... ومن شر حاسد إذا حسد
يشكو كل مجتمع من داء اسمه الحسد، والكويتيون أحيانا ما يجأرون بالشكوى من أن لديهم حسدا يكفي بلدانا كثيرة، ويعبرون أن الحسد ينتشر ويشمل كل شيء حتى صار مرضا.
لكنك بالمقابل تسمع الحكمة أو النصيحة الشرعية بأنه يجب على كل انسان أن يؤمن بأن الله جل جلاله هو الذي يعطى ويمنع، ويبسط ويقبض، ويوسَّع ويقتَّر، لا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى، كل شيء عنده بمقدار.
ولا اله الا الله.
الحسد موجود منذ القدم، في العصور الفرعونية، وفي العصر الجاهلي، وفي شتى حضارات شبه الجزيرة العربية، وأرض الرافدين وغيرها، في كل الحضارات والثقافات، وهو ممتد الى الآن ونسمع أو نقرأ أن لكل الشعوب أدبياتها وأقوالها وأمثالها حول الحسد.
والحسد من أمراض النفوس، وهو مرض غالبٌ فلا يخلص منه الا القليل من الناس، ولهذا قيل: ما خلا جسد من حسد.
لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه، فالحسد ذميم قبيح حيث ان الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من شر الحاسد كما أمر بالاستعاذة من شر الشيطان.
قال الله تعالى: (ومن شر حاسد اذا حسد) فبالحسد لُعن ابليس، وجعل شيطاناً رجيماً، عندما استكثر على سيدنا آدم أن يسجد له من جانبه، فهو (آدم) مخلوق من طين، بينما الشيطان من نار، ومن أجل أن الحسد بهذه الدرجة من السوء، ورد فيه تشديد عظيم حتى قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب).
واتفق علماء الدين واللغة في تعريف الحسد، فهو تمني زوال النعمة عن المحسود ان لم يكن للحاسد مثلها.
فيقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا.
ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق).
فهذا الحسد الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم الا في موضعين: رجل آتاه الله مالا يهلكه في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة يعلمها للناس.
وقد اُبتلي يوسف عليه السلام، بحسد اخوته له حيث قالوا (لَيوسف وأخوه أحب الى أبينا منّا ونحن عصبة انَّ أبانا لفي ضلال مبين) فحسدوه على تفضيل الأب له ولهذا قال يعقوب ليوسف (لاتقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيداً ان الشيطان للانسان عدو مبين) ثم انهم ظلموه بتكلمهم في قتله والقائه في الجبّ، ثم نقرأ تفاصيل وبواقي القصة حيث أحسن القصص في القرآن الكريم، وفيها عبرة كبيرة في أمر الحسد.
وهناك فرق بين المنافسة والحسد، فاذا لم ينظر بالنية السيئة الى أحوال الناس فهذه منافسة في الخير لا شيء فيها فيتنافس الاثنان في الأمر المطلوب المحبوب، وكلاهما يطلب أن يأخذه وذلك لكراهية أحدهما أن يتفضل عليه الآخر كما يكره المستبقان كل منهما أن يسبقه الآخر. ولهذا قيل التنافس ليس مذموماً مطلقا، والناس لهم أن يغبطوا بعضهم البعض على ما حباهم به الله، لكن شرط أن يقود ذلك الى الزيادة في الخير دون أذى.
عن قضية الحسد استطلعت «الراي» آراء بعض من الخبراء والمتخصصين في علم النفس، وسألنا أيضا رجال الدين وبعضا من فئات المجتمع فكانت هذه الحصيلة:
في البداية يقول الدكتور خضر البارون أستاذ علم النفس في جامعة الكويت أن الحسد الآن يأخذ حيزا كبيرا في المجتمع الاسلامي، والمجتمع الكويتي على وجه الخصوص، حيث هناك اعتقاد بوجود أفراد عندهم قدرة عقلية ونفسية أو قدرة سلوكية على التأثير على الآخر، هذا هو المفهوم المتداول والشائع بين الناس، ولو تطلعنا الى محتوى القرآن الكريم ومحتوى السيرة النبوية والأحاديث فسنجد خلاف ذلك تماما، اذ انه لا يوجد سلطان على الانسان غير الله سبحانه وهناك آيات تقول: (قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا) وهناك آيات وأحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن الانسان له الاختيار بأن (أفعل هذا السلوك أو لا أفعله) وألا أربط ما يحدث لي من مصير بقدرات أناس آخرين، لا أبدا لا يوجد شيء أو أحد يدعمني لأن أطلق هذا الكلام أو أطلق هذا السلوك غير الله.
مرض نفسي
وأشار البارون الى أن الحسد يعد من الأمراض النفسية لأن الانسان الذي يعتقد أن الآخر يستطيع أن يؤثر عليه لا يستطيع أن يتحكم في حياته، أنه ضعيف نفسيا لا يثق بذاته ولا بقدراته ولا يثق بامكانياته، لا يثق بحياته وهو سلبي في كل النواحي.
وتابع البارون «ان من يدعي أنه محسود أو حسد فهو فشل وأخفق في تحقيق ما كان يطلبه وبالتالى يلجأ لأن يلقي هذا الفشل على الآخرين لدرجة أنه وصل أن يحدث دائما، فان تعثرت أو سقطت فتقول قدر الله وماشاء فعل، فلماذا لا تقول يحكم الله ولا معقب لحكمه؟».
ويضيف: الله لا يحتاج الى انسان يعقب حكمه وهناك آية قرآنية (لا معقب لحكمي) والانسان دائما يريد النجاح ولا يريد الفشل،
ولذلك اذا فشل يلجأ الى التبرير والحسد، هو الذي يعلق على فشله.
وقال نحن علميا نسميه (التدعيم العشوائي) أو (السلوك الخرافي) مثلا وأضرب مثالا بالطالب لأنه من واقع يومياتي على غير العادة جلس للامتحان في كرسي معين وعلى غير العادة حصل على درجات عالية 25 من 25 فيقول (المكان كويس) وليس قدراتي والعكس صحيح.
ويكمل دكتور البارون:
ومن المصيبة الكبرى التي تقابلها أن تجد مثقفين وعلى درجات علمية يعتقدون بالحسد ويلجأون الى عرافين ورجال دين.
اننا دائما نريد ما يبرر سلوكياتنا ولا نلقي اللوم على أنفسنا وتقصيرنا بل نلقي باللوم على البيئة والأشياء التي لا دخل لها ومن ذلك قول ان الظروف هي التي تحدد... الظروف لا تحدد... أنت الذي تحدد، ولك حرية الاختيار في اطلاق هذا السلوك أو لا.
وأوضح البارون أن الناس تشعر بالذعر وهو ما يردده البعض بأن الظروف هي التي تتحكم في حياته.
وقال: نحن دائما نريد أسبابا ومبررات، فلا نلوم أنفسنا، بل نلقي المسؤولية على الآخرين دون أن نضع أهمية لأن الأمر بيدنا وأساسا مرتبط بارادة الله، وهذا ماشاء الله وقدر وفعل.
ان الله لا يريد التنافر بين الناس، والله سبحانه دائما يدعونا الى التراحم، فكيف أرمي تهمة الحسد على شخص آخر وأقول: «كله منك... أنت أعطيتني عيناً... أنت حسدتني... أنت عملت؟
وأذكر أحدهم قال ان امرأة دخلت المنزل وقبلت ابنته فخرجت هذه الزائرة واذا بالبنت تمرض، هل هي فيروس؟! وبالتالى لا ندخلها البيت مرة أخرى؟!
ان الله يمنعنا عن ذلك ونحن نقول تعاونوا وتحابوا وتعارفوا وترابطوا، فمن يعتقد بالحسد الذي يؤدي الى التباعد؟
طريقة للعلاج
وعن كيفية الخروج من تلك الظاهرة وسبل العلاج حثّ الدكتور البارون على ضرورة العودة الى الدين وتفسيره بشكل صحيح
وقال: واحد يقول لك الحسد موجود في القرآن... نعم هو موجود في القرآن، ولكن الله يقسم بشرور النفس المريضة... اللوامة، ولماذا كل نفس مريضة؟ لأن الذي يحسد يحسد في ذاته، وهو مريض وفي صراع داخلي مع نفسه، ولو كان لهؤلاء أثرهم التدميري دائما لما تقدمت البشرية ووصلنا لما نحن فيه.
أحدهم يقول ان هناك أشخاصا يوقعون الطير من السماء... هل هذا معقول؟!
ويضيف: أميركا تدفع المليارات في صناعة الصواريخ، ولو كان الأمر بيد الحسد للجأنا الى عشرة حساد... فدمّرنا أميركا!
لو كان هناك حاسد فعلا كان أحد هؤلاء حسد صدام وقتله من أول يوم، ولما كانت الحرب العراقية - الايرانية استمرت ثمانية أعوام والأمثلة كثيرة.
ويقدم البارون وصفة تعيننا على الخروج من تلك الحالة المرضية وهي الايمان الصحيح بالله سبحانه وتعالى... الايمان والاعتقاد بأن ما يصيبك هو من الله... وأن هذا نصيبك فتناله كما أراده لك الله سبحانه.
لابد من الاعتقاد في ذلك، وأن لك القدرة على الاختيار وأن لا أحد يتحكم في حياتك الا الله... وهو جل شأنه أعطانا حرية الاختيار وخير دليل على ذلك اختلاف الاديان، حيث لكل انسان حق الاختيار، لا أحد يتحكم في حياتي الا الله وعملي الذي أقوم به باختياري.
مثلا واحد يقول لك أرغموني على كشف السر... لا يوجد شيء اسمه أرغموني... أنت أطلقت، أنت لك الحرية تريد أن تصر على عدم البوح صح فعلا أنت أطلقت.
أحدهم يقول لك انه مرغم على شرب السجائر.. هذا غير صحيح، فأنت الذي تضع يدك في جيبك وتخرج المال وتشتري وتشعل الولاعة فيها وتضعها في فمك... اذن أنت صاحب القرار والاختيار في أي مرحلة من المراحل لأن تتوقف... أنت غير مرغم على أي شيء، وارادة الانسان هي التي تحدد خطواته، ومفروض أن يستغل ارادته، وأن يحكم عقله في شتى أموره وتصرفاته لينجز ما يريد.
عالم الشعوذة
وبين الباررون أن هناك أموالا تنفق على هذا المجال وأن هناك مشعوذين يستغلّون الناس الضعفاء، ممن لا يجدون له حيلة ولا يتحكمون في حياتهم، ويقللون من ثقتهم بأنفسهم فتجد هؤلاء يستغلونهم، فمثلا هناك من يقول اعطوني عين تعيد جمعنا أنا وزوجتي بعد أن افترقا، هذا أمر عجيب، فأنت من أطلق الكلمات النابية ضد زوجتك حتى افترقتما وأسأت التصرف والظن فلا هو ساحر ولا الكاهن ولا أي شخص آخر.
بل اليوم وجدت أحد الطلبة يقول « انني أحاول اقناع والدتي بكلامك يا دكتور لأنه كلام جميل ومقنع وتعطي دلائل سواء علمية أو دلائل دينية ولكن الوالدة لا تقتنع»!
ان كل انسان يلجأ الى آية قرآنية أو جزء منها ليفسرها حسب رغبته دون أن يقرأ ما قبلها وما بعدها مثل قوله تعالى (مسهم طائف من الجن)... ان الآية نزلت بأكل الربا.
ان الملاحظ هو أن المتلبسين هم دائما ضعاف نفوس ومرضى وعندهم اضطرابات ولديهم طقوس اجتماعية ونفسية ولذلك يهربون من واقعهم الى (واقع) الخيال.
وفي العالم العربي فان المترددين على العيادات النفسية قليلون جدا لأنهم يخافون أن يقال لهم أنهم مرضى نفسيون، فكلمة مريض نفسي تعني الكثير في العالم العربي، مثل الجنون، علما أن العيادة ليست للمرضى النفسيين فقط بل لكل انسان سوي... ومثلا أنا لا أستطيع أن أتعامل مع أولادي أو أنا لا أقدر على التعامل مع مدير في العمل، اذن من الضروري أن أذهب الى الدكتور النفسي وألقي عليه ما لا أستطيع التعامل معه وما هي نقاط الضعف وماذا أعمل وما الطريق والسبل للخروج من تلك الأمور التي أمر بها، هذا يوجب أن أذهب الى المختصين لا الى العرافين.
ومع التقدم العلمي والتكنولوجي في العالم هناك فئة من الناس تريد أن تعيش في العصور المظلمة، عصور ما قبل التاريخ.
هناك عالم اسمه (جمس راندي) رصد مكافأة مالية قدرها مليون دولار لمن يأتي بعمل خارق من دون خدعة لم يجد لأن كل من ذهبوا اليه يستخدمون الخدع وأجريت اختبارات ووجد أن ما يعرفونه يساوي فقط نسبة الصدفة وهي 5 في المئة.
ولأعطيك مثلا بسحرة فرعون الذين سجدوا لموسى.
وهنا مجموعة من الآراء المؤمنة أو الرافضة لسيطرة الحسد على علاقات الناس.
كذب مضاد!
عبد الله الرشيدي - موظف: الحسد شيء غير طيب، وليس كل الناس يحسدون وقد تعرضت للحسد وأنا صغير وكنت أريد أن أشتري سيارة وكنت صغيرا ولم أستخرج بعد رخصة قيادة والناس قالت لأبي جايبه ليه وهو صغير؟! وأذكر أنه وقع لي حادث والسيارة متوقفة أمام البيت.
وهناك مثل يقول (ديرة الفسد ولا ديرة الحسد) وأعتقد أن الفقراء هم الذين يحسدون لأنه ينقصهم الكثير ولذلك يلجأون الى الحسد، وحدث موقف لأحد أصدقائي الذي تزوج وهو صغير و تكلم عنه الناس وثاني يوم حدث له حادث أثناء وجوده في غرفته وهي تطل على الشارع اذ بحجر يكسر زجاج النافذة وأصاب رأس العروس وذهبت الى المستشفى!
ويضيف: دائما ما ألجأ الى قراءة القرآن كي أقي نفسي من الحسد ولا أذهب الى المطوعين ولا العرافين، وفي بعض الأوقات أكذب لأهرب من الحسد.
صديقتي حرقت بيتي!
فاطمة العبد الله ... مذيعة تلفزيون: الحسد هو تمني زوال ما يتمتع به الآخرون وهو موجود ومذكور في القرآن، وأنا أعتقد بالحسد (وأخاف منه موت) وأتجنبه بعدم الحديث عن ما عندي، مثل لوعندي عشرة دنانير أقول ان لدي دينارين فقط!
وكنت أذكر ما يحصل عليه أبنائي من علامات وبعد ذلك كان يحدث لهم مرض وعندما زارتني صديقة قالت لي بيتك جميل وحلو وبعد خروجها حدث في البيت حريق وجاء رجال المطافئ وتدمّر البيت!
الأغنياء يحسدون
وتضيف فاطمة قولها: لا ألجأ الى المشايخ والتعويذات والتمائم والخرزة الزرقاء وما شابه ولكن الجأ الى القرآن وقراءة المعوذتين وآية الكرسي وقليل من سورة البقرة، حتى قبل الخروج على الهواء اقرأ آية الكرسي والمعوذتين ولم أجرب الحسد عن طريق الشاشة حتى الآن.
وهل الحسد من الفقراء أكثر من الأغنياء؟ قالت: الفقراء لا يحسدون بل الحسد دائما يأتي من الأغنياء لأنهم يتطلعون الى الفقراء ويحسدونهم على سعادتهم ولا أقول غير لا اله الا الله.
الحسود لا يسود
أبو محمد - محاسب في احدى الشركات: الحسد تمني زوال نعمة ما هوأعلى منك، أو هو شيء ناقص عندك وتتمنى الحصول عليه عن غير قناعة بعطاء الله، وهناك مقولة (الحسود لا يسود) أي لا يصل الى ما يريد مهما حدث لأنه غير قانع، والغيرة هي أساس الحسد أو أهم أسبابه، وأساس الحسد هو الفقر فقد قال سيدنا علي رضي الله عنه (لو كان الفقر رجلا لقتلته) وأنا أقي نفسي من الحسد بقراءة القرآن الكريم وعدم ذكر ما عندي ولا أحدث الا في القليل ولا أذهب الى العرافين ولا الى رجال الدين.
صديق يفجّر الشاشة!
كمال محمد صادق - مهندس مدني: الحسد موجود في كل مكان وزمان وهو مذكور في القرآن ولكن ليس بهذه الطريقة حيث أصبح مرضا وانتشر في المجتمع بشكل مخيف وهناك أناس تعتقد في الحسد وتدعي قدرات على الآخرين مثل أن يجعلك تمرض. هذا مستحيل أو خرافة.
وأشار الى أنه تعرض الى مواقف حسد كثيرة، فقد كنت أعمل على الكمبيوتر وقد زارني أحد أصحابي وكان زميلا في البلد ولم يكمل تعليمه، وشاهد الكمبيوتر وسألني عن عملي، وهل أكلم أهل بيتي، فقلت له بالساعات، قال جميل وبعد أن انتهى من كلامه اذا بالشاشة تنفجر!
وهل يلجأ الى رجال الدين أو العرافين واستعمال التمائم... يقول: لا... ولكن دائما ألجأ الى قراءة القرآن وأنا مواظب عليه.
صدفة الضرر
أحمد عبيد: الحسد مفهوم وفكرة موجودة ولكن تفسيره هو الذي يقع عليه الخلاف... والانسان الذي يقول انه محسود فاشل ويعلق فشله على شماعة الحسد لأنه يفسر كل ما يقع من سوء معه بالحسد وهذا غير صحيح لأن الحاسد هنا يأخذ صفة وقدرة الله سبحانه جل شأنه وهذا لا يجوز.
وتابع: ان الحسد مجرد رغبة أن يحقد عليك ويحسدك أحدهم ويتمنى زوال نعمتك، وان حدث ذلك فهو من باب الصدفة لا أكثر.
والحسد موجود ويمكن أن يأتي من أي انسان يغار من آخر غيره، لكن تفسير الحسد هو عبارة عن شخص عنده رغبة دفينة بزوال النعمة عنك أي يكره لك الخير، لكنه لن يستطيع أن يجلب لك الضرر أو النفع الا بارادة الله، وأنا لا أؤمن نهائيا أن هناك شخصا يحسد ويستطيع أن يقودك لعمل حادث، أو يسقط ابنك في الامتحان، هذا كلام فارغ وخرافة، ولو كان الحاسد يستطيع أن يفعل هذا وهذا لكان فعل لنفسه أولا قبل أن يؤذي الآخرين، مثل الساحر الذي يشتغل ويحصل مالا... هذا ليس ساحرا اذا لم يصبح بسحره أغنى الناس! ونسأله:
هل تعرضت للحسد؟ فيجيب: ليس لدي شيء حتى أحسد عليه. لكنه استدرك قائلا: الحسد موجود في القرآن نعم، ولكن الانسان الذي يرجع كل شيء يحدث له في حياته الى الحسد فاشل وهو يلجأ الى التبرير ليفسر فشله وعجزه، ومن يدع أنه محسود في شيء ما يكن ناقص العقل والتفكير مثله مثل الريشة التي يحركها الهواء ليس له ارادة فلا يوجد حسد، فاذا أردت عمل مشروع فان عليك أولا اعداد دراسة جدوى، ان الله منحنا العقل وميّزنا بهذا عن الحيوان، ولا بد من الحساب والتحسب واليقظة قبل الاقدام على شيء.
زميلتي (جلطتني)!
أم يوسف - موظفة في وزارة الصحة: الحسد هو تمني زوال نعمة الغير وهو ناتج عن الحقد، والغيرة بداية الحسد لأن صاحبها يحس بالنقص عندما يرى أمورا لدى غيره وهو يفتقدها أو يتمناها.
وتضيف: تعرضت للحسد يوم قالت لي زميلتي في العمل أنت صحتك (كويسة) وأحسن من زمان بكثير! ففي نفس اليوم حدث لي جلطة ودخلت المستشفى! ومن يومها وأنا أخاف الحسد بصور تصل الى الجنون، وألجأ أحيانا الى الكذب، ودائما ما أتحدث عن مشاكل عندي وهي ليست عندي! وكل ذلك للهروب من الحسد.
وتضيف: لقد تعرضت لكثير من الحسد، وعلى سبيل المثال ابنتي كانت من المتفوقين في الدراسة، وقد حسدها أقاربها وهي الآن تعرقلت كثيرا في الجامعة.
وتتابع: أقي نفسي من الحسد بقراءة القرآن والبخور والخرزة الزرقاء في سيارتي والبيت، لأني أعتقد بها كثيرا، وكذلك أقوم بتبخير البيت بالبخور والشبة والملح كل يوم اثنين وخميس، وهذا ما ورثته عن والدتي لأنها كانت تقول ان الملح يطرد العين، ولكن لا أذهب الى رجال الدين والحسد موجود ومذكور في القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
مجدي حسن: الحسد دليل على ضعف الإيمان
لكن لا أمر يحدث في الكون إلا بأمر الخالق عز وجلّ
يلاحظ الدكتور مجدي محمد حسن الامام والخطيب في مسجد محمد الصباح بمنطقة الفروانية تفشي الحسد في العالم ويرى أن الظاهرة منتشرة منذ القدم، وعند جميع الأمم، ويشير الى أن الله عز وجل حدثنا في كتابه عن ذلك، فقد ورد في محكم التنزيل: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم).
ويضيف: ربما يكون هذا المرض الذي حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم منه نتيجة ضعف الايمان والبعد عن الله عز وجل، ذلك لأن الحسد كما قال العلماء (هو تمني زوال النعمة عن الغير وأن تأتي النعمة الى الحاسد أو تمني زواله من غير أن تكون اليه)، وهذا في حد ذاته يتعارض ويتناقض مع الايمان بالله فالمؤمن لابد أن يكون عنده رضى بما قسم الله له، ولا بد من قناعته بما قسم الله له، وعليه أن يحب لأخيه المسلم ما يحبه لنفسه، وهناك أمر آخر يسمى الغبطة هي (تمني ما عند الغير ولكن من دون أن يتمنى زوال ذلك الأمر) والقرآن ينهانا أن ننظر أو نتمنى ما عند الأخرين وقال تعالى: (لا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا) وأن لله عز وجل في خلقه شؤون يعطي ويمنع ويوسع ويضيق، وهذا هو ابتلاؤه واختباره لعباده، فالله سبحانه تعالى يهب لمن يشاء ويمنع عمن يشاء ويوسع على من يشاء، وليس كل أمر يتمناه الانسان يتحقق، فهناك أمور الله عز وجل يحبسها عنه بارادته، ولشر الانسان، والبشر يتمنون كثرة المال والولد والمناصب وما شابه، وربما يأتي من ورائها الشر الوبيل فيحجزها الله عنه وربما يدخر الله له أمور خير في الآخرة فيكون تأخيره له في الآخرة خيرا من اعطائها له في الدنيا.
وأوضح أن الحسد هو التمني ونسبية وقوع التمني ضعيفة، فيكون الحسد قليلا كذلك، والحسد أمر حق تحدث عنه القرآن ونريد أن نشير الى أن كل ما يحدث في الكون أمره بيد الله وبأذنه، ولابد من أن يطمئن قلب المؤمن الى أن الله عز وجل عندما تحدث عن السحر قال: (وما هم بضارّين به من أحد الا بأذن الله).
وأن ما يحدث من نظر أو حسد أو سحر، لا يحدث ولا يقع الا بأمر الله، لابد من أن يتيقن المؤمن من أن ما يحدث لنا وكما قال العلماء مسجل في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة، فلا يظن الانسان أن الحاسد يؤثر بنفسه بل بقدرة الله عز وجل، لأنه لا يحدث شيء في الكون الا بأذن الله وارادته تعالى.
وعند بعض الناس يكون مرض الوسوسة أو من الأمراض النفسية مثل الاكتئاب الذي يجعل الانسان يعتزل الناس ويرفض المعاملة والانخراط بالمجتمع، لا نريد أن يصل الواحد الى هذا فتتحول حياته الى آلام، والى عذابات الواحد تلو الأخر، أي لم نقدر الأمور حق قدرها الا أن الحسد حق ويقع ولا شيء يقع في الكون الا بأدن الله تعالى.
ان تأثير الحسد على العلاقات الاجتماعية والأسرية كبير بعكس المنهج الاسلامي الذي يدعو الى التعاون والاخاء والمحبة وبالتالي يذهب بعض الناس الى العزلة والتقوقع، ونحن لا نريد من المسلم أن يكون عنده سوء الظن بالمسلمين كلما رأى انسانا ينظر اليه على أنه يحسده. لا نريد من المسلم أن يخالف منهج الله تعالى، فالله يريد من المؤمن أن ينخرط في المجتمع ويتعامل مع الناس ويخرج لكسب الرزق ويخرج لطلب العلم، فالمؤمن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) فالمسلم لا يجعل نفسه حبيس التوقعات والخيال الواسع والمبالغة في الحسد أو غيره حتى يجعله انسانا مكتئبا أو منعزلا في المجتمع.
وقال: يلجأ كثير من الناس الى التمائم والخرزة الزرقاء والحجب وما شابه ذلك، واذا كان هناك من أمر فيجب على الانسان في موضوع الحسد أن يلجأ الى كتاب الله تعالى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم (يرقي الحسن والحسين بالمعوذتين الفلق، الناس وسورة الاخلاص) وأيضا بذكر الله تعالى، والاستمرار والمواظبة عليها أما أن يذهب الى الشركيات التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم كالرقية بغير ما شرع الله، كوضع الخرزة الزرقاء والتمائم وما شابه ذلك حتى يدفع عنه شر الحسد كما يتصور ويعتقد، فانها أمور توقع في الشرك وفي نفس الوقت لا تغني عنه ولا تنفعه بل تضره في دينه وايمانه.
وأضاف: الحاسد أو الساحر بشر لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولو كان الحاسد أو الساحر، يملك لنفسه خيرا لأغنى نفسه وشفاها من الأمراض، لكن حاله كحال الناس يمرض ويتعرض للفقر والفاقة ويتعرض للبلاء فلو كان يملك لنفسه خيرا لنفع نفسه. والحاسد ما هو الا بشر وله قدرات محدودة، عاجز عن أي شيء، ولو كان عنده القدرة لنفع نفسه، أو دفع الأضرر لحماية نفسه من ذلك وارتقى بحاله الى الغنى واليسر والثراء ولكن هذا لا يحدث.
وأشار الى الرقية الشرعية فاذا الانسان أراد أن يرقي نفسه فعليه بالرقية الشرعية وأن يوقن بحقيقة التوكل، بمعنى ألا يجعل قلبه مضطربا خائفا ويجعل أي شيء يتعرض له، ولابد أن يكون معتقدا بالله، فان الله عز وجل هو النافع والضار والعلماء عرفوا التوكل (بأنه انعقاد القلب على الله في جلب ما ينفع ودفع ما يضر) والانسان مهما رأى وسمع و قيل له لا يخاف ولا يضطرب ولا يهتز، فان الله عز وجل بيده مقاليد الأمور وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن هذا الأمر.
ان على المحسود أن يلتزم بالرقية الشرعية التي شرعها القرآن وعلمنا اياها النبي صلى الله عليه وسلم، بتلاوة القرآن قال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) وعليه أيضا الاستعانة بذكر الله تعالى من القرآن وذكر الله من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام وهو دعاء نافع والقرآن في سورة الكهف تحدث عن استمرار التذكر بقوة الله وحوله، قال تعالى: (ولولا اذا دخلت جنتك قل ما شاء الله لا قوة الا بالله).
وعلى الانسان أن يستخدم هذا الدعاء عندما يرى ماله وأولاده ما شاء الله لا قوة الا بالله الاستعانة بذكر الله دائما في الضيق وأوقات الشدة أمر ندبنا اليه الشرع والله تعالى يقول (يأيها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) والاسلام أمرنا بالاحسان، وسبحانه وتعالى أراد من المسلم أن يكون محسنا الى غيره، وهذا يكفي المسلم شرورا لا يعلمها الا الله، والنبي صلى الله عليه وسلم قال (داووا مرضاكم بالصدقات) وقال تعالى (هل جزاء الاحسان الا الاحسان) والنبي عليه أفضل الصلاة والسلام أعلنها عندما قال (الصدقة على ذي الرحم الكاشح) وهو انسان قريب اليك وذو رحم ولكن مضمر العداوة في قلبه ضغينة أو حاقد أو حاسد أو ما شابه ذلك، وان عمل الصدقة والمعروف في أمثال هؤلاء ربما يغير من حاله أو ربما يخفف من غلواء الحقد والحسد في قلبه فيسالمه بعد ذلك.
ومن خلال عملي في المسجد أقوم بالحديث عن الحسد واعطاء دروس في ذلك، ودائما ندعو الناس لأن يحرصوا على تعلم ما ينفعهم، وألّا يركنوا الى قراءة الفنجان وضرب الودع وتعليق الخرزة الزرقاء، والرقى غير الشرعية، وألا يهملوا ما شرعه الله تعالى،وقلب الانسان لا يطمئن الا اذا توجه الى كتاب الله وسنن رسوله وابتعد عن الخزعبلات والطلاسم والأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وخلص الى أن المحسود بعيد عن الله وربما يحدث ذلك الحسد ويقع في غفلة، من ذكر الله تعالى فتوجد أوقات غفلة تعتري الانسان ربما في هذه الأوقات يحدث له الحسد وما شابه ذلك، ويلجأ الكثير من الناس الى الله وقراءة القرآن بعد الحسد.
ولا شك أن المسلم يتحول الى الدعاء والذكر وعبادة الله سواء في الشدة والرخاء، وفي الصحة والمرض، والغنى والفقر... في كل وقت وحين ولكن اذا أحس بذلك ويكون هذا احساسا صادقا لا نوعا من الوسوسة أو الخيال الواسع، كلما رأى أحدا ظن أنه حسده أو أجرى اليه عملا أو القى بين يديه بسحر، فعليه أن يلتزم بما فعله النبي عليه الصلاة والسلام وهو المواظبة على قراءة المعوذات وأيضا بقراءة آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة ودعاء النبي عليه الصلاة والسلام فقد قال: (أعوذ بك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامّة ومن كل عين لامّه).
ان قضية الابتلاء ثابتة في القرآن وهي مرتبطة بالايمان بالله تعالى، فالفتنة مرتبطة بالايمان والفتنة والاختيار والابتلاء مرتبطة بالايمان والله عز وجل ابتلى صفوة الخلق من الأنبياء والرسل قبل أن يبتلي عوام الناس والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن الابتلاء أمر مقرون بالايمان فقد قال (يبتلى الرجل على قدر دينه وان كان في دينه صلابة زيد في البلاء) فالبلاء قرين الايمان، وهذا لادخل فيه لا الحسد ولا السحر، بل كله يرجع الى الله عز وجل.
اللون الأزرق «يكسر» العين!
اتقاء من شر الحاسدين... مجرد اعتقاد