No Script

التزام صريح به ومخاوف من «ألغام» سياسية يفجّرها

القطاع المصرفي اللبناني «يتكيّف» مع العقوبات الأميركية على «حزب الله»

تصغير
تكبير
سلامة يستعد لإصدار تعميم يؤكد فيه التزام لبنان تنفيذ القانون الاميركي في شأن العقوبات

فتوح: المصارف اللبنانية ليست في خطر وإذا لم تتقيّد بالقانون فواشنطن قادرة على وقف التعامل معها خلال 48 ساعة

عجّاقة: القطاع المصرفي اللبناني لن يتأثّر بالقانون الأميركي ورياض سلامة يحكمه بيدٍ من حديد
منذ صدور المراسيم التطبيقية لقانون العقوبات الأميركية على المصارف والمؤسسات المالية والأشخاص المتعاملين مع «حزب الله» او الذين يساهمون في غسْل وتبييض أمواله في 15 ابريل الماضي، دخل لبنان وقطاعه المصرفي في ما يشبه «السباق مع الوقت» للتكيّف مع المرحلة الجديدة التي «دشّنها» سريان هذا القانون ومع «خريطة الطريق» التنفيذية التي ستجري بإشراف «البنك المركزي» اللبناني.

وتضرب بيروت خلال الايام القليلة المقبلة موعداً بالغ الأهمية مع مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الإرهاب في «مكتب شؤون الإرهاب والاستخبارات المالية» في الوزارة دانيال غلايزر الذي سيحمل معه الى لبنان ملفاً كاملاً ومتكاملاً عن تفاصيل المراسيم التطبيقيّة الخاصة بالقانون الأميركي الذي كان الرئيس باراك اوباما وقّعه في 18 ديسمبر 2015، بعدما اقرّه الكونغرس بالاجماع، وحمل الرقم 2297 بعنوان «قرار منع التمويل الدولي لحزب الله» وقضى بتوسيع العقوبات على الحزب والذراع الإعلامية التابعة له المتمثلة بقناة «المنار» وفرض عقوبات على مَن يتعامل مع المؤسسات التابعة له من البنوك والمؤسسات المصرفية والتجارية، مع تصنيفه «منظمة إجرامية عابرة للحدود» وربْطه بتجارة المخدرات وتبييض الأموال والإتجار بالبشر.

وفيما يستعدّ مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة لإصدار تعميم يؤكد فيه التزام لبنان بتنفيذ القانون الاميركي في شأن العقوبات على «حزب الله» ويحمّل المصارف اللبنانية مسؤولية تطبيقه مع تحديد آليةٍ للامتناع عن فتح حساب او إقفال آخر ترتبط بهيئة التحقيق في «المركزي»، فإن المصارف في «بلاد الأرز» كانت استبقت بدء سريان هذا القانون بإنجاز ورشة تدقيق ضخمة بالتعاون مع مصرف لبنان أجرت خلالها تدقيقاً على حسابات وودائع كل العملاء تفادياً لأي ثغرة يمكن ان تضعها تحت طائلة العقوبات الأميركية. علماً ان هذه العقوبات باتت ترتكز منذ 15 ابريل على المراسيم التطبيقية للقانون 2297 التي صدرت عن مكتب وزارة الخزانة الأميركية لمراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) وهي عبارة عن لوائح ضمّت اسماء مسؤولين ورجال اعمال ومؤسسات قالت واشنطن انها مرتبطة بـ «حزب الله» (وعددها 95 اسماً) وتم تعميمها على غالبية مصارف العالم، وبينها الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، والقائد العسكري مصطفى بدر الدين، وجمعية القرض الحسن، بيت المال، بيبلوس ترافل ايجنسي، حسن عز الدين، مؤسسة جهاد البناء، علي تاج الدين، حسين تاج الدين، يونيك ستارز موبايل، شركة فاتيك (لبنان)، مشروع وعد، وآخرين الى جانب تلفزيون «المنار» وإذاعة «النور» التابعيْن لـ«حزب الله».

واذا كان حاكم مصرف لبنان اكد أن توطين الرواتب لوزراء أو نواب ينتمون الى «حزب الله» لا تشمله العقوبات الأميركية «لأن التحويلات تأتي من لبنان وعبر مصرف لبنان ووجهة استخدامها محدَّدة»، فإن الالتزام بالقانون الاميركي يشي بمضاعفاتٍ سياسية سبق ان غمز من قناتها السيد نصر الله حين حذّر قبل أشهر قليلة مسؤولي الدولة والقطاع المصرفي من «الانصياع لإرادة أميركا» (تدرج الحزب منذ العام 1995 على لائحة المنظمات الارهابية)، قبل ان تتعزّز الخشية منها بعد سلسلة الإجراءات التي اتخذتها دول الخليج بحق «حزب الله» الذي صنّفته «إرهابياً» (وافقت لاحقاً على هذا التوصيف جامعة الدول العربية وقمة الدول الاسلامية) وبدأت تتّخذ بحق منتمين إليه او قريبين منه إجراءات مثل الإبعاد او الترحيل، وسط مخاوف من تدابير إضافية يمكن ان ترتّب تداعيات على لبنان المنهك اقتصادياً.

وفي حديث الى «الراي» استشرف الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة مشكلة جديدة ستظهر أمام المصارف اللبنانية وتطفو على السطح في حال «طاولت العقوبات لأسماء سياسية، إذ إنَّ ذلك يتطلب قراراً سياسياً من شبه المُستحيل على الحكومة اللبنانية الوصول إليه في ظل التركيبة الحالية».

وعاد عجاقة بالذاكرة إلى الوراء، في محاولة لتوضيح جذور هذه الأزمة، شارحاً أنَّه في العام 1983 «تمّ تفجير مركزي قوات المارينز والقوات الفرنسية العاملة في قوى حفظ السلام في العاصمة بيروت، فاتهمّت الولايات المُتحدة كلّاً من إيران وسورية ومن خلفهما حزب الله بالقيام بهذه العملية، ومن هنا، اتخذت العلاقات بين الطرفين منحى عدائياً تمثل في إدراج الحزب على لائحة الإرهاب الأميركية منتصف التسعينات من القرن الماضي. وعلى أثرها بدأت القيود الأميركية على نشاطه».

ويهدف القانون الأميركي الأخير (HIFP Act 2015)، وفق عجاقة، إلى «تجفيف مصادر تمويل حزب الله عبر التضييق على حركة رؤوس الأموال من الحزب وإليه»، معتبراً أنَّ «القطاع المصرفي اللبناني لن يتأثر بهذه العقوبات لسببين أساسيين: التزامه تطبيق القوانين الدولية والأميركية، والصلابة المالية التي يتمتّع بها بفعل وجود سيولة عالية جداً».

يُذكّر بأنَّ لبنان أقرّ في العام 2015 قوانين تتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وبالتهريب الضريبي ونقل الأموال عبر الحدود، وهذه القوانين كانت أساسية في محافظة لبنان على سمعته الدولية وإظهار مدى التزامه القوانين الدولية. وهنا، يشدّد على أنَّ «البلاد مستعدة وملزمة في الوقت عينه بإقرار أي قوانين دولية جديدة بهذا الخصوص وتطبيقها، وهذا ما عبّر عنه عدد من المسؤولين السياسيين والماليين اللبنانيين».

لكن النقطة المحورية في رأي عجاقة تبقى أنَّ «المصارف اللبنانية استطاعت إثبات معادلة عجزت عن إثباتها المصارف الدولية، وهي عدم وجود علاقة السبب - النتيجة بين الأحداث الأمنية والسياسية وصلابة القطاع المصرفي اللبناني، إذّ لم يتأثر هذا القطاع ولا الليرة اللبنانية بأيّ من الأحداث التي هزّت البلاد».

يُضاف إلى كل هذه السمات التي يتّسم بها القطاع حجم الودائع التي تبلغ 152 مليار دولار أميركي، وحجم الأموال الخاصة للمصارف التجارية التي تناهز 30 مليار دولار أميركي، واحتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية والذهب والبالغ 45 مليار دولار، أي بمجموع كلّي يفوق الـ 225 مليار دولار أميركي. وهذا يعني أنَّ «هذه العقوبات لن تُزعزع الثقة بالقطاع المصرفي الذي يحكمه رياض سلامة بيدٍ من حديد. والنقطة الأخيرة كافية وحدها لمعرفة أنَّ القطاع المصرفي لن يتأثر»، وفق عجاقة.

أما في ما يخص تحصين القطاع المصرفي، فيرى أنَّ «الأمر لا يتمّ إلا عبر الالتزام الواضح والشفاف بالأنظمة والقوانين الدولية وعلى رأسها تطبيق العقوبات كما ترد للبنان. وهذا الأمر صرّح عنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي قال في تصريح صحافي إنَّ المصارف اللبنانية ستلتزم تطبيق العقوبات».

لكن المخاوف تبقى، في رأيه، أن يتمّ توسيع نطاق هذه العقوبات إلى حدٍ بعيد قد يطال أعضاء من الحكومة أو من مجلس النواب، و«هذا الأمر ستكون له تداعيات كبيرة لا حلّ لها إلا بالسياسة. وما زيارة الوفد النيابي اللبناني الأخيرة لواشنطن إلا خطوة استباقية تهدف بجزء منها لإيجاد حل للمشكلة قبل الوصول إليها»، بحسب عجاقة.

هل المصارف مستعدّة للالتزام؟

أمام كلّ هذه المعطيات والأرقام المالية، يُطرح سؤال حول إذا كانت مصارف لبنان قادرة فعلاً على تفادي أي تبعات سلبية، وإذا كانت مستعدّة فعلياً لالتزام القانون الأميركي.

وقبل الإجابة عن هذا السؤال، يوضح الأمين العام لاتحاد المصارف العربية وسام فتوح من خلال «الراي» اللغط الحاصل في شأن هذا الموضوع، إذ إنَّ «القرار الأميركي ليس عبارة عن عقوبات بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل هو قانون يمنع المؤسسات المالية عموماً، وخصوصاً اللبنانية، من تقديم أي خدمات مالية لحزب الله أو لأي أفراد داعمين له»، مضيفاً «ان العقوبات ستُفرض على أي مؤسسة لا تلتزم تطبيق هذا القانون، وليس على الحزب لأنَّه لا يتعامل مع السلطات الأميركية أساساً، لكنّه يضيق الحصار عليه في الوقت عينه».

وفي حين يرى أن لا خيار للمصارف غير التزام هذا القانون «تفادياً لإقصائها من الأسواق المحلية، الإقليمية والدولية، أو حتى فرض غرامة مالية عليها»، يؤكّد انَّ المصارف اللبنانية ليست في خطر إلا إذا قررت عدم التقيد بهذا القرار، وخصوصاً أنَّ «الولايات المتحدة قادرة على وقف التعامل معها خلال 48 ساعة»، فضلاً عن أنَّ التعميم الذي أصدره مصرف لبنان المركزي، والذي يحمل رقم 126، يطلب إلى هذه المؤسسات التزام متطلّبات المصارف المراسلة.

سلسلة تحركات لبنانية

فيما تنتظر بيروت وصول مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الإرهاب دانيال غلايزر اليها، تم تسجيل سلسلة تحركات لبنانية في إطار ملاقاة سريان القانون الاميركي الجديد المتعلق بـ «حزب الله»، اذ زار وفد من مجلس إدارة جمعية المصارف الأسبوع الماضي نيويورك وواشنطن، برئاسة رئيس الجمعية جوزف طربيه، حاملاً معه مجموعة القوانين المالية الأربعة التي أقرها مجلس النواب، والتي جاءت لتعكس التزام الدولة اللبنانية اضافة إلى المصارف، قواعد العمل وبالمعايير المصرفية والمالية العالمية المرعية الإجراء وخصوصاً الأميركية منها.

وقد عقد الوفد اجتماعات عمل مع بعض كبار المسؤولين في وزارة الخزانة ووزارة الخارجية المعنيين بالشأن المصرفي والمالي، كما التقى رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب اد رويس إضافة إلى أعضاء بارزين في لجنتي الخدمات المالية والشؤون الخارجية ومكافحة الإرهاب في الكونغرس وبعضهم من أصل لبناني.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي