No Script

تقرير / بعدما تحول اللاعب الأهم في الداخل والرقم الصعب على المستوى الإقليمي

المؤتمر العام لـ «حزب الله» جدد لنصرالله

تصغير
تكبير
|بيروت ـ من إبراهيم بيرم|
كان يتعين ان يكون العام الماضي هو موعد انعقاد المؤتمر العام لـ «حزب الله»، (ينعقد مرة كل اربعة اعوام) لكن المستجدات السياسية الحادة التي فرضت نفسها بقوة في ذلك التاريخ على الساحة السياسية اللبنانية، لا سيما لجهة الانقسام السياسي واحتدام النزاع بين فريقي المعارضة والموالاة اكره الحزب على ارجاء المؤتمر الى السنة الحالية، حيث انعقد قبل اسابيع، ويفترض انه صار قاب قوسين او ادنى من الفراغ من اعماله لتظهر لاحقاً نتائجه سواء على مستوى الوثيقة السياسية التي يتعين ان تحمل في طياتها رؤى جديدة او على صعيد التغييرات في القيادة السياسية والعسكرية على حد سواء.
ورغم ان ثمة حصاراً اعلامياً محكماً حول مسار اعمال هذا المؤتمر، على جاري عادة الحزب حيال محطة اساسية من محطات عمله، فان ثمة بوادر اولية بدأت تظهر تباعاً حول نتائج هذا المؤتمر، يمكن الارتكاز عليها واعتبارها مؤشرات لما يمكن ان تتمخض عنها هذه الورشة التنظيمية التي تواكب عادة مؤتمر الحزب العام.
ربما صار معلوماً ان دوائر القرار في «حزب الله» قد ابدت عدم ارتياح يصل الى حدود الغيظ من معلومات نشرتها صحيفة ايرانية (محدودة الانتشار) لجهة تسمية الخليفة المنتظر للامين العام لـلحزب والرجل التاريخي فيه السيد حسن نصرالله. فالمعلوم ان هذه الصحيفة اوردت اسم رئيس شورى القرار في الحزب السيد هاشم صفي الدين، كمرشح اوحد ومؤكد لخلافة نصرالله . ولكن الاكيد، وحسب اوساط الحزب، ان هذه الشخصية (وهو ابن خالة السيد نصرالله) التي تبتعد كثيراً عن الوجاهة والمقدرة الاعلامية، وتنصرف لادارة «حكومة» الحزب التنفيذية المتشعبة والواسعة، يتم التعاطي معها داخل الحزب ومنذ زمن ليس بالقصير على انها الخليفة المهيئة كي تحل محل السيد نصرالله اذا طرأ طارئ.
والواضح ان الحزب لم يعرب عن استيائه من ذكر هذا الرجل، الذي يشابه السيد نصرالله خُلقاً وخَلقاً وحتى في اللكنة كخليفة محتمل لقريبه في رأس الهرم القيادي للحزب، الا ان ثمة جهات معادية، اغتنمت ورود هذا الامر على هذا النحو، لتبني عليه «الرواية» التي شغلت اوساط الحزب طويلاً، حول ان صحة السيد نصرالله ليست على ما يرام وانه ربما اصيب بتسمم، الامر الذي استدعى ظهور السيد نصرالله على شاشة محطة «المنار» ليدحض الامر بلسانه ويطمئن جمهور الحزب العريض.
وفي كل الاحوال وكما كانت قواعد الحزب وقيادته في السابق تعامل السيد نصرالله ليكون يوماً اميناً عاماً، قبل ان يصل الى هذا المنصب عام 1992 بعد اغتيال سلفه السيد عباس الموسوي، فان في الحزب من يشير في لبنان الى السيد صفي الدين كخليفة للسيد نصرالله، لدرجة ان الامر يبدو وكأنه في حكم المحسوم.
ولعل اول المؤشرات الصادرة عن المؤتمر العام للحزب، هو ان المؤتمر حسم امراً كان مثار جدل وبحث في السابق وهو ابقاء نصرالله في منصبه الحالي، والتمديد له بفتوى جديدة جاءت من مرجعية السيد علي خامنئي، ما اسقط اقتراحاً كان وارداً يقول باطلاق تسمية المرشد العام للحزب او اصطلاحاً قريباً من هذه التسمية على السيد نصرالله، ليطوي ذلك ونهائياً إشكالية تتجدد مع كل مؤتمر للحزب بحيث يكون الحزب مضطراً الى اجتراح تدبير تنظيمي للتمديد للسيد نصرالله لولاية جديدة، ولتجاوز النظام الداخلي للحزب الذي نص اصلاً على انه لا يحق لامينه العام التجديد لاكثر من ولايتين متواليتين.
وفي كل الاحوال، وان كانت هذه المسألة لم تعد تنطوي على اهمية كبرى، بعدما صار السيد نصرالله في نظر مريديه وخصومه قائداً استثنائياً حقق للحزب انتصارات كبرى مدوية، فان المؤشرات التي رشحت عن المؤتمر تشير الى انه استطاع ايضاً وهو الاهم، ملء الفراغ المدوي الذي نجم عن غياب قائده العسكري التاريخي عماد مغنية (الحاج رضوان) الذي سقط في فبراير الماضي في دمشق في عملية اغتيال دقيقة بقيت تفاصيلها حتى الان طي الكتمان.
ولم يعد خافياً ان هذه العملية اوجعت الحزب، وطرحت عليه تحدياً كبيراً وهو البحث جدياً عن خليفة لمغنية يضطلع بالادوار الكبرى الباهرة التي قام بها هذا القائد الذي انخرط في عملية تأسيس الجناح العسكري للحزب وفي نقله من حالة الى حالة ارقى، مستخدماً الرصيد المعرفي في العسكر الذي اكتسبه ابان رحلته الطويلة في حركة «فتح» وبالتحديد منذ ان انخرط في ما كان يعرف بـ «الكتيبة الطالبية» فيها.
وبالطبع اوجد «حزب الله» خلال رحلته الطويلة في مجال مقارعة الاسرائيليين ومواجهتهم عسكرياً اطاراً قيادياً محترفاً في امكانه سد الفراغ المدوي الى حد ما، ولكن الامر يبقى منقوصاً او مبتوراً على الاقل ما لم تنجح قيادة الحزب في تقديم قيادي بارع يكون على الاقل موحياً بالثقة، ومؤتمناً على اكمال المسيرة الجهادية، خصوصاً انه ما زال للذراع العسكرية في الحزب الوزن الاكبر، والكلمة الفصل في دورة قيادة الحزب صاحب المنشأة العسكرية والذي جعل ثقافة حماية المقاومة وإدامة عملها ودورها تعلو على كل ما عداها من ثقافات ورؤى اخرى. وعليه فان قيادة الحزب ارجأت تسمية خليفة لمغنية الى المؤتمر العام. وبحسب المعلومات الاولية فان ثمة اتجاهاً قوياً لتسمية القيادي «المخضرم» والتاريخي مصطفى شحادة، وذلك لاعتبارات عدة ابرزها:
? ان شحادة هو من الرعيل الاول في قيادة العمل العسكري وعين المقاومة في الحزب، اذ شارك في مرحلة التأسيس ورافق مراحل ما بعد ذلك الى اليوم الحاضر لذا فهو من الكادر الذي لا يرقى الشك الى احترافه.
? ان شحادة شخص مهاب في كل الجناح العسكري للمقاومة والحزب وموثوق من قيادة الحزب.
? ان الرجل محاط بما كان محاطا به سلفه مغنية من غموض ومن مهابة وتقدير، وبعيد عن الاضواء الاعلامية، وهي من مستلزمات القيادة العسكرية في الحزب ومقاومته.
? ان هذا القائد نما في كنف الحزب وتحت عبائته، وهو يعي تالياً كل طموحات الحزب ويعرف جيداً كيف ينفذ توجهاته ورؤاه المتوسطة والبعيدة المدى.
وفي مقابل هذه المعلومات فان ثمة في اوساط الحزب من بات يجنح الى القول ان الحزب نجح خلال رحلته الجهادية الطويلة والشاقة في انشاء جهاز عسكري متطور له هيئة اركان، قادرة على ادارة الاطار العسكري للحزب، بحيث لم يعد الشخص كـ«رمز» مهما، اذ تم تحضير «تداولية» القيادة على النحو الذي يجعل استشهاد قائد، او اغتيال كادر محدود السلبية على مسيرة الحزب العسكرية.
وفي كل الاحوال، واذا كان الحزب نجح في المؤتمر الحالي في ملء الفراغ الناجم عن غياب عقله العسكري الضخم، فانه ما زال امام تحدٍ آخر يتمثل في تطوير رؤيته السياسية وعلاقته بالاخرين، حلفاء واصدقاء من جهة، وخصوم واعداء من جهة اخرى. فبعد الانسحاب العسكري السوري من لبنان في ربيع عام 2005 ، وجد الحزب نفسه امام مهمة جديدة ضخمة، وهي ملء الفراغ الكبير الناجم عن غياب عنصر «الضبط» السوري من لبنان.
وبعد حرب يوليو عام 2006 عليه وتصدُّر الحزب مهمة زيادة حلفائه، صار امام مهمة اخرى اكثر صعوبة في مواجهة الاحداث وتحوّل رأس حربة مشروع المعارضة ومحورها الاساسي، لذا لم يعد سهلاً على الحزب ان يعود الى الحقبة التي كان فيها «متعهداً» اوحد للمقاومة ضد اسرائيل فيما الآخرون متعهدون لادوار اخرى. كان الحزب في تلك المرحلة، متخففاً من كثير من الاعباء ومتحللاً من المهمات الجسام ذات البعد الداخلي ومحافظاً على صورة الزاهد بالسلطة والمنزه عن الصراعات الداخلية المباشرة التي تجعله على تماس مع الحلفاء وفي حالة «احتراب» مع دائرة لا يستهان بها من الخصوم.
الاوضاع اختلفت رأساً على عقب، صار الحزب الذي كان متوارياً الى حد ما في السابق عن واجهة الصراعات السياسية، في قلب الحدث وفي رأس المواجهة مع الآخرين يتلقى سهامهم، ويضطر الى الهجوم عليهم.
لذا فان الحزب مضطر في مؤتمره المتوالي فصولاً حالياً ان يواجه مهمته الجديدة الملقاة على كاهله المثقل بالاعباء، بأمور عدة، ابرزها:
اولاً: صوغ وثيقة سياسية جديدة تأخذ في الاعتبار ان الحزب محور مروحة واسعة من التحالفات في عدادها شرائح من مختلف الطوائف ومن اقصى اليمين الى اقصى اليسار.
ثانياً: ان الحزب لا يمكنه بعد اليوم الانكفاء الى قواعده الاصلية في الضاحية الجنوبية او على تخوم الجنوب مطمئناً مستقراً الى اللعبة التي برع فيها وأجاد وهي مواجهة اسرائيل.
ثالثاً: ان الحزب لم يعد قوة محلية بل صار رقماً صعباً للغاية في المعادلة الاقليمية، الممتدة من لبنان الى حدود الصين وهو يملك قوة غير عادية لها محل من الاعراب في كل الحسابات الدولية والاقليمية، الامر الذي يجعله دائماً تحت المجهر الدولي. وعليه فان مؤتمر الحزب امام مهمات كبرى. وتؤكد مصادره انه يأخذ في الاعتبار ويدرك ابعادها تمام الادراك وابرزها:
- ان الوثيقة السياسية التي يعدها مؤتمره والتي صارت شبه منجزة، تقارب كل التطورات والمستجدات التي طرأت على الساحة السياسية اللبنانية وعلى ساحة الحزب الداخلية وفيها. فهو يدرك اهمية توسيع قيادته السياسية والاجتماعية كي تتناسب مع التضخم الذي طرأ على جسم الحزب وجعله اشبه بدولة ضمن دولة وجعله يبلغ مدى لم تبلغه كبريات الاحزاب اللبنانية منذ خمسينات القرن الماضي.
لذا فإن الحزب عاكف في مؤتمره على أمرين:
الاول: اجتراح المزيد من المراكز القيادية التي ستتولى ملفات محددة لملف العلاقات الدولية الذي اعلنه الحزب اخيراً، وشرع مسؤوله الشيخ حسن عز الدين بتحريكه. وبالنسبة للحزب الامر ليس مستجداً وغريباً فالكثير من الملفات والمسؤوليات استحدثت تباعاً خلال مسيرة الحزب وتطوير ادائه وعمله وتوسع مهماته.
الثاني: ان على الحزب ان يرفد قيادته دائماً بدماء جديدة وشخصيات جديدة، لا سيما في المؤسسات والواحدات الحزبية التي هي على تماس مباشر مع الآخرين. والحزب، بحسب مصادره، كان دائماً الاكثر جرأة على التغيير والتبديل خلافاً لمعظم الاحزاب والقوى اللبنانية، فمع مؤتمره هناك المزيد من الشخصيات والوجوه الجديدة التي تتقدم الى صدارة العمل الحزبي السياسي العام.
ومهما يكن من امر، فالمؤكد ان هذا المؤتمر العام لـ «حزب الله» هو استثنائي بكل المقاييس وعليه ان يجيب على اسئلة استثنائية تجعله قادراً على مواجهة المرحلة المقبلة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي