إشراقات النقد

«ليل مشغول بالفتنة» جدارية سعدية مفرح وفسيفساء من النصوص الجمالية «3 من 3»

تصغير
تكبير
| بقلم - سعاد العنزي |
... سعدية مفرح إن تقاطعت لغتها الشعرية مع لغة وعنوان رواية «متاهات ليل الفتنة»، فإنها حلقت بعيدا عن هموم الرواية التي تطرقت للعنف الإسلاموي المسيس، فكان اشتغال سعدية مفرح، يدور حول الأنثى وتحولاتها منذ الولادة حتى اللحظة التي تشبه النهاية وليست بنهاية.
الإضافة على الموروث:
ومن الجماليات التي أضافتها سعدية مفرح على جداريتها، تناص تحويلي تعديلي، قامت به الشاعرة مع قصيدة الشاعر العماني، سعيد بن أحمد بن سعيد ( 1188 هـ / 1774م ) أبوه هو الذي أسس الدولة البوسعيدية في عمان، وكان هو الحاكم الثاني.
الذي يقول فيها:
يا من هواه أعزه وأذلني
كيف السبيل إلى وصالك دلني
وتركتني حيران صبّا هائما
أرعى النجوم وأنت في نوم هني
عاهدتني ألا تميل عن الهوى
وحلفت لي يا غصن ألا تنثني
هبّ النسيم ومال غصن مثله
أين الزمان وأين ما عاهدتني
جاد الزمان وأنت ما واصلتني
يا باخلاَ بالوصل أنت قتلتني
أما سعدية مفرح... تؤرخ لقضية خذلانها مع الحبيب بمطلع القصيدة، الذي أضافت عليه مشاعر وأحاسيس جديدة تعبر عن روح العصر، ولغته الشعرية التي تختلف عن لغة الشاعر وزمنه، وإن كانت الحالة الشعرية واحدة في فقدان الحبيب، فتقول:
(يا من هواه أعزه وأذلني
وأذله وأعزني
وأقامني في ظل عاطفة
تؤرخ موتها
بقيامتي
وأماتني
في ليلتين أعادني) ( الديوان، ص30)
فالشاعرة أكملت وعدلت النص بما يتوافق مع تجربتها، وحالتها الشعورية، وأسبغت على نصها قوة شعورية متدفقة من اتحاد تجربتها، وتجربة غزلية سابقة لها، تحمل إرثا أدبيا جميلا.
ومن فسيفساء نصوص الشاعرة تقوم الشاعرة في ترصيع حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى».
لتقول الشاعرة:
في وحدة الصرخة
واتحاد الهدف الأول
ومن بعده الأهداف الجديدة الأخرى
فإذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الجسد بالسهر... والحمى... والصراخ... والدم المندفع في العروق حياة.
والساكن فيها موتا لاحقا. (الديوان، ص66).
إذاً الشاعرة ترصد حالة التحام أهدافها... لتؤكد وتضيف رؤية جديدة... متمثلة في رصد حالات متعددة للأنثى، عندما تحبط وتنكسر وتخذل.
تقاطعات اللغة الشعرية:
سعدية مفرح قارئة مطلعة للتراث الأدبي، مما أدى إلى تمازج لغتها الخاصة بأعمال أدبية شهيرة للأدباء العرب، يجعلنا نطلق على نصها إنه فسيفساء من النصوص الإبداعية الجميلة، التي تمازجت مع بعضها البعض بنسيج إبداعي فذ وجديد، ومن هذه التراكيب والمفردات:
( وتحاربين فوضى الورق: اسم رواية «فوضى الحواس» لأحلام مستغانمي).
(تبدين وليمة مثالية لوحوش النسيان الجائعة: اسم رواية «وليمة لأعشاب البحر» للروائي السوري حيدر حيدر).
( تضيق رؤيتك كلما اتسعت ابتسامته: ضاقت الرؤية واتسعت العبارة، مقولة شهيرة)
( في صورة معلقة على جدار آيل للسهو: فيلم «امرأة آيلة للسقوط»)
ومما لا شك فيه إن كلمتها الافتتاحية والتي تتكرر في النص بصورة كبيرة، تجيئين مع صيغة الفعل المضارع، الذي يؤكد على آنية الأحداث واستمراريتها، وقلق الشاعرة تجاه التجربة الآنية، فالألم مستمر، والقلق، والفكر، والتوجس، كلها أشياء ترتبط بصيغة آنية الأحداث، وهذا ما قامت به صيغة الفعل المضارع، كما إن الفعل (تجيئين)، يدل على تأكيد الشاعرة لأشخاص ما، على وجودها واستمراريتها، فليست من قبيل الوهم أم الحلم والرؤيا، بل هي واقع معيش، مؤكد في ثنايا النص، فعليك أيها القارئ الضمني، أن تعلم أن سعدية مفرح متواصلة في العطاء، والبقاء المثمر، لأنها حتى إن تمنت الموت، فهي تتمنى الموت وهي مدججة بقلب حي.
وبعد جدارية سعدية مفرح تحتاج إلى عدة قراءات في الأسلوب والمضمون، لأنها نص متعدد الدلالات والحمولات الشعرية والمعرفية، فهو عمل أدبي غير آيل للسقوط من الخارطة الأدبية العالمية.
* كاتبة وناقدة كويتية
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي