية وجعلت عنده اهتماما بالرسم الزيتي وتوسعت ثقافته واطلاعه على الفنون وايضا على اساليب التربية وهذا يتضح من خلال تدريسه بمدرسة المباركية وثم ثانوية الشويخ عين مدرسا لمادة الرسم للفصول الثانوية في مدرسة المباركية ونجح في اول اختبار له عندما انجز معرضا للفنون التشكيلية بمدرسة المباركية سنة 1953 وكان معه زميله الاستاذ شريف الخضراء وكان المعرض مشاركات للطلاب من المدارس التي كانت في تلك الفترة وبه اساليب مختلفة الطباعة على القماش والاعمال الخشبية المتنوعة والرسم بالزيت والطباشير الملونة.



المشاركة

ولكن المشاركة الأهم والأبرز التي شكلت علامة مفصلية في تاريخ الفن التشكيلي، تتجسد في اقامة المعرض الفني الاول في تاريخ الكويت، حيث اقيم بمدرسة المباركية في شهر مايو 1943، واشرف على اقامة المعرض الاستاذ عقاب الخطيب، حيث انه «علّم الطلبة النجارة البسيطة، مثل الطاولة والصناديق وغيرها، كان معجب يرسم وينقش على المشغولات التي ينفذها الطلبة»، واصبح المعرض حديث الناس لانه «على ما يبدو اول معرض من نوعه يقام في البلاد، واول مظهر من مظاهر العمل اليدوي المتقن».

وكان الفنان معجب الدوسري من اهم الطلبة المشاركين، ولعله كان ابرزهم على الاطلاق، وقد شهد الشاعر الاستاذ الملا راشد السيف رسومات الدوسري فحياه وخصه عن بقية زملائه بقصيدة كتبها بالمناسبة.



معجب انت وانت المعجب

رضي القوم به ام اغضبوا

أنطق الحق لساني

بالذي يدحض الباطل او قد يسلب

شهد الرسم على مقدرة

فاخر الفن بها والعجب

«مسرح التمثيل لا ينكرها

لا ولا الرأي بها يا معجب

انت رسام الكويت الوطني

شهد الاعداء فيمن كذبوا

ألك الفخر أم الفخر له

أم هما كانا معا قد تطلب

وقد اشار الشاعر الملا راشد السيف في التقديم عن سبب إلقائه للقصيدة، «بمناسبة معرض الرسم في مدرسة المباركية، تشجيعا للاستاذ معجب الدوسري بعد تخرجه»، ما يعني ان المعرض الذي كان يجمع الرسم والاشغال اليدوية، واقيم بعد ان انهى تعليمه بمدرسة المباركية.



المحفور

ظل هذا المعرض محفورا في ذاكرة معجب الدوسري، ولم يغب عن مخيلته، لان من خلاله ترسخت اقدامه بالفن التشكيلي، فبعد اثني عشر عاما كتب مقالة بعنوان «الكويت والفن الجميل» استعرض فيها المعرض السنوي الاول.



الشويخ

وعندما انتقلت المرحلة الثانوية من المباركية إلى ثانوية الشويخ في السنة الدراسية 53/ 1954م، شكل جماعة اطلق عليها «جماعة الرسم»، وكان يوفر لهم كل ادوات الرسم من خامات وألوان، كما كان «يحدثهم عن المدارس الفنية المختلفة وعن مشاهير الفنانين، اساليبهم في الرسم وعن تاريخ الفنون، وعن المتاحف التي زارها، وينصح بمشاهدتها، وعن التقنية الحديثة في هذا الميدان»، بالاضافة إلى ذلك يضع تحت تصرفهم وفي متناول ايديهم، مكتبته الفنية الخاصة داخل صف الرسم في ثانوية الشويخ، والتي تحتوي على كتب ومجلات كثيرة تشتمل على تاريخ الفن والفنانين.

ظل قريبا من جماعة الرسم، واختار ان يكون في السكن الداخلي لثانوية الشويخ، لكن يبقى قريبا من المدرسة، ومن الطلبة، واستمر في اقامة المعارض الفنية، ولم ينقطع عن اقامتها على الرغم من اعتلال صحته التي بدأ تلاميذه يشعرون بها، فأشرف على اقامة المعرض التشكيلي الاول بثانوية الشويخ في مايو 1954م، ويعد المعرض الثاني له الذي اقيم تحت اشرافه بعد معرض مدرسة المباركية، وقد حقق المعرض نجاحا على جميع الاصعدة من الاعداد والتنسيق والحضور والقبول، بل تجاوزت اللوحات المعروضة من حيث المستوى والموضوع والتنوع عن معرض المباركية، وتابع اشرافه ايضا على اقامة المعرض التشكيلي الثاني له بثانوية الشويخ في مايو 1955م، وكرر النجاح نفسه والصيت في المعرض التشكيلي الذي سبقه.



القرار

بعد ذلك، صدر قرار من قبل مجلس المعارف في 19 ابريل 1955، ايفاد الاستاذ معجب الدوسري إلى انكلترا لدراسة فن الرسم ابتداء من منتصف يونيو 1955 حتى منتصف سبتمبر 1955م، زار خلالها «بيرزيرز بارك Brazier،s Park» المكان الذي سكن به في سنواته الاولى بانكلترا، ليسترجع ذكرياته ويتواصل مع صداقاته القديمة، ومن ثم عاد إلى الكويت، ولكنه انقطع عن العمل في التدريس تدريجيا وانعزل عن الناس، بعد ان تسلل المرض الخبيث في داخل جسمه الضعيف خلسة فادخل إلى المستشفى الاميري، واجرى عملية صعبة باستقطاع جزء من المعدة، ولكن بقي ايمانه بالفن لا حدود له على الرغم من الآلام التي تعتصره، فعندما زاره زملائه بالمستشفى الذي يعالج فيه سمعوه يقول على فراش المرض «إن اقصى ما كان يتمناه لحظة كان ينزف دما هو لو انه استطاع ان يمسك فرشاته ليغمسها في دمه ويرسم لوحة تمثل الألم»، وفي شهر يوليو عام 1956، انتقل إلى مستشفى الصليبخات بعد افتتاح اول جناح به، ولكن شاءت ارادة الله ان يرعاه برحمته في العاشر من اغسطس 1956م، وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، بعد حياة قصيرة، ولكنها خالدة في وجدان مجتمعه، مرسومة بأحرف من نور في الصفحة الاولى من سفر تاريخ الفن التشكيلي في الكويت.



المصدر

المصدر الذي اعتمدنا عليه للحديث عن الفنان معجب الدوسري هو الكتيب الذي حمل عنوان «نصف قرن على رحيله» وهي ندوة حاضر فيها الأستاذ يحيى سويلم والأستاذ خالد عبدالمغني وراجعها الدكتور محمد المهدي.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي