No Script

الجماعة الإسلامية تستعد لإطلاق وثيقة سياسية وتحالفات مكتوبة قيد التحضير / حيوية جديدة على وهج «الصحوة» الإسلامية في «الربيع العربي»

«إخوان لبنان»...

تصغير
تكبير
| بيروت - من جنى فواز الحسن |

لم يكن من المتوقّع مع بداية «الربيع العربي» أن تشهد المنطقة «ربيعاً إسلامياً». وبدل أن تؤدي شعارات الحرية إلى أفول الحركات الإسلامية، باعتبار ان الحداثة قد تسلك درب التحرر من القيود الدينية، ظهرت ملامح مشهد ما بعد الثورة «إسلاميةً» بامتياز.

«الإسلام المعتدل» خيار أثار غضب اليساريين، لكنّه أخرج الإخوان المسلمين من عقدة الاضطهاد، فباتت الساحة مباحة لهم ليقولوا انهم هم أيضاً لم يأخذوا فرصتهم الحقيقية للتعبير عن مشاريعهم.

هو «ربيع» يطرح تساؤلات عدّة عن مدى اخضراره، وعن الثمر الذي تحمله أشجاره، في انتظار اكتماله في الدول العربية الأخرى، أي بمعنى أدق، في انتظار ربيع سورية.

واذا كان لبنان قد بقي بمنأى عن الثورات، فان ملامح «الربيع الاسلامي» الذي يطلّ على المنطقة أرخى بظلاله على المشهد اللبناني وجعل الجماعة الاسلامية، اي «إخوان لبنان» تحت المعاينة.

فـ «الجماعة» ذات الحضور البارز في الداخل اللبناني، لم تعد مجرد طرف من أطراف النزاع المحلي، بل توسّعت بامتدادها إلى قلب الصراع الدائر في المنطقة، بانتمائها إلى حركة الإخوان المسلمين العالمية. فكيف تعيش «الجماعة» التغييرات في الدول العربية، وهل تشارك أشقاءها العرب الفرحة «قلباً وقالباً»؟

دأبت الجماعة الاسلامية في لبنان أخيراً على إبراز موقف علني من التغيرات الحاصلة في المنطقة، والثورة السورية على وجه الخصوص، وكان آخرها دعوة التظاهر ضمن فعاليات حملة «لعيونك يا شام» التي أطلقها المكتب الطالبي التابع لها، واقيمت على وقع الهتافات المؤيدة للشباب السوري «المطالب بالحرية والكرامة والمضحي بدمائه الزكية في سبيل هذه الأهداف السامية». هذا فضلاً عن الاعتصام الذي نظمته اخيراً أمام مقرّ السفارة الروسية في بيروت تنديداً بموقف موسكو في مجلس الأمن الدولي، والذي شارك فيه المئات من عناصر الجماعة وأنصارها، الذين رفعوا رايات الثورة السورية ولافتات تندّد بالمجازر المروّعة التي يرتكبها النظام في حمص، كما ارتفعت الهتافات الداعية إلى سقوط النظام والمستنكرة للموقف الروسي.

«الجماعة» تعبّر علناً عن مواقفها، وتستعدّ لإطلاق وثيقة سياسية جديدة، من المتوقع أن تصبح حاضرة خلال بضعة أشهر، إضافة إلى المؤتمر الذي يتهيأ قطاع الشباب في الجماعة لإطلاقه في الرابع والعشرين من ابريل المقبل تحت عنوان «نداء إلى شباب لبنان».

وفي غمرة التحديات الأسئلة التي أنتجها «الربيع العربي»، قصدتْ «الراي» مقرّ الجماعة الاسلامية في منطقة عائشة بكار - بيروت، حيث يخيّم الهدوء على المركز، ولا انطباعات توحي بأن كوادر الجماعة او القيادة التنظيمية في حال تأهّب. ربما هي حال انتظار ومراقبة دقيقة للوضع الاقليمي، لاتخاذ القرارات الجديدة في ضوئها.

يجلس الأمين العام للجماعة الاسلامية في لبنان الدكتور ابراهيم المصري وراء مكتبه، وينأى في حديثه عن أي انفعالات، كأنه لا يريد أن تظهر على ملامحه علامات «النصر».

متحدثا عن موقف الجماعة من التحولات الاقليمية، شدد المصري على أن الحراك العربي «شكّل خطوة الى الامام بالنسبة للاقطار التي ثارت على الانظمة الاستبدادية وحققت حريتها وسيادتها وحقها في تداول السلطة»، معتبراً أن «هذا انجاز كبير ندعو الله ان ينجح في التقدم بالعالم العربي الى الامام».

ويضيف: «نعتبر أن كل إنسان عربي لا بدّ وأنه قد رحّب بالحراك الذي جرى خلال العام الماضي في أكثر من قطر عربي، لأن هذا الحراك استهدف تحرير هذه الأقطار وتمكين الانسان العربي فيها من نيل حريته وامتلاك خياراته السياسية. فليس طبيعياً ان تكون عندنا في الانظمة العربية انظمة جمهورية او جماهيرية، ثم يكون النظام الحاكم وراثياً ضمن العائلة الواحدة، أو حتى البيت الواحد».

وعمّا اذا كانت هناك حال «نشوة» نتيجة هذا الانجاز بين أوساط «الجماعة» في لبنان، يؤكد المصري «أن الشعور بالنشوة كان يفترض ان يكون موجوداً في الساحات التي كانت تعاني قهراً وكبتاً رُفع عنها، ولكن في لبنان لم يتغيّر علينا شيء سوى اننا فرحنا لفرح اخواننا في العالم العربي ونحزن لما كان يصيبهم، وانطلاقا من هذا، فإن مبررات النشوة او الفرح الشديد ليست موجودة بالنسبة الينا في ساحتنا اللبنانية».

ويشدد المصري على أن الجماعة الاسلامية في لبنان موجودة على الساحة منذ اواسط القرن العشرين، وهي تعمل في مختلف ميادين النشاط التربوي والسياسي والتعليمي والاجتماعي، ويقول: «نحمد الله اننا في لبنان نملك قيمة كبيرة هي الحرية، وهذا ما اتاح للجماعة ان تكون حاضرة في شتى ميادين العمل الاسلامي، على عكس الواقع القائم في الاقطار العربية التي كان العمل الاسلامي فيها يعاني كبتاً واضطهاداً على مدى الأعوام او العقود الماضية. لكننا رحبنا بان ينال اخواننا العرب حريتهم في الاختيار وفي ممارسة النشاط السياسي، وهذا ما اتاح للحركة الاسلامية في لبنان والعالم فرصة التكامل والتعاون والتنسيق، من دون قيود ولا رقابة، لأن ما يفعله الاسلاميون في اطار الحركة الاسلامية هو ممارسات مشروعة ضمن اطار القوانين المرعية في هذه الاقطار. وهذا لا يعني بطبيعة الحال ان ما وقع في مصر او تونس او المغرب قد يقع مثله في لبنان غداً او بعد غد، لان التركيبة اللبنانية الطائفية والمذهبية هي الحاكمة، وهذا ما يجعل نشاطنا الاسلامي ضمن نطاق حيّز مرسوم لا نستطيع تجاوزه الى الميادين الأخرى».

أما عن موقع الجماعة في المشهد السني، فقال المصري: «نعتبر ان الوسطية اساس في فهمنا للاسلام، والله تعالى يقول «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا». والوسطية بالنسبة الينا ليست مجرد امساك العصا من وسطها، كما هو معروف في لبنان، ولكن أن ننأى بأنفسنا عن التطرف، سواء كان دينياً او فكرياً او سياسياً. ولذلك، فإن الجماعة الاسلامية في لبنان تربطها علاقات قديمة مع مختلف القوى السياسية اللبنانية، ونحن حريصون على هذه العلاقات لانها وحدها تتيح لنا فرصة تحقيق العيش المشترك الذي نعتزّ به على الساحة اللبنانية».

وماذا عن تواصُل «الجماعة» الاقليمي في مختلف انحاء العالم العربي؟ يقول الأمين العام لـ «إخوان لبنان»: «اذا كان تواصلنا فاعلاً مع كل القوى والتيارات السياسية في الساحة اللبنانية قائماً، فلا بد انه يشمل كل مكونات الساحة الاسلامية، سواء في الاطار الفكري، او العقيدي او السياسي. لكن ذلك لا يلغي ضرورة التعاون والتنسيق مع كل القوى السياسية، وطنية او قومية او اسلامية. وكان لنا شرف اطلاق ما سمّي «المؤتمر القومي الاسلامي» من بيروت. وقد شكّل المؤتمر انجازاً كبيراً ليس على الساحة اللبنانية فحسب، وانما على الساحة العربية بشكل عام. وانطلاقاً من هذا الامر، فمن البديهي ان تكون لنا علاقات مع القوى الاسلامية سواء في لبنان او في العالم العربي، بصرف النظر عن الانتماء المذهبي او السياسي. ونحن نتشارك مع اخواننا المسلمين افراحهم واتراحهم ومؤتمراتهم التي يعقدونها، سواء تحت عناوين فكرية او سياسية، او تلبيةً لنداء الله في موسم الحج كل يوم في الاراضي المقدسة».

وثيقة سياسية جديدة

العام 2010 أصدرت الجماعة الإسلامية وثيقة سياسية تحت عنوان «الرؤية السياسية للجماعة الاسلامية في لبنان»، لم تخل من الاعتدال والتأكيد على أهمية العيش المشترك واحترام الآخر، طبعاً مع التشديد على المشاركة في العمل السياسي في حدود الضوابط الشرعية.

وأكّد المصري في هذا الإطار أن «الجماعة الاسلامية دأبت على إصدار رؤاها الفكرية والسياسية من حين لآخر، ولدينا نية في إصدار وثيقة جديدة خلال السنة الجارية تلبي حاجات الساحة اللبنانية، ولا سيما بعد الربيع العربي وفي ضوء بعض الهواجس التي تسربت في لبنان او في العالم العربي حول طبيعة الدولة التي يعمل الاسلاميون على تكوينها، وهل هي دولة مدنية او دينية، وكذلك الموقف الاسلامي من قضايا المواطنة والاقليات وغير ذلك. ونأمل ألا يتأخر صدور هذه الوثيقة المتوقع بعد أشهر بإذن الله».

واضاف: «يبقى المؤتمر الأقرب هو ذاك الذي يتحضر إليه قطاع الشباب في الجماعة، تحت عنوان «نداء الى شباب لبنان» المتوقع عقده في الرابع والعشرين من ابريل».

حماسة الشباب وكسر الجليد

الدفع الاسلامي في المنطقة، إن لم يكن مؤثرا عمليا على لبنان، فهو من دون شك «رفع معنويات» الشباب من الجماعة الإسلامية، وزوّدهم بشعور القبول الاجتماعي وعزّز مكانتهم. وهذا ما يؤكّده مسؤول رابطة الطلاب المسلمين في شمال لبنان، ومسؤول قطاع الشباب والرياضة في الجماعة الاسلامية، جهاد مغربي.

بحسب المغربي، النموذج الاسلامي في لبنان مختلف عن النموذج العربي ولا سيما في ضوء التعددية في النسيج اللبناني «ولكن لا شك في أن هذا التحول في المنطقة أعطى دافعا للعمل الاسلامي، وخصوصاً على مستوى قطاع الشباب، لمواكبة التغيير والمطالبة بالحرية والعدالة. وقد تبيّن للناس أخيراً أن الاسلام منهج حياة موجود يقدم الخير والانسانية».

ويؤكد «اننا الآن في مرحلة توضيح للموضوع الاسلامي، ولا سيما في الشق المتعلق بالنظرة الى الدولة»، مشيراً إلى «أن النصر الاسلامي في المنطقة قد تجلّى في رفع منسوب الحماسة لدى الشباب ومستوى الوعي السياسي بالنسبة اليهم لجهة إعادة ترتيب الاولويات».

ويضيف: «أتاح لنا الربيع العربي أن نوّجه أنشطتنا إلى الحوار والتواصل مع الآخر، وهذا الجانب مهم جداً من ناحية التفاعل والحراك الذي ينتجه، ونحن على تواصل مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، والتيارات الشيعية والمسيحية، سواء من خلال لقائنا الشهري مع حزب الله وحركة أمل، أو التواصل مع الأفرقاء الآخرين».

...«كسر الجليد» و«جعله يذوب» لفتح مجال للحركة الاسلامية. هكذا يصف الشاب تأثير الربيع العربي على «الجماعة» في لبنان.

وماذا عن التحالفات بين الجماعة وبقية الأطراف في المشهد السني اللبناني؟ وهل ستصبح اللاعب الأساسي السني اللبناني، وهل الجماعة اليوم أقوى وأكثر تأثيراً وجماهيرية؟ يجيب مغربي: «نعمل على صوغ وثيقة بيننا وبين الاطراف السنّة الاخرى لتوحيد الصف الاسلامي، وهذه التحالفات ستكون مكتوبة وغير شفوية، مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وتيار المستقبل».

ولا يغيب عن الحديث مع مسؤول قطاع الشباب والرياضة في الجماعة الاسلامية، موضوع حركة إمام مسجد بلال بن رباح في صيدا الشيخ أحمد الأسير الذي اكد في اكثر من لقاء صحافي أن علاقته بـ «الجماعة» جيدة، كعلاقته بأي طرف اسلامي آخر في لبنان.

الأسير الذي دعا الى الاعتصام التضامني مع الثورة السورية في وسط بيروت قبل اسابيع بات حديث الساعة، و«اللاعب الجديد» في المشهد الاسلامي.

وبحسب مغربي، لم يكن هناك أيّ تنسيق مع الشيخ الأسير في صدد اعتصام وسط بيروت، «ونحن لم نشارك فيه، كوننا لم نكن مدعوين رسميا لذلك، كما اننا لا ننوي تبني مواقف الشيخ الأسير بل نحن في صدد الترقب والتريث، لفهم حقيقة هذه الحركة التي وحدها الأيام كفيلة بإظهارها».

... انهماك في التحضير للوثيقة السياسية والمؤتمر المقبل، تريّث وترقّب، تواصُل اقليمي وداخلي، وحماسة على الصعيد الشبابي، ويبقى السؤال الى اي مدى قد يتعزز نفوذ «الجماعة الاسلامية» في لبنان مع صعود نجم الاخوان بشكل غير مسبوق في المنطقة؟ سؤال تبدو الإجابة عنه رهناً بانجلاء معالم الثورة السورية والتغيرات الاقليمية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي