No Script

سفير الأعوام الـ 12 للبنان في السعودية قلّب تاريخ الروابط بين البلديْن

ظافر الحسن لـ «الراي»: الانتكاسة في علاقة الرياض وبيروت أكثر من «غيمة صيف»... وأقلّ من أزمة لن تنتهي

تصغير
تكبير
منذ زمن الطائف والخلاف موجود بين السعودية وإيران التي كانت معارِضة لهذا المؤتمر

كان اهتمام الملك فهد بلبنان دائماً وفي بعض الأيام كان يتصل بنفسه بلبنانيين عاديين ليعرف ما آخر الأخبار

في الأزمات لا يمكن إدارة العلاقات بالاتكال على القنوات التقليدية بل يجب أن تتم الاتصالات على أعلى مستوى

عندما حُرقت القنصلية السعودية في شارع بلس قلتُ لرئيس الحكومة إنه يجب الاتصال فوراً بالملك فهد للاعتذار وإبلاغه أنكم عاقبتم المقصّرين

المملكة كانت تتبع سياسة خارجية هادئة جداً وهي انتقلت إلى مرحلة هجوم لأنها شعرت بأنها تتعرض لخطر داهم
غرّد لبنان خارج سرْب «الإجماع العربي» من خلال مواقف وزير خارجيته جبران باسيل في المحافل العربية، فكان «الثمن» قرار السعودية بإجراء مراجعة شاملة لعلاقاتها معه ووقف العمل بهبة الثلاثة مليارات دولار التي كانت قدّمتها المملكة لتسليح الجيش اللبناني وهبة المليار، لقوى الأمن الداخلي.

ورغم اندفاعة قيادات لبنان إلى تأكيد عروبته، إلا أن الانتكاسة في العلاقة بدت واضحةً، فطُرحت تساؤلات عن ماهيتها، وكيفية تَجاوُزها ولا سيما أن علاقات تاريخية وطيدة تجمع بيروت والرياض.

سفير لبنان السابق لدى السعودية ظافر الحسن، والذي تولّى مهماته الديبلوماسية في المملكة بين 1978 و1990، أكد لـ «الراي» أنه لا يمكن أن نبسط الأمر إلى حد القول إنه «غيمة صيف» ولا أن نعقّده إلى حد القول إنه أزمة لن تنتهي، مشدداً على أن «لكل شيء نهاية، إنما ستأخذ الأمور بعض الوقت».

رجل الثقافة والفكر، أشار إلى أن لبنان «تعرض لهزّات حتى قبل نشوئه بكيانه الحالي، وذلك يُرَدّ إلى تركيبته التعددية من الناحية الطائفية، ورغبة كل طائفة في أن تكون لها هي المكانة الأولى ضمن هذه البقعة الجغرافية الضيقة التي اسمها لبنان»، جازماً في الوقت عينه بأن «لبنان لا يمكن أن ينعزل عن محيطه».

المزيد عن قراءة «سعادة السفير» للتطورات، والمزيد من تجربة الحسن كـ «صلة وصل» بين بيروت والرياض، في الحوار الآتي:

• كمواطن لبناني ورجل ثقافة وفكر وديبلوماسي مخضرم، كيف تنظر إلى الانتكاسة الحالية في العلاقات اللبنانية ـ السعودية، هل هي مجرد «غيمة صيف» أم تتصل بالصراع على موقع لبنان أم ماذا؟ ـ في نظري إن هذه الانتكاسة سببها عاملان أساسيان يتداخلان، واحد داخلي وآخر خارجي. العامل الداخلي هو عدم اتفاق اللبنانيين في الداخل، الأمر الذي ينعكس على عدم اتفاقهم على سياسة خارجية واحدة. والعامل الخارجي هو الخلاف المستحكم بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي لديها برنامج معلن في أن تمدّ نفوذها في المنطقة - والمنطقة التي هي بجوارها من الغرب هي منطقة عربية - وبين العالم العربي، خصوصاً السعودية، كونها في الوقت الحاضر من أبرز الدول العربية. والموقف الأخير للخارجية اللبنانية مستمدّ من الخلاف الداخلي ومن حالة لبنان والحكومة اللبنانية غير التضامنية التي تجعل كل وزير سيداً في وزارته لدرجة أن كل وزير اعتبر نفسه يمثّل رئيس الجمهورية، وهذا أمر غريب ومستغرب وغير دستوري وغير منطقي. وبالتالي جاءت الانتكاسة الحالية في العلاقات اللبنانية - السعودية نتيجة عناصر تراكمت منذ مدة ضمن العاملين اللذين اشرتُ اليهما. وكان من الواجب علينا في لبنان أن نتنبّه إلى ذلك، وأن نتوخى حماية وصون مصلحة لبنان العليا، بمعنى أنه مهما كانت الأفكار لكل حزب أو فئة أو منطقة، كان على الأحزاب والمناطق والطوائف والفئات أن توحّد نظرتها في مجال السياسة الخارجية وخصوصاً عندما يكون الأمر متعلقاً بموقف عربي بمواجهة موقف آخر غير عربي.

• لو كنتم في مقر السفارة اللبنانية في السعودية على ما جرت العادة بين 1978 و1990، كيف كنتم تعاطيتم مع الأزمة الحالية التي تجتازها العلاقة بين بيروت والرياض؟ ـ عمل السفير هو أن يتقصّى ويقوم باتصالات ويبلغ حكومته التي تتخذ في النهاية القرار وتبلغ السفير الذي يروج لهذا القرار في البلد المعتمد فيه. مشكلتنا الحالية تكمن في أنه ليس لدينا قرار. هذه هي الحقيقة، وآخر ما جرى بالأمس يدلّ على ذلك، حيث سمعنا رئيس الحكومة يقرأ بيان مجلس الوزراء، وبعد ساعة أو ساعتين رأينا أحد الوزراء يعقد مؤتمراً صحافياً ويقدّم اجتهاداً حول البيان والسياسة الخارجية. وهذا يدلّ على أن ما من تضامن وزاري ولا قرار وزاري موحد. وبإزاء كل هذه الأمور، ماذا يستطيع السفير في الرياض أن يفعل؟ صحيح أن في المرحلة التي كنتُ فيها سفيراً، مرّت فترة كانت هناك حكومتان في لبنان. ولكن كان لديّ اجتهاد، حيث كنت أقول للمسؤولين السعوديين: «أنا أمثل لبنان ما قبل الحكومتين» (أي أنا أمثّل لبنان أكثر من أي حكومة في لبنان في الوقت الحاضر). فعندما كنتُ أتلقى برقيات من هذه الحكومة أو تلك، كنتُ أدرس البرقية من زاوية هل هي لمصلحة لبنان؟ ثم أقوم بالاتصالات، فإذا لم تكن لمصلحة لبنان كنت آخذ وأعطي مع مرسل البرقية في بيروت لأبيّن له مخاطر التصرف.

• في هذا الإطار، لا تلعب إذاً شبكة الاتصالات التي يبنيها السفير في الخارج دوراً، لأن الأمر يكون قد أصبح على مستوى قرارات الدول؟ ـ من الطبيعي أنها على مستوى قرارات الدول، لكن علاقات السفير تبقى لها بعض الفاعلية بحسب المكانة التي بناها في الدولة المُعتمد فيها.

• من خلال تجربتكم الديبلوماسية العريقة والمرموقة، كسفير في الرياض و كأمين عام للخارجية اللبنانية. ما أبرز المحطات التي يمكن تأريخها في سياق العلاقات اللبنانية ـ السعودية؟ ـ أبرز المحطات في تلك الفترة حين كانت الأحداث تتفاقم في لبنان يوماً بعد يوم وبدأت الكتلة العربية أو المجموعة العربية تهتمّ بالموضوع، فحصل مؤتمر الرياض في العام 1976 وتَقرر فيه إرسال قوة عربية (قوات ردع). وبعد ذلك بسنتين حصل مؤتمر بيت الدين في العام 1978 وشاركتُ فيه. ثم حصلتْ محاولات عديدة عبر لجنة رباعية ولجنة سداسية، وآخر لجنة كانت ثلاثية وهي التي توصلت إلى عقد مؤتمر الطائف ووضع وثيقة الوفاق الوطني. ومؤتمر الطائف هو الذي وضع نهاية للحرب الأهلية في لبنان، أو حروب لبنان أو أحداث لبنان، سمِّها كما تريدين. ومنذ ذلك الوقت والخلاف موجود بين المملكة والجمهورية الإسلامية الإيرانية. فإيران كانت معارِضة لمؤتمر الطائف وكانت تطالب بحصّة أكبر للطائفة الشيعية منذ ذلك الوقت. وقد سُجلت لرئيس معتدل كرفسنجاني حينها تصريحات معارِضة لمؤتمر الطائف. هذه محطات أساسية، لكن بين هذه المحطات لم تتوقف المملكة عن مساعدة لبنان وبشتى الطرق؛ سياسياً من خلال الاتصالات مع الدول التي تسمى الكبرى أو مراكز القرار في العالم سواء في أوروبا أو أميركا أو حتى حينها الاتحاد السوفياتي رغم عدم وجود علاقات مميزة بين المملكة والاتحاد السوفياتي نظراً للخلاف العقائدي، لكنها كانت تقوم باتصالات سواء في الأمم المتحدة أم خارجها من أجل لبنان. هذا فضلاً عن المساعدات المادية، فحينها كان الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، هو الذي يدير السياسة الخارجية ويعاونه المرحوم الأمير سعود الفيصل، وكان اهتمامه بلبنان دائماً ويومياً وفي بعض الأيام كان يتصل بنفسه بلبنانيين عاديين ليعرف ما آخر الأخبار. دائماً كان للمملكة اهتمام إيجابي بلبنان، فهي لم تسع في يوم من الأيام لتغليب طائفة على طائفة أو لتفضيل طائفة على طائفة، لا بل على العكس، وهي استقبلت على أراضيها لبنانيين من كل الطوائف. وحتى خلال الأحداث ورغم الخلافات مع إيران، كان هناك عدد كبير من أفراد الطائفة الشيعية اللبنانية في المملكة يعملون ويكسبون أرزاقهم، ومن كل الطوائف الأخرى.

• أيّ علاقات بين دوليتن غالباً ما تكون معرّضة لصعود وهبوط، كيف كانت تُدار العلاقة اللبنانية ـ السعودية في مراحل الأزمات؟ ـ في مراحل الأزمات لا يمكن إدارة العلاقات بالاتكال على القنوات التقليدية، بمعنى أن ترسل الخارجية برقية للسفير ليقوم بتبليغها، بل يجب أن تتم الاتصالات على أعلى مستوى. وأذكر مثلاً أنه عندما جرى حرْق القنصلية السعودية في شارع بلس، اتصلتُ فوراً برئيس الحكومة وقلت له يجب الاتصال فوراً بالملك فهد من جهة للاعتذار ومن جهة أخرى لإبلاغه أنكم عاقبتم المقصّرين، وذلك لإظهار أن الدولة لا تريد مثل هذا العمل أن يحدث وإن كانت لم تستطع منعه. وهذه الاتصالات تفيد، لأنها تبيّن بأننا مهتمون بالأمر ولا نريد حدوثه. اليوم، الشتائم التي كيلت والاتهامات والتعرّض لقادة المملكة، من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى سواه، هذه تصرّفات يعاقب القانون اللبناني عليها. ولكن الدولة لا تستطيع أن تفعل شيئاً ولم تفعل شيئاً. وهنا يجب الإشارة إلى ما حدث من تطور في سياسة المملكة الخارجية أيضاً، حيث كانت المملكة تتبع سياسة خارجية يمكن وصْفها بالهادئة جداً حتى لا نقول الخجولة، وهي دخلت إلى مرحلة هجوم لأنها شعرت بأنها تتعرض إلى خطر داهم. فأي دولة أو كائن يتعرض إلى خطر داهم يحدث رد الفعل. وأقرأ بعض المعلقين يقولون إن المملكة انتقلت من الدفاع إلى الهجوم، فهذا أمر طبيعي اذ وصلت النار إلى باب الدار، فكيف تريدونها ألا تسعى الى إطفائها؟

• كنتم على رأس السفارة اللبنانية في المملكة في واحدة من أصعب المراحل في تاريخ لبنان الحديث (1976 – 1990)، أي الحرب الأهلية، الاجتياح الإسرائيلي، القوات المتعددة الجنسيات، ومن ثم اتفاق الطائف... ماذا في حقيبتكم الديبلوماسية عن تلك المرحلة؟ ـ تلك كانت مرحلة غنيّة بالأحداث من جهة، وغنيّة بالنشاط الديبلوماسي من جهة ثانية. وأنا كتبتُ عنها ثلاثة مجلدات، كل مجلد مؤلف من 800 صفحة. لذا فمن الصعب تلخيص كل ذلك. لكن كما قلت كان هناك تواصل دائم وزيارات سواء من رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو وزير الخارجية. حيث عُقدت لقاءات عديدة في المملكة على مستوى وزراء الخارجية من أجل لبنان وكان يشارك فيها وزير خارجية لبنان، فضلاً عن زيارات رئيس الجمهورية التي تعددت ورؤساء الحكومات. اي كان التواصل مستمراً، وكانت تتم اتصالات هاتفية دائمة وكنت أُكلَّف كثيراً من رئيس الجمهورية في لبنان بإيصال رسائل. كنتُ أذهب وآتي إلى لبنان كثيراً، لأن دور المملكة كان بارزاً من حيث مساعدة لبنان على التقليل من خسائره وعلى تهدئة أوضاعه وحل المشكلة، حتى وصلنا إلى الطائف ووُضع حدٌّ للحرب الأهلية في لبنان.

• في موسوعتك الديبلوماسية أرّختَ لحقبة ضجت بأحداث، تحولات كبيرة... ألا تعتقد أن لبنان «المتفجر» في الأمن والسياسة منذ أربعة عقود يبدو وكأنه يواجه أزمة «قعر مفتوح» فمن سقوط إلى سقوط؟ ـ نأمل ألا يكون ذلك. هو تعرض لهزّات حتى قبل نشوئه بكيانه الحالي، وذلك يُرَدّ إلى تركيبة لبنان. التركيبة التعددية من الناحية الطائفية، ورغبة كل طائفة بأن تكون لها هي المكانة الأولى ضمن هذه البقعة الجغرافية الضيقة التي اسمها لبنان، سواء اعترفت الطوائف بذلك أم لا تعترف، هذه هي حقيقة الأمر. من دون إغفال عدم اتفاق الطوائف حتى على البدهيات، فكل الطوائف تقول باستقلال لبنان وبسيادته والسلم الأهلي والحرية والديموقراطية، لكن إذا طلبتِ تعريفاً لكل كلمة من هذه الكلمات من الطوائف اللبنانية ستجدين أن كل طائفة تعطيها تعريفاً مختلفاً عن الأخرى، ولا طائفة تريد أن تأخذ التعريف الموضوعي المتعارف عليه في كل العالم. البعض يطرح مثلاً أن الحل في لبنان هو بالعلْمنة والديموقراطية، لكن هل يتفق اللبنانيون على معنى مفهوم العلمنة ومفهوم الديموقراطية؟ الجواب عندي هو كلا. ما المطلوب إذاً؟ المطلوب هو العقلنة. باستعمال العقل نقبل عندئذ بالتعريف الموضوعي للمصطلحات السياسية، ونقبل بأن الدستور إذا نصّ على أمرٍ فإن كلماته لها معانٍ موجودة في القواميس فلماذا نخترع لها معانٍ أخرى؟ هذا من جهة، أما بالنسبة لتوصيف ان لبنان يسقط من قعر إلى قعر، فهذا الأمر صحيح، لأن البلد يهبط ثم يصعد، ويهبط ثم يصعد. في واحدة من قصائدي قلت عن بيروت إنها تعيا وتقضي وتحيا، وتعيا وتقضي وتحيا، والأمر ينطبق على لبنان. والأمل بأن نستعمل في المستقبل عقولنا أكثر وأن نؤمن بأننا وُجدنا في هذا البلد كما يقول الدستور لنعيش فيه وبصورة نهائية. وثانياً أن كل المواطنين سواسية أمام القانون. وثالثاً أننا نريد وضع مصلحة بلدنا قبل أي مصلحة أخرى، وهذا أمر طبيعي. إذ إن كل الناس في العالم تفعل ذلك، فلماذا نكون نحن غير الآخرين؟ ولماذا تنظر كل طائفة إلى الخارج وترتبط إما بدولة أو كيان أو حزب في الخارج؟ يجب أن نضع حداً لذلك، وعندها سينهض لبنان. ودلالة نهوضه في نظري موجودة في التاريخ. فإذا ذهبنا مثلاً إلى نهر الكلب وقرأنا الكتابات على صخوره، نرى أن جيوشاً كبرى مرت من هنا واحتلت وعاشت لسنوات وقرون وفي النهاية كلها ذهبت وبقي لبنان. وبالتالي يجب أن نظلّ على أمل لأن لبنان سيحيا، ولكن نحن علينا أن نحيي بلدنا، لأن البلد بناسه وليس فقط بصخوره ومناخه وغاباته وأنهاره. البلد بالناس والمواطنين وعلينا تقع هذه المسؤولية. الحياة المشتركة في لبنان يجب أن توصل اللبنانيين إلى درجة أن التمازج في ما بينهم يولد تفاعلاً وتثاقفاً كالعملية الكيميائية، حيث أن وضع عناصر مختلفة في وعاء يؤدي إلى الحصول على جسم جديد. ونحن علينا وضع الطوائف والمناطق والأفكار وما يسمونه في لبنان التعددية (وهو مبالَغ فيه جداً. فأي تعددية وكل اللبنانيين يأكلون ويلبسون اللباس نفسه ويعيشون العادات الاجتماعية نفسها)، كي يولّد هذا الأمر شيئاً جديداً اسمه الشعب اللبناني الموحّد بحبه للبنان وعمله من أجل لبنان، من دون أن يعني ذلك أن يكون بلدنا بعيداً عن محيطه، فلبنان لا يمكن أن ينعزل عن محيطه، والمحيط لا يمكن أن ينعزل عن العالم فنحن في عهد العوْلمة.

• اسمح لي بأن أعود إلى السؤال الأول عمّا إذا كانت هذه الانتكاسة «غيمة صيف» عابرة أم غير ذلك؟ ـ لا يمكن أن نبسط الأمر إلى حد القول إنها «غيمة صيف» ولا أن نعقّده إلى حد القول إنها أزمة لن تنتهي. فلكل شيء نهاية، إنما ستأخذ الأمور بعض الوقت، ويجب أن تحفزّ اللبنانيين المجتمعين في ما يسمى بلجنة الحوار على أن يصبح الحوار مفعّلاً وفاعلاً اي أن يتخذ قرارات ويضعها موضع التنفيذ، على عكس ما نشهده الآن اذ ما ان يتم التوصل إلى أي قرار، فإنه يسقط بعد أن ينفضّ الاجتماع ولا يُنفذ. المشكلة الكبرى دائماً هي عندنا وفي أنفسنا. تسمعين رؤوساً كبيرة في لبنان تتحدث عن تأثير الخارج. صحيح أن لهذا الأمر تأثيراً، لكن في النهاية نحن المسؤولون، وكفى تعليقاً لمشاكلنا على مشاجب الآخرين. نحن يجب أن نستخلص، فإن علماً من دون تطبيق لا فائدة منه. وختاماً نأمل أن يهدي الله كل اللبنانيين.

ظافر الحسن عن ظافر الحسن: 21 عاماً من الديبلوماسية الصاخبة

| بيروت - «الراي» |

... في مستهلّ سلسلة من المجلّدات عن تجربته عنوانها «الديبلوماسية اللبنانية»، كتب ظافر الحسن عن ظافر الحسن، فقال:

«في 17 نوفمبر العام 1978 باشرتُ عملي سفيراً للبنان في المملكة العربية السعودية، وبقيتُ في هذا المنصب سحابة 12 سنة. بعدها نُقلت إلى الإدارة المركزية، أي وزارة الخارجية والمغتربين في بيروت، حيث بقيتُ طوال تسع سنوات متتالية حتى تاريخ تقاعدي في 17 ديسمبر 1999، أي ما مجموعه 21 سنة كانت إلى حد بعيد من أحفل السنوات بالأحداث الجسام وبالنشاطات الديبلوماسية المتّصلة بها. ذلك أن لبنان غرق من 1975 حتى 1990 في حروبه الأهلية والحروب المستعارة والمصدّرة إليه.

ومهمتي في المملكة بدأت أو كادت بمؤتمر بيت الدين في اكتوبر 1978 لبحث الأزمة اللبنانية ووضع حلّ لها، والذي كُلفت المشاركة فيه بصفتي السفير المعيّن في المملكة العربية السعودية، وانتهت أو كادت بمؤتمر النواب اللبنانيين في الطائف في اكتوبر 1989 لبحث الأزمة اللبنانية ووضع حد لها، والذي كُلفت المشاركة فيه بصفتي السفير المعتمد في السعودية. وغير خاف الدور البارز والدؤوب الذي قامت به المملكة في المحاولات والمشاريع العديدة والمتجددة لإيجاد حلّ شامل لهذه الأزمة منذ نشوئها.

أما بعد عودتي إلى لبنان في النصف الثاني من اغسطس 1990 فقد مكثت في وزارة الخارجية طوال تسع سنوات متتالية، منها سنتان ونصف السنة مديراً للشؤون السياسية والقنصلية وأميناً عاماً بالوكالة للوزارة بحكم القانون، وست سنوات ونصف السنة أميناً عاماً أصيلاً لها.

وهنا أيضاً يمكن القول إن مهمتي بدأت وانتهت بحدَثين بارزين. فقد بدأت أو كادت مع إنهاء التمرّد بوضع حد لمغامرة العماد ميشال عون وإخراجه عنوة من قصر بعبدا، بما اعتبره الكثيرون استعادة الدولة نفسها، وانتهت أو كادت بانقضاء سنة على ولاية الرئيس إميل لحود وإقصاء رفيق الحريري بالمكايدة السياسية عن رئاسة الحكومة، بما اعتبره الكثيرون تخليّ الدولة عن نفسها. وفي الحدَثين، كما في ما بينهما كنت شاهداً أو مشاركاً يتابع مجريات الأمور عن كثب ولحظة بلحظة.

وبين كل محطة من المحطات التي ذكرتُ والمحطة الأخرى، عرف لبنان في متعرّجات حياته الوطنية هزّات وهزّات، واكبتْها أو نجمتْ عنها مبادرات أو خطط أو مقترحات أو بيانات أو مواقف ذات طابع محلي أو إقليمي أو دولي أو تتداخل فيه وتتمازج كل هذه الأبعاد.

باختصار، كانت الحقبة الممتدة بين بدء مهمتي سفيراً للبنان في السعودية وانتهاء مهمتي أميناً عاماً لوزارة الخارجية والمغتربين مليئة بالأحداث والمتغيرات والتحولات والنشاطات الديبلوماسية البالغة الأهمية والعميقة التأثير في حياة المجتمع اللبناني والدولة اللبنانية.

وقد أتاح لي اضطلاعي بمسؤوليات منصبي هنا أو هناك طوال هذه الحقبة (21 عاماً) أن أعايش من داخل دور الديبلوماسية اللبنانية وتحركها على مختلف المستويات. فقد شاركت مثلاً في عدد من اجتماعات اللجان العربية التي شكلت في إطار جامعة الدول العربية من أجل استنباط الحلول للأزمة اللبنانية: الرباعية والسباعية والسداسية والثلاثية. وشاركتُ في مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، وترأست الوفد اللبناني الأول للمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي في العاصمة الإسبانية في 3/11/1991. وترأستُ الوفد اللبناني المفاوض في بروكسل بدءاً من العام 1995 لعقد اتفاق شراكة مع المجموعة الأوروبية أو الاتحاد الأوروبي.

وترأستُ العديد من الوفود إلى اجتماعات منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية. وكنتُ طوال عملي أميناً عاماً لوزارة الخارجية نائباً للوزير رئيس الوفد إلى دورات الأمم المتحدة السنوية، وكنتُ إذا ذهبتُ إلى نيويورك أترأس الوفد بعد عودة وزير الخارجية، الرئيس الأصيل، الذي كان لا يمكث هناك أكثر من أسبوع إلى أسبوعين. هذا فضلاً عن مشاركتي في الإجتماعات التي كانت تُعقد على مستوى رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة أو وزارة الخارجية بين المسؤولين اللبنانيين ونظرائهم الزائرين على رأس وفود بلدانهم إلى لبنان. وفضلاً كذلك عن لقاءاتي العديدة ومداولاتي مع هؤلاء المسؤولين بحكم العمل والمهمات الخاصة التي كنت اضطلع بها أو أكلّفها. بالطبع هناك أمور وقضايا ونشاطات كثيرة غير هذه أدرجتها تباعاً في سياق كتابتي عن هذه الفترة. كما أتيح لي أن ألبّي بعضاً من الدعوات التي كانت توجّه إلىّ من نظرائي في دول عديدة بزيارات رسمية إلى هذه الدول وأن أجري لقاءات ومباحثات مع مسؤولين كبار فيها.

من كل ذلك جاء تفكيري في تدوين مجريات هذه الحقبة كما عايشتُها فكانت هذه المجموعة من المجلدات تحت عنوان جامع، أساسي، واحد:«الديبلوماسية اللبنانية – معايشة شخصية - 1978ـ 1999».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي